علقت مجلة "تايم" الأمريكية على الاستفتاء الذي دخل يومه الثاني في
مصر على الدستور المعدل، بالقول "إنه مجرد استفتاء شكلي يهدف يهدف لمنح الحكومة المدعومة من العسكر سلطات واسعة".
جاء ذلك في التقرير الذي أعده الكاتب جاريد مالسين متسائلاً فيه عن السبب الذي يحمل المصريين على التصويت بنعم للتخلي عن حريتهم.
وأبدى الكاتب استغرابه من مشهد في حي المهندسين أثناء التصويت على الدستور حيث يظهر الجنود ببنادقهم المتدلية من أكتافهم (إي كي- 47 ) يراقبون عملية الاقتراع ولا يسمح إلا لخمسة أشخاص الدخول للتصويت في كل مرة. وفي الأثناء يظهر كبار في السنّ داخل قاعة الإقتراع يتجادلون محتجين على عدم وجود أسمائهم في قوائم المقترعين.
حماية الشرطة
وأضاف التقرير إن "الهدف من التصويت على الدستور المقترح، والذي تمت كتابة مسودته في ظل حكومة مدعومة من الجيش خلال الأشهر التي أعقبت الإطاحة بالرئيس محمد مرسي في تموز/ يوليو، هو حماية الشرطة والقوات المسلحة وتحصينهم ضد سيطرة المدنيين عليهم، والتأكيد على سلطة الجيش داخل الدولة المصرية لأجيالٍ قادمة.
فبعد ثلاثة أعوام من الإنتفاضة الشعبية التي أجبرت الحاكم الديكتاتوري حسني مبارك على الخروج من السلطة، عادت الدولة البوليسية منتصرة للمرة الثانية.
وقتل أكثر من ألف شخص منذ عزل مرسي في عملية القمع والملاحقة التي قامت بهل الحكومة ضد الإخوان المسلمين، فيما تم زج المئات في السجون بمن فيهم صحافيون وناشطون بارزون عارضوا كلا من مبارك ومرسي.
واليوم تكافح القوى الثورية كيف يسمع صوتوها، فيما ينصب كل الدعم الإعلامي في مصلحة النظام الحالي، فضلاً عن تأييد الكثير من المصريين للعسكر متقبلين الأمر الواقع بكلّ بساطة.
15 بالمئة حتى الآن
ولاحظ التقرير في لقاءات منفصلة مع مقترعين في ثلاث محطات اقتراع منفصلة أن كل من التقى معهم الصحافي كان يدعم الدستور، ونقل عن إيناس مازن، وهي طبيبة قولها "أعتقد أن هذا الدستور جيد، وكي نعطي رسالة للإخوان أننا لا نريدهم، ونريد نظاما جديدا من الحرية والديموقراطية".
وأشار التقرير إلى أن نسبة 15 بالمئة شاركوا حتى يوم أمس، بحسب اللجنة المصرية العليا للانتخابات.
وأضاف التقرير "على الرغم من الإنتقادات الواسعة من جماعات حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين سواء من ناحية المحتوى أو طريقة التصويت يتوقع الكثيرون أن يمرر الدستور بأغلبية. خاصة أن التاريخ الحديث يشير لاختيار الناخبين خيارا دستوريا صلبا على خيار الفوضى إن قرروا قول "لا"، كما أن الغالبية صوتت بنعم في استفتاءي 2011 و 2012".
ملاحقة وتحرش
وقال التقرير إن اقتراع هذا الإسبوع يأخذ مكانه وسط عمليات ملاحقة وتحرش بالذين عارضوا الوثيقة، ويشير هنا إلى معارضة حزب مصر القوية الذي يقول إنه واحد من الاحزاب الفاعلة في الدعوة للتصويت بلا، ولكن الحزب قرر تعليق حملته يوم الأحد بعد اعتقال 11 ناشطاً في ثلاثة أحداث منفصلة عندما كانوا يعلقون ملصقات أو يوزعونها. ونقلت عن ممثل حزب مصر القوية، فخري نبيل "هذا استفتاء بدون خيار، وهو استفتاء على نعم، لا غير مسموح بها". وأضاف "هذه العملية ليست حرة ولا نزيهة ولا نستطيع المشاركة".
