تعلم إسراء أثناء صعودها للحافلة في طريقها إلى الجامعة أنها قد لا تجد مقعدا تجلس فيه، إذ أنّ "الحاصل في مجتمعنا أن الفتاة فقدت خصوصيتها، وأن القيم كالشهامة والمروءة والغيرة التي كانت سائدة بين الشبان في القديم أخذت في التضاؤل، لأن التربية اختلفت، ونتيجة لهذا قد يجلس شاب في الحافلة بينما هناك فتاة واقفة" تقول إسراء لـ"عربي21".
فبنظرة إلى زجاج حافلة
نقل عام تستطيع أن تشاهد بوضوح الفتيات اللاتي استقلينها ولم يجدن مكانا للجلوس، كحال معظم حافلات النقل العام، في ظاهرة أصبحت مألوفة جداً لدى الأردنيين في السنوات الأخيرة.
أستاذ علم الاجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية الأردنية الدكتور محمد الخزاعي يرى أنّ ضمور خصوصية الفتاة في المجتمع العربي يعود إلى أسباب عدة منها: غياب التوعية والإرشاد الدائم من قبل الأهل للمحافظة على القيم النبيلة في المجتمع، وساهم فيه ميل هذا الجيل للتمرد والانعزال عن الأهل ودخول وسائل التنشئة الأخرى. ومنها أن لباس بعض الفتيات يفتقر إلى الحشمة مما يفقدها احترامها على حدّ تعبيره.
وقال الخزاعي في حديثه لـ "عربي 21" إن نظرة الشباب إلى طلب الفتيات للمساواة ألجأهم للتعامل معهن كمنافس وبنديّة، خاصة بعد تحقيق المرأة لبعض النجاحات وتقلدها للمناصب، وأخيرا، فإن "ثقافة الصمت" تؤدي إلى التمرد.. ليس واجباً على
الرجل أن يُجلِس الفتاة مكانه، لكن هذا السلوك ينم عن حسن التصرف والأخلاق.
وأكد أستاذ علم الاجتماع في جامعة العلوم التطبيقية الخاصة، الدكتور علي بدوي، أن التغيرات التي طرأت على البيئة الأردنية من توسع وكثرة حركة -بالأخص في المدن- أثرت في ثقافة الرجل وقيمه وسلوكه، كما أنها أفقدت المرأة شيئا من خصوصيتها، ففي القرى يعرف الناس بعضهم البعض، وعلاقاتهم أشد ترابطا، مما يحفظ احترامهم لبعضهم، ومنه تقدير الرجال للنساء، أما الوضع في المدينة فمختلف.
وأضاف بدوي أنّ المرأة قد أضحت في المدينة لا تتوقع حتى أن تلقى معاملة تليق بكونها امرأة عند استخدامها لحافلات النقل العام، وأصبحت على وعي بأنها لا تريد أن تحرج نفسها أو غيرها، فتتجنب أن تكون كراكب زائد على سعة الحافلة، حسب قوله.
ونشرت ناشطة على "فيس بوك" منشورا اقتبست فيه -كما تقول- تعليق شاب كان يجلس في حافلة نقل عام موجها كلامه إلى فتيات واقفات قائلا: (خليكن واقفات، مش انتن بدكن مساواة؟) وتعليقا على المنشور، قالت سلام سربل، طالبة جامعية: "هناك شباب قد "يترجاهم" سائق الحافلة من أجل أن يُخلوا مقاعدهم للفتيات"، وعلّق ناشط: "أنا لا أستخدم الحافلات، ولكن لو واجهني موقف مشابه فلن أقوم، لأننا لا نستقل الحافلة بالمجان".
وفي المقابل جاءت تعليقات تخفف من حدة الأمر، حيث علقت ياسمين الأبيض: "في الغالب، يقف الشباب لإخلاء مقاعدهم للفتيات، ويكون هذا متفاوتا بحسب احترام الفتاة لذاتها" وأيدها أحمد بشار: "سأقوم وبكل فخر لفتاة تحترم نفسها وذات مظهر محتشم"، بينما جاءت مداخلة أحمد القيسية: "بالنسبة لي فأنا أخلي مكاني للفتاة، فالشاب أقوى من الفتاة جسديا ويستطيع أن يسيطر على ثباته أثناء حركة الحافلة" وعلّقت تسنيم عايش: "أحترم جدا الشاب الذي يؤثِر الفتاة، والأمر ليس له علاقة بالمساواة أبدا"، وعبّر الناشط محمد فياض عن حرصه على معاملة الآخرين كما يحب أن يُعامل أهله وقال: "طبعاً سأُجلس الفتاة مكاني" ووافقه آخرون.
وأجمع بدوي والخزاعي ونشطاء على فيس بوك على أن جزءا من المسؤولية يُلقى على عاتق سائقي الباصات الذين يسمحون و-بشكل متكرر- بحمولة زائدة، مما يضطر البعض للبقاء واقفين.
جدير بالذكر أن معدل الحافلات المتوفرة لخدمة المواطنين هي حافلة واحدة لكل 833 مواطنا، وفقا لبيانات هيئة تنظيم النقل البري الأردنية.