لم يكن احد يتوقع أن "السلطنة النائية" هي التي كانت وراء الاتفاق التاريخي الذي توصلت إليه الدول الكبرى مع إيران.
هذا ما كشفته الصحفية الاسرائيلية
سمدار بيري في مقالتها بصحيفة يديعوت الصادرة اليوم.
بيري تتبعت "اتفاق
النووي" ووجدت بداية الخيط في العاصمة العمانية مسقط، حيث السلطان قابوس الحاكم الأقدم (منذ 43 سنة) في العالم العربي، الذي لا يجري لقاءات صحفية ولا يحب وسائل الإعلام التي تنبش في أموره، على حد قول بيري.
تقول بيري في مقالتها تحت عنوان "إبحثوا عن السلطان":
إن سلطان عمان وهو الحاكم الأقدم (منذ 43 سنة) في العالم العربي، لا يجري لقاءات صحفية ولا يحب وسائل الاعلام التي تنبش في أموره. لكنه استدعى قبل سنتين الصحفية الامريكية جوديت ميلر ليعلن أنه "يمكن وجود حل للصراع الامريكي مع إيران". ودهشت ميلر لتصميم السلطان الذي أصر على أنه "حان الوقت، وأنا أعلم أن الايرانيين مهتمون". ووصفته بأنه سائس هاديء وداهية يمكث في قصر فخم في المكان الأقصى متصلا بمعلومات تأتي من العالم الكبير.
ليست قلعته بعيدة عن العيون فقط، بل هي جزيرة معزولة بين سلسلة إمارات النفط والمملكة
السعودية، وهي التي أُصيبت بالذعر بسبب خطط توسع طهران الزاحفة.
وتضيف الكاتبة: وأعلن السلطان أنه يعرض ربط الخيول.
وفُهمت الاشارة الخفية، فقد خرج مبعوثون سرا لجس النبض في مسقط عاصمة السلطنة، وصاغ أمريكيون وإيرانيون شروطا وانطلقت القناة السرية في طريقها في شهر آذار الاخير من وراء ظهر الرئيس السابق أحمدي نجاد. وفي واشنطن حددوا مجموعة قليلة من المطلعين على السر فإما أن تنضج الاتصالات وإما أن تُدفن المغامرة. وطلب السلطان الحفاظ على سرية كاملة.
وتطورت الأحداث سريعا: فقد أُرسل وليام بيرينس نائب وزير الخارجية، وجيك سليفان، مستشار نائب الرئيس، ليتفحصا مع وفد إيراني هل يمكن انشاء تفاوض ظاهر في تعليق البرنامج الذري. وطلبت واشنطن خطوات بناء ثقة وجاء الايرانيون مع سلة مشتريات مليئة. وبعد شهرين هبطت طائرة عسكرية في
عُمان. وروج وزير الخارجية جون كيري لذرائع لزيارة السلطنة النائية، النادرة. ونجحوا في الابقاء على الحوار سريا والتمهيد للطريق إلى جنيف كما كانت الحال في القناة السرية التي وجدت في اوسلو بين اسرائيليين وفلسطينيين.
وفي حزيران أُجريت الانتخابات في إيران وأصبح روحاني يستطيع أن يسمح لنفسه بفتح صفحة جديدة وبإسقاط العقوبات. وحينما دخل مكتب الرئيس في آب تلقى رسالة من نظيره أوباما. لكن حينما ضغط الامريكيون لاتمام لقاء تاريخي أو حتى مصافحة في أروقة الامم المتحدة، أعلن الايرانيون أن ذلك لن يكون، فأسقط أوباما على روحاني المكالمة الهاتفية الأولى.
يتبين الآن أنه تمت خمسة لقاءات عمل في الطريق الى اتفاق جنيف. فمتى عرفوا عندنا بالقناة السرية؟ يُسرب المقربون من أوباما أن الرئيس أبلغ رئيس الوزراء نتنياهو في نهاية أيلول. ولم يعطه صورة كاملة. وعرفت إسرائيل بطرقها أكثر من ذلك بقليل واستشاطت غضبا. وتلقى الوفد الإسرائيلي أمرا بمغادرة القاعة وقت خطبة روحاني في الجمعية العمومية للامم المتحدة. وسمى نتنياهو الغاضب الإيرانيين "ذئبا في جلد نعجة" وبيّن أن إسرائيل لا تمر عليها ملابس التنكر الجديدة.
وفي توالي الأحداث نسوا أنه قبل عشرين سنة، بعد اتفاق أوسلو، عملت مفوضية إسرائيلية في مسقط، وكانت العيون موجهة إلى إيران. وافتتحت عُمان أيضا مكتب مصالح في تل ابيب أُغلق سريعا بعد نشوب المعارك في غزة. وسرقوا عندنا مع وزير الخارجية العماني، يوسف بن علوي، خيولا كثيرة إلى أن فسدت العلاقات فشعر العمانيون بالإهانة واستخفت إسرائيل بهم. ألم نقل من قبل إن عُمان هي المكان الأقصى في العالم، فمن يحسب لهم حسابا؟ ومن كان يحلم أنهم سيلتفون علينا؟.
ولم نلاحظ بحسب طريقتهم – وهي مضاءلة الظهور والعمل من وراء الستار – لم نلاحظ إرسال مندوب عماني إلى التوقيع في جنيف. فسيظل السلطان قابوس منطويا في القصور، وحينما يركب طائرة سيأخذ معه الفرقة الموسيقية التي انشأها في سلطنته. فيمكن أن نقول إنه وسيط ذو ذوق كلاسيكي. ويجب أن نعترف بأن ذلك كان إضاعة فرصة إسرائيلية. وسيربح السلطان في السباق الذي بدأ نحو ايران بين شركات ضخمة ورجال أعمال.