ونقل عن خالد منصور، مدير مركز المبادرة المصرية للحقوق الشخصية قوله إن الاعتقالات "تلقي بظلال كبيرة على نزاهة العملية هذه". وأضاف أن "تعليق ملصق أو التعبير عن موقف سياسي ليس أمراً مثيرا للجدل، ولكنه يصل حد السخافة".
ويقول التقرير إن جماعة الإخوان المسلمين التي كانت تعتبر قوة انتخابية كبيرة، دعت لمقاطعة الإنتخابات ولكنها الآن محظورة ومصنفة كجماعة إرهابية. وفي الوقت الذي يقول فيه التقرير إن الدستور الحالي صاغته لجنة من خمسين شخصا عينتهم الحكومة المدعومة من العسكر، إلا أن الكاتب يصف موقف الإخوان بأنه "تبادل أدوار"، ففي عام 2012 عندما وضعت حكومة مرسي الدستور أمام المقترعين قررت نخب وجماعات مقاطعته.
دعاية وتضليل
ولاحظ التقرير الحملة الإعلامية الضخمة التي ترافقت مع القمع وملاحقة الإخوان، ودعت وسائل الإعلام المصرية المصريين للخروج والمشاركة به كواجب وطني.
وأشار للملصقات واللوحات الإعلانية في كل مكان "نعم للدستور، لا للإرهاب". وأشار إلى أن بعض الإعلانات تقوم باستعادة إرث حسني مبارك "مصر تغيرت في 25 يناير وتحررت في 30 يونيو"، حسب إعلان في الإذاعة. ويقول آخر "اخرج وكمل المشوار، شارك في الإستفتاء". ولم تفت المناسبة قائد
الإنقلاب عبد الفتاح السيسي عندما دعا يوم السبت المصريين للخروج والتصويت.
وقال التقرير إن الداعمين للدستور هو عبارة عن تحالف متنافر يضم حزب النور السلفي والناصريين والعلمانين من رجال الأعمال وحزب مصر الحرة الذي يدعمه رجل الأعمال نجيب ساويراس.
وأضاف التقرير إن "المروجين للدستور عادة ما يرفضون المخاوف التي تثار حول الدستور وأنه يضع سلطات كثيرة في يد الجيش". وقال نجيب ابادير أحد مؤسسي المصريين الأحرار إن "مصر تمر بمرحلة صعبة وتواجه الإرهاب هذه الأيام". و "نحن بحاجة لجيش قوي لا يتنازل في الثماني سنوات القادمة بأي شكل من الأشكال ومن أجل القيام بالواجبات التي تعتبر مفتاحا لنجاة مصر".
وتحدث التقرير عن الناشطين الذي أيدوا وألهموا ثورة 2011 ولكنهم في وضع لا أحد يستمع لهم، ونقل عن المدون وائل عباس الذي يعارض الدستور قوله إنه "يمنح الجيش سلطة مقدسة وتجعله فوق المحاسبة". ومع ذلك فوالده القاضي قرر التصويت بنعم، وقال عباس "حاولت توضيح الوضع له لكنه لا يتابع الإنترنت ولا يرى إلا وجها واحدا وهو الذي يشاهده على التلفاز".
ونوّه التقرير إلى "أن الدعاية والتضليل عادة ما تبث في الإعلام المصري"، وقال ناثان براون من جامعة جورج تاون "عندما تشاهد التلفزيون أو تقرأ الجريدة فكأنك تدخل في عالم حر لا يهتم بالحقائق". وأشار براون إلى مظاهر النقد للوثيقة، والتي يرى النقاد أنها تمنح الجيش ووزارة الداخلية سلطات واسعة "فهي بشكل فعلي ستمنح وزارة الداخلية فيتو حول أي قرار يدعوها لإصلاح نفسها".
وختم التقرير بالقول "إنه وقت الانتقام، أي واحد يحاول تجاوزهم – وزارة الداخلية – فقد أصبح في مرمى هدفهم". وتساءل إن كان أي نظام سياسي قادم قادرا على التحكم بجهاز الأمن؟ "لست متأكدا" يقول براون.