قال الكاتب مارك لينتش في مقال له بمجلة "فورين بوليسي": "لست متأكدا إن كنت سأخاطر وأزور
مصر هذه الأيام، إن أخذنا بعين الاعتبار الطريقة السهلة التي يُعتقل فيها الشخص إن اتهم بالتعاطف مع الإخوان المسلمين، والتي حدثت لي مثل غيري من المحللين الغربيين والمصريين"، موضحا: "هناك ما يقرب من 50 مليون تغريدة في فضاء تويتر المصري".
وكان لينتش يعلق على السهولة التي يتم من خلالها اعتقال أي شخص في ظل النظام الجديد. ويرى أن التصويت على
الدستور الجديد لا يعني ضمانا للحرية؛ "فالمسودة لا تعني شيئا بقدر ما تعنيه الظروف السياسية حولها".
وذَكَّر في بداية مقاله باستفتاء آخر على الدستور، فعندما تم التصويت على الدستور السوري عام 2012، أعلنت الحكومة السورية أن نسبة المشاركة وصلت إلى 57%، وأن الذين صوتوا لصالحه بلغت 89%.
في ذلك الوقت لم يكن أحد يرى في التصويت أي تأثير في الأوضاع التي تمر بها سورية من
حرب أهلية، بل تعامل السوريون معه على أنه مهزلة رغم "النظرة التقدمية" له، حيث وعد بتعددية حزبية وتوسيع للحريات، بل حدد مدة ولاية الرئيس. وكان النظام يريد من الاستفتاء على الدستور إعادة
الشرعية التي خسرها في الداخل والخارج.
وكما يقول مارك لينتش، ففي سياق حرب أهلية وحكم حزب الأوحد، فالجميع بمن فيهم الموالون للأسد يقولون إن الكلام على الورق لا يعني أي شيء.
ويقول لينتش: "لم يفكر أحد بالاستفتاء المهزلة في سورية، وهم يتابعون الاستفتاء في مصر على دستور أعدته الحكومة المدعومة من الجيش، فقد أظهرت النتائج أن 98.1% قالوا نعم (أكثر من سورية). ورغم أنه لا شَبَه بين الفريق عبد الفتاح السيسي وبين بشار الأسد، إلا انه يجب عدم تجاهل الدروس من دمشق لمن يريدون فهم الدستور المصري الجديد".
ذلك أن "المسرح السوري الذي نُسي سريعا، يظلل المعنى الحقيقي للاستفتاء، وما يهم في النهاية: هل تقوم الوثيقة الجديدة بإنتاج حكام مجمع عليهم في اللعبة السياسية؟".
وهذا هو السبب الذي يجعل السجناء السياسيين في مصر يعانون من انتماءاتهم السياسية، أو بسبب التظاهر السلمي أو العمل الإعلامي، فهذه أمور مهمة ونافذة يمكن النظر من خلالها لمعنى الدستور أكثر من النسب التي صوتت وشاركت في الاستفتاء –كما يقول-.
ويضيف: "مع أنه من السهل فهم واحترام رغبة الكثير من المصريين في التحرك بعيدا، ووضع السنوات السابقة المليئة بالصدمة وراء ظهورهم، إلا أن المسار السياسي المصري الحالي لن يمنحهم على ما يبدو ما يرغبون فيه".
فالمشاكل الجوهرية –كما يقول- التي أحاطت بالاستفتاء، والتي أعقبت الانقلاب، والحملة التي قادتها الدولة لتحشيد المواطنين وسط حملة قمع قاسية، لا تمنح ببساطة أملا بأن يتقدم النظام نحو أي شيء قريب من الديمقراطية.
ويرى لينتش أن المشكلة في الدستور المصري الجديد لا علاقة لها بالمسودة أو النص، بقدر ما هي في السياق السياسي الأوسع.
وكما وضّح زياد علي الباحث في الدستور في مقال مفصل نشرته "فورين بوليسي"، فهناك الكثير من الحريات والحقوق السياسية التي تظل عرضة للتعريفات، وقيود المشرعين في البرلمان.
وفي موازاة المنافع التي اكتسبت مقابل الحقوق، فإن الجيش والقضاء أصبحا أكثر قوة وأقل عرضة للمحاسبة؛ ما أعطى هاتين المؤسستين المسيستين الفرصة لحرف القوانين؛ كي تخدم أهدافهما ومصالحهما السياسية.
وينبه على أن "القيمة الأساسية في ميدان سياسي غير مستقر مثل مصر، هو تقديم حالة من اليقين من خلال قواعد مستقرة ومشروعة؛ فالسياسة الديمقراطية تقوم على ضمان فهم كل الأطراف لقوانين اللعبة والموافقة عليها. وبدون هذه الملامح، ستغدو قوانين السياسة مثل قوانين كرة كالفين، تلك اللعبة التي يغير لاعبوها قوانينها في مرحلة يرون أنها تناسبهم".
