كتاب عربي 21

عن الموقف من حزب الله في الحرب الحالية

سعيد الحاج
يقول الكاتب: "السؤال اليوم هو الموقف من الحزب في مواجهة الكيان الصهيوني في معركة طوفان الأقصى"- جيتي
يقول الكاتب: "السؤال اليوم هو الموقف من الحزب في مواجهة الكيان الصهيوني في معركة طوفان الأقصى"- جيتي
ما زال الموقف من حزب الله اللبناني يثير جدلا واسعا في العالم العربي، ويعيد تجديده كل تطور في "الجبهة الشمالية"، ومردُّ ذلك في الأساس الدور الذي لعبه الحزب في الثورة السورية.

وقف الكثيرون، ومنهم كاتب هذه السطور، ضد تدخل الحزب في سوريا دعما للأسد، وانتقدوا ذلك وشجبوه وجرّموه. فعلوا ذلك وهم على وعي بالاختلاف الجوهري للحراك/الثورة في سوريا عن سابقاتها في تونس ومصر، وهو التدخل الخارجي المباشر، المتمثل بنزول السفير الأمريكي للشارع واجتماعه ببعض قيادات الحراك، ودخول دول عربية على خط التمويل والدعم، فضلا عن موقف النظام من الكيان الصهيوني في حينه.

فإذا ما أضفنا لما سبق تصريحات الدكتور برهان غليون في كانون الأول/ ديسمبر 2011 (رئيس المجلس الوطني آنئذ) بضرورة فك الارتباط وقطع علاقات سوريا مع حركات المقاومة في لبنان وفلسطين، يمكن فهم إلى أي مدى كان انتصار الثورة بكل تشعباتها وتعقيداتها وفاعليها (ودعمها الخارجي) يشكل هاجسا للحزب الذي ينظر لسوريا كبلد داعم ودولة عبور للأسلحة والعتاد.

ورغم هذا كله، مضافا له مآلات الثورة المجهولة وغير المضمونة حتى لو أسقطت النظام، لم ننزلق لمساحة تبرير التدخل فضلا عن تبرير الانتهاكات والتجاوزات التي تحصل في الحروب وحصلت في سوريا (اتُهم الحزب بارتكاب مجازر وحصار المدنيين).

نقول كان هذا موقفنا في ذروة انخراط حزب الله في الثورة السورية ولم نجد له العذر أو المبرر بعدِّه حركة مقاومة لها إكراهاتها، وما زال هذا هو الموقف من دوره في سوريا حتى اليوم.

التركيب والتعقيد من سمات الظواهر والفواعل السياسية، فالناس ليسوا ملائكة ولا شياطين، بل يمكن أن يُحسنوا في مكان أو قضية ويُسيئوا بل ويجرموا في مكان أو قضية أخرى. وعليه، فحزب الله بالنسبة لهؤلاء (بالنسبة لي) ما زال حزبا مقاوما للاحتلال رغم انتقاد ورفض دوره في سوريا

بيد أنه ليس هذا هو السؤال اليوم، بل هو الموقف من الحزب في مواجهة الكيان الصهيوني في معركة "طوفان الأقصى" التي مر عليها عام كامل وانخرط فيها الحزب من يومها الثاني كجبهة إسناد ظلت وتيرتها ترتفع وتتراجع، حتى وصلت لحالة المواجهة الكاملة باغتيال قيادات الصف الأول للحزب في مقدمتها أمينه العام حسن نصر الله، إضافة لمحاولات التوغل البري من الجنوب والتي يتصدى لها مقاتلوه بكل بسالة وضراوة.

وأزعم أن إجابة هذا السؤال واضحة ومحددة شرعا وعقلا ومنطقا (ومصلحة لمن أراد)، إذ هي مواجهة بين محتل صهيوني من جهة وصاحب أرض مقاوم من جهة ثانية.

وهذه الأخيرة، أي صفة المقاوم، هي السبب الأكبر للجدل المذكور. إذ يقول البعض إن سِجِلَّ الحزب في سوريا قد مسح ونفى عنه صفة المقاومة وأظهر وجهه الطائفي وأن مواجهته السابقة مع الاحتلال مجرد غطاء للخداع. وفق هؤلاء، وهم كثر، لا يجتمع أن يكون الحزب مقاوما للاحتلال وفي نفس الوقت يفعل ما فعله في سوريا.

وفقا للبعض الآخر، وكاتب السطور منهم، فالتركيب والتعقيد من سمات الظواهر والفواعل السياسية، فالناس ليسوا ملائكة ولا شياطين، بل يمكن أن يُحسنوا في مكان أو قضية ويُسيئوا بل ويجرموا في مكان أو قضية أخرى. وعليه، فحزب الله بالنسبة لهؤلاء (بالنسبة لي) ما زال حزبا مقاوما للاحتلال رغم انتقاد ورفض دوره في سوريا.

وهذا الكلام ليس إنشائيا ولا عاطفيا بسبب الحرب الحالية، فتاريخ الحزب منذ تأسيسه قائم على المقاومة، وبداياته الأولى تشهد بعمليات نوعية ضد الاحتلال والقوات الأمريكية والفرنسية في لبنان. ثم تبع ذلك محطات مهمة مثل حرب الأيام السبعة في 1993، و"عناقيد الغضب" في 1996، وانسحاب قوات الاحتلال في 2000 (بسبب المقاومة)، وحرب تموز في 2006، وغيرها الكثير من المواجهات الأصغر حجما.

