التطورات الأخيرة التي حدثت في
سوريا بعد عملية رد العدوان وسرعة تحرير
إدلب وحلب وحماة بالكيفية التي فاجأت العالم كله؛ جعلت الأنظار تتجه كلها لأنقرة.
تركيا بحكم الجغرافيا والتاريخ ووجود جزء كبير من الشعب السوري على أراضيها،
هي المعنية الأولى بالأزمة السورية منذ بداية الربيع العربي 2011.
فالحدود المشتركة بطول أكثر من 900 كيلومتر مع سوريا، والمخاطر التي ترتبت
على أمن تركيا القومي بفعل الحرب في سوريا، وتدفق اللاجئين والمخاطر التي تتعلق بنشوء
كيانات تعتبرها تركيا معادية.. كل ذلك جعلها البلد الأكثر تأثرا وتأثيرا فيما يجري في هذا البلد الذي تربطها به تاريخ مشترك وأواصر دم ومصالح متبادلة.
تركيا أثبتت أيضا أنها كانت حليفا موثوقا به كعهدها عندما تتعهد تفعل،
كما فعلت في ليبيا وقطر وأذربيجان والصومال، فأوفت وأنجزت، على خلاف من تحالفوا مع
الثورة السورية من الأنظمة العربية ووعدوا بتحرير دمشق وإسقاط
الأسد وغرروا بالمعارضة
السورية؛ ثم انقلبوا عليها ووضعوا أيديهم في النهاية
الأنظار كلها تتجه الآن لتركيا، خاصة بعد تصريحات الرئيس التركي الأخيرة في مكالمته مع الأمين العام للأمم المتحدة الخميس الماضي، والتي أكد فيها على استمرار دعوته لبشار الأسد إلى إيجاد "حل سياسي" للوضع في سوريا "بشكل عاجل" بعد التطورات الأخيرة، وهو ما يمكن وصفه بالنداء الأخير لبشار وجماعته
في يد جزار سوريا بشار الأسد وانقلبوا
على أعقابهم داعمين للفاشية وللنظام الذي مارس الإبادة ضد شعبه.. بالتأكيد تعرفونهم
جميعا وتصريحاتهم لا تزال محفوظة تفضح نفاقهم وتلونهم.
احتضنت تركيا 4 ملايين مهجر سوري، ورغم كل الضغوط التي دفع بسببها حزب
العدالة والتنمية الحاكم فاتورة كبيرة أثرت على أغلبيته في البرلمان وفي البلديات الكبرى
التي فقدوا الأغلبية فيها، بسبب ما خلّفته أزمة اللجوء من تأثيرات اقتصادية ومجتمعية
استغلتها قوى المعارضة التركية للنيل من الحزب الحاكم، وبالتالي فقد تحولت الأزمة السورية
لأزمة داخلية في تركيا، ومع ذلك لم تتأثر توجهات تركيا في احتضان المهاجرين ورغبتها
في حل الأزمة السورية بشكل يضمن عودتهم لبلدهم بكرامة وأمان ولا أحد يزايد عليهم في
ذلك.
وكلنا تابعنا بل وانتقدنا دعوات الرئيس
أردوغان المتكررة قبلا للقاء بشار
الأسد بوساطة الرئيس بوتين لإيجاد الحلول السياسية للأزمة، وكلنا تابعنا بشار وهو يرفض
اللقاء واستمعنا لتصريحاته المتعالية وشروطه التي كان يضعها مسبقا لهذا اللقاء، في
واحدة من أغبى مواقفه الكاشفة لمستواه السياسي، وكيف كشفت الأيام الأخيرة أنه كان أسدا
من ورق، لم يكن يستند إلا إلى قوة القوات الأجنبية والمليشيات التي جلبها لإبادة شعبه
وتهجيره وفرض الاستبداد عليه بالبراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية والقاذفات الروسية
التي استخدمها ضد شعبه، فقتل من السوريين أكثر مما قتل هولاكو، وعندما اختلت حسابات
داعميه لأسباب خاصة بهم وانشغلوا بشأنهم، انكشفت حقيقته وانهارت قواته كبيوت العنكبوت!!