"ولن يعرف أي أحد من يوم لآخر فيما إذا كان ما يقوم به من نشاط صحفي، تظاهرة ضد ظلم اجتماعي أو نشاط سياسي وانتماء لمنظمة معينة هو تعبير عن التزام بالديمقراطية أو دليل على تورط في عمل إرهابي".
ومن أجل أن يكون الدستور فاعلا يجب أن يلقى قبولا من الجميع ولو كان على مضض، ويمكن أن ينظر إليه كمقيّد للعبة السياسية.
ويرى أن دستور عام 2012 فشل؛ لأنه لم يؤد إلى الاستقرار، وأدى الفشل إلى صراع بين الرئيس المعزول محمد مرسي من جهة والمحاكم والجيش، وأدى للمظاهرات الواسعة في 30 حزيران/ يونيو؛ ما قضى على أي حسّ مؤسساتي بالاستقرار.
ويرى أن "الانقلاب العسكري أدى إلى زيادة المشكلة، وربما جعل من الصعوبة بمكان حلها أو تجاوزها. فقد تم إنشاء سابقة يقوم من خلالها الجيش بالتدخل في حالة لم يوافق على المسار السياسي وتوجهه. وأي وعود بتجنب تدخلات في المستقبل ستكون بلا مصداقية مهما ورد في نصوص الدستور.
وسيستمر أثر ذلك لعقود قبل أن يختفي؛ مما يعني أن مشاكل عدم اليقين، وغياب القدرة على التنبؤ، وغياب المحاسبة ستظل تؤثر في السياسة المصرية. وسيظل اللاعبون السياسيون خائفين وينظرون من فوق أكتافهم؛ خشية تدخل الجيش.
"هذا على افتراض عدم قرار السيسي الترشح للرئاسة؛ ما يعني إزاحة الواجهة المدنية لحكم العسكر".
وهنا هل "سيصدّق أحد أن السيسي سيتخلى عن السلطة بعد دورتين في الرئاسة لأن الدستور ينص على هذا؟".
وبين أن "الحرب ضد
الإرهاب" التي يشنها الجيش ضد الإخوان المسلمين وضد الصحفيين والناشطين يجعل من مستقبل مصر يبدو قاتما، فالقتال ضد الإخوان المسلمين كانت له آثاره البعيدة؛ بحيث جعل كل من ينتقد النظام الحالي في خطر.
ويقول لينتش إن تصنيف الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية كان وسيلة جيدة للحشد، ومبدأ جوهريا في إضفاء الشرعية على النظام الحالي، لكن هذه الاستراتيجية أدت إلى حالة من الطوارئ التي أبطلت أي حريات وحماية يضمنها الدستور.
وزاد: "أدى سحق الإخوان المسلمين الذي لقي دعما واسعا من أعداء الجماعة، إلى إضفاء الشرعية على قمع أي تحدٍ سياسي بعيدا عما هو مكتوب في الدستور الجديد".
وقام النظام الجديد في مصر بالمصادقة على توسيع "ماركة الإرهاب" لتشمل أي معارض سياسي، سواء كان قياديا شبابيا مثل أحمد ماهر، أم صحفيا في الجزيرة ومشاركا بين فترة وأخرى في "فورين بوليسي" مثل محمد فضل فهمي".
وأشار الكاتب هنا إلى تهديدات الصحفي المعروف مصطفى بكري "الذي ظهر على التلفاز الأسبوع الماضي، وأعلن أن لدى الولايات المتحدة خطة لاغتيال السيسي، والتي لو نفذت ستؤدي إلى قيام المصريين بقتل الأمريكيين في الشوارع".
وتساءل: "كيف يمكن لأحد أن يتحدث بجدية عن الحقوق التي يضمنها الدستور الجديد، ولم يمر يوم واحد على إعلانه حتى واجه الزعيم السلفي حازم أبو اسماعيل والليبرالي عمرو حمزاوي تهما بإهانة القضاء".
ويختم بالقول إن "الاستفتاء على الدستور المصري قد يتحول رغم كل تلك المشاكل إلى نقطة تحول مهمة، ولكن في حالة عبّر فيها النظام المصري عن استعداده لانتهاز هذه الفرصة الاحتفالية وتغيير مساره بشكل دراماتيكي".
ومع "الانتهاء من الاستفتاء وزوال المخاوف الأمنية على النظام، ربما كانت هناك مساحة للتفكير والإفراج عن بعض المعتقلين السياسيين ووقف حملة القمع والاعتقالات للمعارضين السياسيين.
ويمكن للمسؤولين المصريين إظهار استعدادهم لتطبيق الدستور من خلال الابتعاد عن الحرب على الإرهاب، وتعبير الفريق السيسي عن عدم الرغبة في الترشح للرئاسة، والتمسك بدلا من ذلك بالحيادية السياسية للجيش والدولة.
ولكن "للأسف فكل الإشارات تذهب في اتجاه آخر، ولهذا فإن قلة من المراقبين هم ممن لا يرون في الاستفتاء على الدستور أكثر من كونه خطوة أخرى لانزلاق مصر إلى الوراء في اتجاه الدكتاتورية".