أفهم الحماس الذي يدفع السفير السوري الاشكالي في عمان بهجت سليمان لأقصى طاقات التشنج والشراسة عندما يتعلق الأمر باظهار كل معاني الولاء لشخص الرئيس السوري بشار
الأسد.
هي نفسها جرعة الحماس التي يخصصها بالعادة عاملون في البلاط للملوك ولزعماء الأنظمة الشمولية.
وهي نفسها فكرة الزعيم الأوحد الذي يصل أحيانا لمستوى الإله أو لعلها ببساطة تعبير من أحد أركان النظام عن ذلك الحبل السري الذي يربط الزعيم بأفراد حلقته الضيقة والذي يعني بالضرورة أن سقوط الزعيم سيقود إلى سقوط كل الطاقم حوله.
شاهدنا ذلك في ليبيا وتونس ومصر ..مسبحة الزعيم من الأزلام والفلول والبلطجية تكر فورا بمجرد غياب الرجل الأول عن الواجهة.
وعلى هذا الأساس لا يلام سفير دمشق في عمان وهو يصول ويجول منتشيا بالحسابات الاقليمية بعد أن خربت
سوريا تماما بسبب حسابات النظام ..لا يلام وهو يدافع عن ‘سيده’ أو سيد الأمة على حد تعبير صديق أردني من الجماعة إياها.
لا بل يحترم السفير على هذا الوفاء والوضوح لكن الأهم برأيي الشخصي المتواضع أن ‘تأليه’ بشار الأسد لا يفيده ولا يفيد بلاده وبالضرورة لا ينهي المعادلة أو ينقذ الشعب السوري.
نظام الرئيس بشار وبصرف النظر عن كل الخلفيات والمؤامرات المزعومة قدم نموذجا مرعبا بمستوى الاخفاق والفشل.
هي درجة من الاخفاق لا تدانيها اية درجة أخرى وفي كل شيء ..اخفاق حقيقي وجذري حتى لو اقتصر على السماح ‘للدب’ بالدخول للكرم السوري وتحطيم أشجار الحديقة لسبب بسيط يتعلق بحماية نخبة من الفاسدين واللصوص يحتكرون الشركات والنفط والاتصالات من الحلقة الضيقة وأقرباء مؤسسة الرئاسة التي احترفت بيع الأوهام وهي تتحدث عن الممانعة والمقاومة فيما يسمح النظام لمراهقين طماعين بنهب ثروات الشعب السوري.
اخفاق في قراءة المشهد وفي توقع المؤامرة وفي رد الفعل وفي مخاطبة الشعب وفي الاعتماد فقط على حق القوة وليس على قوة الحق..نادر جدا هذا المستوى من الاخفاق.
أخفق النظام السوري من اللحظة التي لم يتجاوب مع شعب يرقص في الشوارع ناشدا الحرية رغم أن التجاوب آنذاك لم يكن مكلفا وكل ما يتطلبه عملية صغيرة بجرعة اصلاحية من الوزن الذي تستخدمه الكثير من الأنظمة في تضليل وخداع شعوبها.
الشعوب أذكى من أنظمتها وهي تشتم التضليل لكنها تقره وتتماشى معه أملا في الاستقرار والأمن.
رقص الشعب السوري بالشوارع لستة أشهر قبل ‘تسليح’ إنتفاضته ..الرئيس بشار استرسل فورا بلحظة الذئب كما يسميها الصديق صبحي حديدي فكان ما كان.
بقي الشعب السوري بطلا ونجما وهو يكتفي بالرقص بالشارع حتى سمح النظام لشبيحته باقتلاع الحناجر ورفض بعناد غريب إتخاذ ولو إجراء بسيط ضد ذلك الضابط الأمني البائس الذي أهان أهل درعا.
نعم حصلت مؤامرات ودخلت أجندات واستهدفت سوريا لإنها سوريا لكن من يتحمل مسؤولية كل ذلك؟…إنه الاخفاق الواضح والساطع.
هل يخرج من يؤشر على ذلك من الملة ويصبح كافرا بالأمة؟..هل يتخيل أركان النظام فعلا أنهم يستطيعون الإقلات والبقاء وسط هذه الغابة من الإخفاقات؟
أثق بالصديق الفنان والمثقف خلدون الداوود وهو يصادق على الرواية التي تقول بأن نزول قطرة دم واحدة فقط يحتاج لدورة إنسانية قوامها ثلاثون عاما حتى يصبح التسامح ممكنا وحتى يصبح منتجا يحتاج لثلاثين أخرى برأيي الخاص.
الصديق الحقوقي والقانوني زياد الخصاونة زار دمشق عدة مرات وإستمع خلالها للرئيس بشار الأسد شخصيا وكان يعود إلى عمان ويحدثني بحماس عن إعجابه بذلك الفتى العروبي الذي يحكم سوريا.
صديقنا من حلفاء سوريا والمقربين لنظامها والمؤمنين بها لكنه ومع مشهد الدم المنهمر في هذا البلد لا يتردد وهو يقول في جلسات عامة وبكل الحب الذي يختزله عربي تجاه وطن شقيق ومجاور: الرئيس بشار للأسف لا يمكنه الاستمرار.
استمعت شخصيا للرئيس بشار في جامعة دمشق وكنت معجبا جدا بالزعيم الشاب الذي يخطط للاصلاح ويتحدث به قبل أن تلتهمه تلك الدائرة من الانتهازيين الوحوش التي تأسر الزعماء وتلتهمهم وتحولهم إلى ماكينات وواجهات في خدمتها وخدمة مصالحها.
وفتنتني قبل ذلك فكرة طبيب عيون متحضر تلقى العلم بالخارج وأصبح رئيسا.
بشار الأسد قتل الناس والشعب لإنه ببساطة شديدة أخفق تماما وبمعدلات كفاءة نادرة في الحد من نفوذ وجشع ووحشية عدد قليل من الأشخاص حوله.
لذلك ولأسباب أخرى عملية وسياسية لا يمكنه أن يبقى.
حتى الحلقات المقربة جدا من الرجل في بيروت وطهران تقول بذلك اليوم.
كالأواني المستطرقة استنفد الرجل شخصيا الطاقة التي يختزلها وإنتهت تلك الوظيفة التي يقوم بها وأقرب الحلفاء له سيعملون على التخلص منه قريبا وقد يدفع الشكل الحالي للنظام السوري ثمن التسوية أو ‘الصفقة’ الكبرى.
أحسب أن محمد ظريف وحسن نصر الله تغامزا بهذا الأمر عندما إلتقيا مؤخرا في بيروت لكن ليس هذا المهم ..المهم أن لا يشعر الرئيس بشار مع احترامنا له بأنه يستطيع البقاء وقد مات في صحن عاصمته خمسون فلسطينيا ‘جوعا’ قبل رحيل عشرات الالاف من الأبرياء.
هو بشار وليس غيره ينبغي أن يرفض البقاء.
دوامة الدم في سوريا تقول بكل اللغات لنا بأن الشكل الحالي للحكم في هذا البلد من المستحيل أن يبقى..إذا حصل ذلك سأفقد أنا شخصيا إيماني بقوانين الفيزياء والطبيعة وقد أفقده في مساحات أخرى.
نعم حلفاء بشار في طريقهم لمنعه من ترشيح نفسه لإنتخابات الرئاسة المقبلة وبشار قد يصبح خارج الحساب والتاريخ ويحشر في البحث عن تأمين نفسه وعائلته لكنه لن يبقى ولا ينبغي أن يبقى، فسوريا أهم من بشار ومن سفرائه ومن أي شخص او مجموعة ….لذلك عليه أن لا يبقى.