ظلت
مصر على مدار العقود الماضية، مصدرة للعمالة للخارج، سواء للدول العربية أو الأجنبية، لتتنوع هذه
العمالة بين المهاجرة بشكل شرعي أو غير شرعي.
وتختلف تقديرات العمالة المصرية المهاجرة بين ستة و ثمانية ملايين ليون عامل، وإن كانت
الهجرة غير الشرعية تجعل هذه الأرقام محلا لإعادة النظر.
وتمثل عوائد العاملين بالخارج موردا مهما للنقد الأجنبي لمصر منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، وكانت تقديرات عام 2012 هي الأكبر تاريخيا من حيث العوائد، حيث قدرها البنك المركزي المصري بنحو 18.1 مليار دولار.
وثمة قضايا ومشكلات كثيرة تعاني منها العمالة المصرية بالخارج، لاسيما غير الشرعية، والتي تتفاقم معاناتهم بشكل أكبر، في ظل وقوعها تحت ضغوط المطاردة والتهديد بالعودة لمصر.
وبحسب ما تناولته وسائل الإعلام على مدار الشهور القليلة الماضي، فإن السلطات الليبية صرحت بأن لديها نحو نصف مليون عامل مصري يخالفون قانون الإقامة ويتواجدون في سوق العمل بصورة غير قانونية.
وفي كانون أول/ ديسمبر 2013، أعلنت السلطات
السعودية عن وجود نحو 120 ألف عامل مصري يعملون بصورة مخالفة لقانون العمل هناك، وأن نحو 85 ألفا منهم استطاعوا توفيق أوضاعهم، بينما نحو 35 ألفا مهددون بالترحيل خارج المملكة العربية السعودية.
وخلال كانون ثاني/ يناير الحالي، يواجه عدد من المصريين خطر الترحيل في الأردن، التي أعلنت وزارة العمل بها، عن وجود نحو 11 ألف عامل مصري يقيمون بشكل مخالف داخل البلاد، وأن عددا منهم مهدد بالترحيل، حيث تعمل غالبية العمالة المصرية في الأردن في مجالات التشييد والزراعة.
وعلى الرغم من تراجع الحديث عن مراكب الهجرة غير الشرعية لأوروبا على مدار عامي 2011 و2012، إلا أنها عادت مرة أخرى، لتعكس مدى فقدان ثقة المهاجرين، وبخاصة الشباب منهم، في توفير فرص عمل، ومقومات الاستقرار وإنشاء أسر جديدة، في ظل عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي الذي تعيشه مصر حاليا.
أسباب الهجرة نظرًا لعدد السكان المتزايد في مصر، والذي تجاوز الـ 90 مليون نسمة، أصبح من الصعب توفير فرص العمل اللازمة للعاطلين، أو الداخلين الجدد لسوق العمل، والذين يقدر عددهم بنحو 850 ألف فرد سنويًا.
وحسب تقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء في مصر، فإن عدد قوة العمل في مصر يبلغ 27.2 مليون فرد، وتصل نسبة البطالة بينهم 13.4%، بزيادة تتراوح بين 4% - 5%، على مدارا السنوات الثلاثة الماضية، وهو ما يجعل ظاهرة الهجرة غير الشرعية من مصر للخارج مستمرة، بدافع الخروج من دائرة البطالة والبحث عن فرص عمل.
ولم تفلح السياسات الاقتصادية في توظيف عوائد العاملين بالخارج، منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، حيث تبخر الجزء الأكبر منها في الإنفاق الاستهلاكي، أو عمليات الاحلال والتجديد التي شهدتها منازل الفلاحين في الريف، أو تمدد الرقعة السكانية على حساب استنزاف الأراضي الزراعية.
ولم يتم توجيه هذه المدخرات لمشروعات صغيرة، أو حتى مشروعات مساهمة كبيرة، من شأنها خلق فرص مستدامة، تعمل على استقرار العمالة المصرية في وطنها.
كما ساعد غياب مشروع تنموي حقيقي على مدار العقود الماضي، في تراجع معدلات النمو الاقتصادي، القادرة على توفير فرص عمل تتناسب مع تدفق العاملين الجدد لسوق العمل، ففي الوقت الذي تبلغ فيه معدلات النمو السكاني حاليا بمصر 1.9%، فإن معدلات النمو الاقتصادي لم تزد عن 1.8% و2.2% منذ عام 2010/2011 وحتى الآن.
فالوضع الطبيعي، في ظل هذه المعدلات من النمو السكاني، يقتضي ألا يقل معدل النمو الاقتصادي عن ثلاثة أضعاف النمو السكاني، ولفترات طويلة، تقدر بنحو 10 سنوات.