وقد قدم الحزب في هذه المواجهات وبسببها العديد من التضحيات والشهداء في مقدمتهم أمينه العام الأسبق عباس الموسوي، وقائده العسكري الأبرز عماد مغنية، وهادي ابن الأمين العام حسن نصر الله، فضلا عن الاغتيالات الأخيرة.

كما أن انتقاد قتال الحزب مع الأسد لا يعني التسليم تماما بكل الاتهامات التي وجهت له (ولا تبريرها)، ذلك أن بعض التقارير موجهة، وبعضها يعمم الحكم والتقييم على "المجموعات الشيعية".

تصوِّرُ السردية المنتشرة الحزبَ كقوة شريرة انفلتت في سوريا تقتل المدنيين وتحاصرهم وتقطع رؤوسهم لا لشيء إلا لأسباب طائفية، بينما تقول الوقائع إنه تدخل لدوافع جيوسياسية ومصلحية متعلقة بحليفه ومخاوف مآلات الثورة لغير صالحه (وهذا تفسير لا تبرير)، وطبعا انخراطا في الجهد الإيراني لصالح النظام. وتقول الوقائع نفسها إنه قاتل فصائل في الثورة في الأصل وقتل منه على أيديهم أكثر من حرب تموز (الحرب الأطول مع الاحتلال) نفسها، دون أن ننفي أو نبرر الانتهاكات التي حصلت. وتقول الوقائع كذلك إن الكل قاتل الكل وإن المعظم ارتكب أخطاء وخطايا وانتهاكات، بينما بقي التركيز الأبرز على الحزب (وإيران)، وهو ما ينبغي أن يشير إلى السردية الطائفية المنتشرة ودور الإعلام والتجييش فيها، دون نفي الأسباب والسياقات الرئيسة.

كما أن الوقائع السابقة تقول إنه لم يتعامل بروح الانتقام والتشفي حتى مع جيش لبنان الجنوبي بعد انسحاب الاحتلال، حتى أحداث 7 أيار/ مايو في لبنان التي يعدُّها البعض اجتياحا لبيروت واستخداما لسلاح الحزب في الداخل اللبناني (وهي حالة الاستثناء)، فإن الشواهد تقول إن معظم التجاوزات فعلها حلفاء الحزب من التيارات الأخرى وليس مقاتلو الحزب نفسه، وقد عبر نصر الله نفسه عن الأسف عنها لاحقا.

ما يحكم الموقف اليوم هو القواعد والمعادلات سابقة التفصيل في المقال، ومنطق واجب الوقت وفقه الأولويات والمآلات، إضافة للنظر للحرب الحالية على أنها ليست فقط حرب إبادة ضد غزة وتصفية للقضية الفلسطينية وإنما حرب إخضاع للعالم الإسلامي بكامله

ما أحاول قوله إن هذه العقود الطويلة من أداء الحزب ضد الاحتلال وتعامله مع مختلف الفرقاء تمنع الكثيرين من نفي صفة المقاومة عنه أولا، ثم تجعل ثمة حاجزا قويا أمام تصديق كل ما يُنسب له من انتهاكات ومجازر.

ثم إن هناك افتراضا آخر يعمّق حالة الجدل، وهو افتراض أن تأييد الحزب في حربه ضد الاحتلال يعني تبرير ماضيه (وحاضره) في سوريا وتبرئته ودعم سرديته، وهو افتراض لا ينبطق على معظم أصحاب هذا الطرح فيما أتابع. إن ما يحكم الموقف اليوم هو القواعد والمعادلات سابقة التفصيل في المقال، ومنطق واجب الوقت وفقه الأولويات والمآلات، إضافة للنظر للحرب الحالية على أنها ليست فقط حرب إبادة ضد غزة وتصفية للقضية الفلسطينية وإنما حرب إخضاع للعالم الإسلامي بكامله.

خلاصة الحديث أن حزب الله حركة مقاومة في وجه الاحتلال، ماضيه كحاضره فيه (ولا أجد ثمة حاجة لنقاش فكرة "المسرحيات والتمثيليات" في الموضوع)، وأنه جزء من حالة المساهمة إلى جانب غزة ومقاومتها، ودفع مساعي الإخضاع والإذلال للأمة بأسرها فضلا عن لبنان وشعبه، ما يجعل احتمال هزيمته خيارا كارثيا، إذ الطرف الآخر هنا الكيان الصهيوني ومن خلفه من دول وقوى غربية.

هذا التأييد، الذي أراه منطقيا وواجبا، ليس له علاقة بالمشهد السوري بشكل مباشر، اللهم إلا من باب أن سوريا جزء من العالم العربي والإسلامي وينطبق عليها من التهديدات والمخاطر الحالية والمستقبلية ما ينطبق على غيرها في إطار تقييم مآلات الحرب.

هذا المنطق لا ينفي مظلومية السوريين ولا يقلل منها، ولا يدعوهم للنسيان والغفران، وإنما يدعو الجميع للنظرة الصحيحة للحرب القائمة ومآلاتها المحتملة وأطرافها المنخرطة واتخاذ المواقف الصحيحة إزاءها، وفق قوله تعالى: "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى".

x.com/saidelhaj
التعليقات (0)