قال مارك لينش الخبير في شئون الشرق الأوسط في عموده اليومي بمجلة فورين بوليسي إن الحكم العسكري في
مصر لن يكتسب أي شرعية اذا لم يتوقف عن سلسلة الاعتقالات السياسية العشوائية، وأن سلطات الانقلاب تحاول إعادة بناء جدار الخوف في مصر، وأنها ستحول البلاد إلى "بحرين جديدة" تابعة للسعودية، على حد قوله .
وعلق لينش في مقال تحت عنوان "أفرجوا عن شعبكم!" على مقال عمرو موسى الأخير في صحيفة النيويورك تايمز الامريكية الذي قال فيه إن بناء المؤسسات الديمقراطية لا يمكن أن يتحقق بين عشية وضحاها، فرد عليه لينش ساخرا: "أتعلم ما يمكن فعله بين عشية وضحاها؟ يمكن إطلاح سراح المعتقلين السياسيين الذين يعانون من ظروف احتجاز مرعبة والذين اعتقلتهم الدولة البوليسية في إطار مجهوداتها الحثيثة لتجريم المعارضة السياسة وتكميم الأفواه".
ودعا لينش إلى عدم الاعتراف بالدستور الجديد في حال استمرار قمع النشطاء السلميين من أمثال أحمد ماهر، والصحفيين من أمثال رئيس مكتب قناة الجزيرة الانجليزية محمد فاضل؛ الذين يعانون في السجن الآن بعد اعتقالهم على يد حكومة العسكر.
وأضاف قائلا "لابد للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأي منظمة أهلية محترمة ستشارك في مراقبة الاستفتاء القادم؛ أن تضع شرطا لا جدال فيه، وهو أن يتم الإفراج عن جميع هؤلاء المعتقلين السياسيين قبل الاستفتاء حتى يتم الاعتراف به وإضفاء أدنى شرعية عليه".
وقد أدان الكاتب ما وصفه "المحاكم المسيسة" التي لا يمكن أن تصدر أحكاما عادلة في حق النشطاء محمد عادل وأحمد دومة وأحمد ماهر وغيرهم، وكذلك محاكمة الرئيس السابق محمد مرسي التي وصفها بـ "المحاكمة الشكلية".
كما انتقد الكاتب اعتقال أعداد هائلة من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين؛ وتلفيق تهم الإرهاب لهم وتجميد أموالهم ومصادرة جوازات سفرهم وإغلاق جمعياتهم الخيرية.
ويرى الكاتب أن الحملة القمعية ضد الإخوان والنشطاء من التيارات الأخرى هي جزء من مشروع واحد يسعى للقضاء على ثقافة التظاهر التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك من أجل إعادة النظام السلطوي مرة أخرى. "فالقائمون على الانقلاب يتمنون إعادة بناء جدار الخوف الذي هدمته ثورة يناير".
ولكن السخافة التي وصلت إليها هذه الحملات من وجهة نظر الكاتب قد حولت الخوف إلى سخرية؛ فمن الصعب إنكار الفكاهة التي حملها خبر البلاغ المقدم ضد الشخصية الكرتونية المعروفة بـ "أبله فاهيتا"، والتي وجه اليها اتهام بالإرهاب والعمالة للإخوان؛ كما تساءل الكاتب ساخرا: "من يمكن أن يحترم حكومة تشن حربا على الرقم "4"؟" في إشارة لحملة الحكومة المصرية ضد كل من يشير بعلامة "
رابعة".
كما تعجب الكاتب من الجنون الذي وصلت إليه إحدى الصحف التي ادعت أن الممثلة الأمريكية أنجلينا جولي تتآمر لصالح الإخوان، أو ما قالته القاضية السابقة بالمحكمة الدستورية "تهاني الجبالي" بوجود مؤامرة أمريكية إخوانية ضد مصر. "وكيف يمكن أخذ عملية الاستفتاء على محمل الجد إذا كانت السلطات تعتقل كل من يدعو إلى التصويت بلا؟"
وأكد لينش على أهمية فضح النظام القمعي في مصر داخليا وخارجيا حتى يتم الإفراج عن المعتقلين ووقف حملات التشويه المنظمة ضد الأصوات المعارضة. فالسخرية وحدها لن تخفف من معاناة المعتقلين، ولن توقف الحملة المكثفة لوصم جماعة الإخوان بالتنظيم الإرهابي أو اتهام حركة 6 ابريل بالخيانة. ورغم أن النظام الآن لديه السلطة الأكبر على الأرض، إلا أن تزايد أعداد المعارضين للانقلاب الذين يشعرون بـ "التقزز" من تجاوزات النظام الحالي هو خير دليل على أن جدار الخوف لن يعود بسهولة.
ويختم الكاتب مقاله بالقول إن خريطة الطريق لن تؤدي إلى الديمقراطية ولا الاستقرار ولكنها تدفع بمصر إلى مزيد من القمع والفشل السياسي. فالحكومة المصرية لا يمكن أن تحول مصر إلى إمارات جديدة؛ ولكنها ستحولها إلى بحرين أخرى تابعة للسعودية، وتسيطر عليها دولة أمنية فوق القانون ويمزقها الاستقطاب السياسي الذي يصعب علاجه، ويتم وصف المعارضين فيها بالمتآمرين أو الإرهابيين. فالحملات الدعائية لن تفيد السلطات المصرية إذا لم يصحبها احتواء سياسي فعلي للمعارضين. إن واشنطن ليس بيدها الآن فعل الكثير للسيطرة على الصراعات السياسية المحتدمة في مصر، ولكن هناك فرصة لممارسة شكل محدد من الضغط على السلطات المصرية في ظل سعي الحكومة المصرية للحصول على الدعم الدولي للاستفتاء.
ويختم قائلا: "فالإدارة الأمريكية يجب أن تقول بوضوح أن تحقيق أي تطور إيجابي في مصر يتطلب بالضرورة إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وانهاء الحملات القمعية ضد المعارضين".