ومن هنا فالأنظار كلها تتجه الآن لتركيا، خاصة بعد تصريحات الرئيس التركي
الأخيرة في مكالمته مع الأمين العام للأمم المتحدة الخميس الماضي، والتي أكد فيها على
استمرار دعوته لبشار الأسد إلى إيجاد "حل سياسي" للوضع في سوريا "بشكل
عاجل" بعد التطورات الأخيرة، وهو ما يمكن وصفه بالنداء الأخير لبشار وجماعته.
ورغم ذلك فلا أعتقد أن هناك عاقلا يمكن أن يرى لبشار دورا في مستقبل سوريا
بعد أن ولغ في دماء شعبه طوال هذه السنوات العجاف، وأعتقد أن دعوة أردوغان هي لإعادة
إحياء آلية سلمية متفق عليها لانتقال السلطة بشكل سلمي، لحكومة تعيد المهجرين بأمان
وتجري انتخابات حرة تشرف عليها الأمم المتحدة كما في جوهر قرار مجلس الأمن رقم
2254.
ليس من حق أحد أن يلوم الشعب السوري على اختيار الوقت المناسب لتحرير مدنه والعودة لدياره، وقد كانوا يستعدون منذ سنين لهذه اللحظة، ولن يرحم التاريخ كل من يسعى الآن للتدخل من جديد لدعم الاستبداد ودعم حكم بشار الطائفي العائلي بعد أن استباح قتل أكثر من 600 ألف سوري وتهجير نصف شعبه من بلادهم، وجلب الأجانب من كل مكان لتغيير ديموغرافية السكان، وكلها جرائم ضد الإنسانية كان ينبغي أن يساق بها إلى محكمة الجنايات الدولية
ومن هنا ينبغي أن تتوقف الدعوات لإرسال مليشيات أو قوات لدعم جزار دمشق،
في المزيد من القتل والتدمير للمدن السورية وللبنية التحية للبلاد، بل ينبغي أن تتركز
كل الجهود في إطار تنفيذ هذا النداء الأخير الذي أطلقه أردوغان لسرعة إيجاد مخرج سلمي
يجنب سوريا مزيدا من الدمار ويعيد الأمل للشعب السوري لبناء دولة ديمقراطية تتسع لكل
طوائفها ومكوناتها ولكل أبنائها، وهذا ما سمعناه من الثوار الذين حرروا إدلب وحلب وحماة
وأذهلوا الجميع بخطابهم الراقي ونواياهم الطيبة التي لمسها الشعب السوري في المدن التي
تحررت من عصابات جزار سوريا.
دعوكم من علكة الإرهاب التي تلوكها ألسنة المغرضين لتكريس القمع والإرهاب
الحقيقي الذي مارسته عائلة الأسد منذ أكثر من خمسة عقود ضد الشعب السوري، فما يجري
في سوريا الآن هو امتداد للربيع العربي الذي بدأ سلميا وجرى سحقه وذبحه، فعاد الثوار
اليوم يبشرون بفجر الحرية لسوريا لينتزعوا حقوقهم في العودة لديارهم التي شُردوا منها،
وقد عانى قطاع كبير من الشعب السوري من كل أنواع المعاناة في المهاجر التي هُجروا إليها،
ومن حقهم طي هذه الصفحة الأكثر سوادا من التاريخ الذي مر على هذه البلاد.
ليس من حق أحد أن يلوم الشعب السوري على اختيار الوقت المناسب لتحرير
مدنه والعودة لدياره، وقد كانوا يستعدون منذ سنين لهذه اللحظة، ولن يرحم التاريخ كل
من يسعى الآن للتدخل من جديد لدعم الاستبداد ودعم حكم بشار الطائفي العائلي بعد أن
استباح قتل أكثر من 600 ألف سوري وتهجير نصف شعبه من بلادهم، وجلب الأجانب من كل مكان
لتغيير ديموغرافية السكان، وكلها جرائم ضد الإنسانية كان ينبغي أن يساق بها إلى محكمة
الجنايات الدولية، لولا الدعم الدولي والصهيوني الذي تلقاه، فقد كان خيار القوى التي
رأت في وجوده ضعيفا، مصلحة لهم، ولولا ذلك لتخلوا عنه منذ زمن بعيد وتركوه ليلقى مصيره
على يد شعبه.
سوريا تستحق الحرية وشعبها أحق بها.