إذا توحد الأنذال وخارت قوى الرجال.. فقل على الدنيا السلام.. لك الله يا عراق المجد.. تكالب عليك السباع والضباع، والذئاب والكلاب الجياع من كل حدب وصوب .. كل ينهش في جسدك المُثخن بالجراح طمعا في أغلى ما تملك من خير وفير وكنز ثمين.. لك الله يا عراق الياسمين، يا عاصمة الدولة العباسية وملتقى العلماء الأجلاء ومدائن كسرى التي علمت العالم الحكمة والنصح والإرشاد، وخطت تاريخ أمة في سطور بكلمات من نور في أمّهات الكتب ولو ألقيت في دجلة ألف مرة ما زادها إلا ضياء وبهاء، وإنها لفي الصدور مصباح نور فوق نور.
كم لك من أيادٍ بيضاء مسحت على رؤوس الغرباء في ظلام المحن، وهدهدت على صدورهم وقت الشدائد والكروب، وكم لك من بركات أنبتت فيك خير الصحبة وأطيبها، وعلى ربوعك ترعرع سيد الشهداء، وعلى ترابك سالت أغلى دماء .. وكم لك من نفحات حنت لها مشاعرنا وتاقت لها أنفسنا .. ولِمَ لا وفيك عترة آل بيت سيدنا الحبيب محمد (صلى الله عليه وسلم) ، وكم لك من خِصال وأفضال على فقراء العرب ومساكينهم .. شرفنا أن خدمنا في بلاطك وتحت ظل ثمرك وأطعمتنا من شهدك وتمرك .. دمت فخرا ومجدا .. أقوى من المكائد لا تكسرك المحن ولا تهزمك الشدائد.. دمت نابضا بعزتك، شامخا بكرامتك.
لك الله يا منارة العلم وقيثارة الفن وعبق التاريخ وقلعة الحضارة ومفخرة العرب، ولا عجب في ذلك فمنك نستمد وننعم بالأمان إذا ما استقرت أوضاعك، ومنك تبدأ مواكب الأحزان (لقدر الله) إذا ما سالت على وجنتيك دموعك .. تعظيما لك من أبناء الأشقاء من سائر الدول العربية لمجدك وحاضرك ومستقبلك .. اعترافا بجميلك، وتحية لك من قلوب اعتصرت ألماً على كل عاصفة مرت عليك، وعصفت بجسدك الذي أصابه سهام الجبناء والمتخاذلين والعملاء والمنبطحين والمتصهينين .. سلام عليك في كل وقت وحين.. سلام عليك يا سيدنا الحسين وسلام على آل البيت وعلى أبيك "الهُمام" كرم الله وجهه وعلى جَدِك سيد البشر أفضل الصلاة وأزكى السلام عليه.
إنّا لله وإنّا إليه راجعون .. كم ضاع من تراث الإسلام ببغداد .. بل بالمشرق الإسلامي بأيدي المجرمين الحاقدين ولا أصدق على ذلك من خير شاهد على جرائمهم كتاب فريد من درر التوحيد لا يقدر ثمنه بمال أو يثقل بذهب أو يواقيت وجواهر .. هو الآن مكنون بجامع الشيخ عبد القادر الكيلاني في بغداد استطاع أحد المسلمين في عهد الاحتلال انتشاله من الغرق، وسجل عليه في أول صفحة من صفحاته أنه انتشله من نهر دجلة من بين ملايين الكتب التي قذفها "هولاكو" وقومه فيه ويستطيع كل قارئ أن يطلع على هذا الكتاب، وعلى ما هو مسجل فيه، وعلى أثر البلل الذي لحق بالكتاب فأربك الحبر بعض صفحاته .. اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيراً منها.
كما يتعاقب الليل والنهار سينتصر الحق على حفنة الأشرار ويعظم المجد تاريخه .. غدا تنجلي الغُمة وتشرق الشمس الحنون على أعرق أمة وتضحك الدنيا من جديد .. غداً تبرأ جراحك ويلتئم جناحك، وتستيقظ من هذا الكابوس، وتروي السماء ربوعك ماء عذبا نديا، ويثمر نخيلك رطبا جنيا .. اللهم احفظ لأهل
العراق عراقهم واحفظهم له تحت وارف ظله ورحابه .. اللهم رحمتك بهم واجعل بلدهم سخاءً رخاءً عليهم ونبعاً فراتاً سائغاً شرابه .. اللهم هيئ لهم بطانة الخير وابرم لهم أهل رشدٍ يُعز فيه أهل طاعتك ويُهدى فيه أهل معصيتك ويذل فيه الجبارون الظالمون .. واحفظ بلاد المسلمين اللهم آمين.