ما أهون الوفاء في زمن الجبناء.. إذا ضُيعت حُمرة الخجل، ولم يستحِ الإنسان أمام نفسه من لفظ أو كلمة يتفوه بها ولا يلقي لها بالا، بقصد التكبر أو التعالي قد تُسقطه من أعين الآخرين قبل أن تهوي به في نار جهنم سبعين خريفا.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
أولئك الذين لهم وجوه كثيرة.. يظنون أن جبال الذهب والأموال ترفعهم مقاما سميا، ولا عجب أن يطؤون بأقدامِهم الوحلة أجساد ورؤوس أهليهم.. ليرتقوا سُلُما في السماء أو يَصَعّدوا فيها وصدرهم ضيق حرجا.. أولئك الذين تعرفهم بسيماهم.. ألسنتهم مقارض من حديد، وأفواههم تفوح منها رائحة الصديد.. ولهم فحيح لا يصرفه مزمار ولا مديح، ولا يخرصه أبد الدهر سم ولا عشب شيح.. لهم جلود ذات ألوان بديعة تُدهِش من يراها كأنها الخديعة.. يبدلونها أنّى شاؤوا وكيفما اقتضت الضرورة، أما الخِسة والنذالة فهم أهلها تعرفهم ويعرفونها كما يعرفون أبناءهم وهم عليها شهود.. أولئك الذين في قلوبهم لغط، وقد فطنوا أن لا براء منه ولا شفاء.. ذلك وعد الله الحق المبين، وسبحان الله له في خلقه آية وشؤون!
معرفتهم لا تُسمِن ولا تُغنِي من جوعِ.. ولو كان بينك وبينهم أمد بعيد.. يحيطون أنفسهم بهالة من رعبٍ، وبسياج يقيهم شر تطفلك عليهم.. ليأمنوا أن لا يسكن أبراجهم إلا هُم، ومن بعدِهم أحفادهم وأحفاد أحفادهم.. يوهمونك أنهم قادرون على تقسيم أرزاقهم، ويساومونك على أنهم أهل الفضل والمنة والعفو والصفح الجميل.. مقابل أن تتغزل فيهم نثرا وشِعرا، وتبصِرهم في مُقلِ عينيك على أنهم طيور خُضرِ تُحلق في السماء صباح مساء، وإذا ما تمنوا علينا بمجالستهم تحسبهم ولداناً مخلدين بأكوابِ وأباريقَ وكأسٍ من معينٍ.. يفيضون علينا من قـَصَصِهم وأساطيرهم في كُتب الأولين.. أنهم جنود سليمان وحفظة أبينا إبراهيم.
لا جَرَم أنه سيأتي يوم قريب تسقط فيه أقنعتهم المُزيفة، وشريعتهم الباطلة وتنكشف سرائرهم الدنيئة وغايتهم الوضيعة.. ليفتضح منهم أمرهم، علانيتهم وسرهم.. فما أغنت الدنيا عن الآخرة شيئا.. ذلك بأنهم عَلوا واستعلوا على خلق الله، ولاكت ألسنتهم ’’ملح الأرض‘‘ من المساكين الذين سعوا مهاجرين في الله إلى لقمة العيش الحلال، ولم يدنس معاطفهم درهم ولا دينار.. الذين تمنوا أن يخرجوا من الدنيا كِفافاً ولم يورثوا منها هيناً ولا يسيرا، ولا نزكيهم على الله أبداً.. ذلكم الذين أشتروا من جدِ عرقِهم ومن قوتِ أبنائهم أكفانهم قبل ثيابهم البلية، وحاسبوا أنفسهم وعَظُمت في قراراتهم ذنوبهم وأقروا بها وما استهانوا بمعصية كبُرت أم كانت صغيرة، والله نُصبَ أعينهم وشطر قلوبهم والصراط عليه قادمون.
اللهم وأشهد أنه لم يستعبدني إلا أنت وحدك لا شريك لك، ولم يُخفني إلا غضبك، ولم أحنِ وجهي إلا لجنابك، ولم أدع إلا جلالك.. اللهم كن لي أنيسا وونيسا في قبري، واجعلني منك في حرزٍ حصين وعياذ منيع يا أكرم الأكرمين..
وختاما: اللهم هذا عِرضي قد تصدقت به على عبادك لمن أصاب منه شيئا من المسلمين وعفوت عمن ظلمني وعمن أهانني.
جزى الله المحنة خيرا.. تعلمنا منها ما عجزت عنه الجامعات!