وحتى هذه المعدلات للنمو قبل ثورة 25 يناير 2011، والتي قُدرت بنحو 7.1% في بعض السنوات لم تستمر سوى عاما واحدا، وكان مصدر زيادة معدل النمو، هو ارتفاع معدلات الاستهلاك، وليس الإنتاج، وهو ما أكد عليه رئيس الوزراء الحالي، حازم الببلاوي، من أن 85% من الناتج المحلي لمصر مصدره الاستهلاك، وأن الاستثمار لا يزيد عن 15%.ونظرا لغياب الدور الفعال والإيجابي للنقابات العمالية والحرفية في مصر، لم يجد العاملون بالخارج أية جهود تذكر سواء في توفير فرص عمل، أو مراكز تدريب، أو توجيه لمدخرات العاملين بالخارج لمشروعات يمكن من خلالها استيعاب الأيد العاملة التي تتوافد سنويا على سوق العمل.
ولا تجد العمالة المصرية غير الشرعية أية مساعدة من السفارات المصرية، وهو ما عبر عنه أحد المسؤولين بسفارة مصر بالسعودية، في كانون أول/ ديسمبر 2013، بأن أعداد هذه النوعية من العمالة كبيرة، ولا تتوفر لديها مؤهلات علمية، فضلا عن عدم توافر المهارات التي يتطلبها سوق العمل بالسعودي.
مشكلات العودة في الوقت الذي تتعرض فيه العمالة المصرية غير الشرعية للكثير من المتاعب الخاصة بغياب ضمانات العمل اللائق في الخارج، مثل الأجر العادل، أو توفير التأمين الصحي والاجتماعي، فإنها تتزايد سنويا بشكل كبير، ولا تفكر في العودة، وذلك لما يكتنف قرار العودة من مشكلات.
ويشعر المهاجرون غير الشرعيون من العمالة المصرية، بأن العودة في ظل هذه الظروف التي تعيشها مصر صعبة، نظرا للمشكلات الاقتصادية التي تعاني منها الدولة، وهو ما يعني أن قرار العودة سوف يكون محفوفا بالانضمام لصفوف العاطلين، وهو ما لا يتناسب مع التزاماتهم الاجتماعية والاقتصادية تجاه أسرهم وذويهم.
ونظرا لغياب برامج الحماية الاجتماعية في مصر، لمثل من هم في موقف المهاجرين غير الشرعيين، فإنهم يفضلون العمل في ظل الظروف غير الملائمة في الخارج من العودة لمصر، حيث لا توجد برامج من شأنها أن تساعد من يعود من هؤلاء العاملين في الفترات الانتقالية، بتقديم إعانات بطالة مثلا، أو برامج إعادة تأهيل مهني.
وعلى الرغم من استمرار ظاهرة الهجرة غير الشرعية، منذ سنوات وشمولها لأعداد كبيرة تقدر فقط في ثلاث بلاد عربية (ليبيا، السعودية، الأردن) بنحو 613 ألف عامل، فإن الجهود الحكومية لا تزال قاصرة عن تقديم حلول للمشكلة، أو التعامل معها ببرامج للحد منها، أو مساعدتهم على توفيق أوضاعهم في البلدان التي يعملون بها، ومن هنا يشعر هؤلاء العاملون بأن قرار بقائهم في هذا الوضع يتحملونه وحدهم، وبالتالي لن يكون هناك من يسعى لتحسين موقفهم، ويتعاملون مع من الموقف من منطق "ليس في الإمكان أفضل مما كان".
ويساور هؤلاء المهاجرين الكثير من المشكلات، التي يعاني منها سوق العمل المصري، ليس فقط شبح البطالة، ولكن أيضا عدم وجود علاقة بين الأجر والأسعار، وكذلك غياب الكثير من ضمانات العمل، وبالتالي يفضلون وضعهم في الخارج تحت نفس الظروف الموجودة بالداخل، من أجل الحصول على عائد أكبر.
ولن يكون أمام كل من يفكر في العودة من العمالة المصرية غير الشرعية بالخارج، أن ينضم إلى قطاع العمل المنظم، سواء كان حكوميا أو خاصا، ولكن سيكون القطاع غير المنظم هو المتاح لاستقبال هؤلاء العائدين، بما يعانيه هذا القطاع من مشكلات انخفاض الأجر، وطول ساعات العمل، وسهولة الاستغناء عن العمال، وغياب ضمانات التأمين الصحي والاجتماعي.
وتستلزم ظاهرة الهجرة غير الشرعية للمصريين إلى الخارج، أن تحظى برعاية أفضل من قبل الحكومة المصرية، ولن تتوقف الظاهرة إلا من خلال تحسين الأوضاع الاقتصادية في مصر، بحيث يمكن أن تتوفر ظروف أفضل للعمل.
إلا أن ذلك من الصعب تحقيقه في الأجلين القصير والمتوسط، نظرا للظروف السياسية والاقتصادية التي تمر بها مصر، وهو ما يعني استمرار ظاهرة الهجرة غير الشرعية للمصريين، وتعرضهم لكثير من المشكلات في الدول التي يقصدونها.