قال الكاتب الأمريكي ديفيد أغناتيوس إن الغرب جعل الناتو في قلب أي رد فعل تجاه سيطرة
روسيا على
القرم في أوكرانيا بينما لو نظرنا إلى الأسلحة التي استخدمها بوتين في سيطرته على القرم لوجدنا أنها أسلحة قوات شبه عسكرية أو الأسلحة التي تستخدم في "العمليات السرية" بدل استخدامه للقوة التقليدية.
ويشير اغناتيوس بمقالته في صحيفة الواشنطن بوست إلى أن بوتين الذي كان ضابطا في الـ (كي جي بي) يبدو أنه أخذ صفحة من كتاب الولايات المتحدة في حربها ضد
الاتحاد السوفييتي خلال حكم رونالد ريغان عندما بدأ تفكك الاتحاد السوفييتي بمساعدة حملة العمليات السرية الدؤوبة التي قامت بها أمريكا.
وأشار إلى أنه وبدلا من مواجهة الاتحاد السوفييتي مباشرة قامت إدارة ريغان بقضم أطراف الإمبراطورية من أفغانستان إلى نيكاراغوا إلى أنغولا وأخيرا بولندا وشرق أوروبا.
وأوضح أن تلك السياسة كانت في وقتها سياسة أمريكية ذكية في دفع الاتحاد السوفييتي الجريح عن طريق استغلال التذمر المحلي حيث أمكن، وهي ذاتها الآن سياسة روسية ذكية لتحقيق أكبر مقدار من المكاسب بأقل مقدار من التكاليف.
وذكر أن ضابطا سابقا في العمليات السرية لدى وكالة الاستخبارات المركزية اسمه جون ماغوير لفت الانتباه إلى التشابه في السياسة المستخدمة من قبل روسيا حيث خدم ماغوير في نيكاراغوا ثم في الشرق الأوسط وقال: "في النهاية بوتين عبارة عن ضابط مخابرات وشاهد ما فعلناه في الثمانينات والآن هو يفعل نفس الشيء ضدنا".
وأضاف أنه ومن البداية قام بوتن بإدارة الحملة في القرم كعملية "سوداء" حيث لم يلبس الجنود الروس أي شيء يميزهم بأنهم روس وذلك لإبقاء مجال بسيط للإنكار وأصر بوتين والمسؤولون الروس جميعا على انه ليس هناك عملية اجتياح للقرم وتمكنوا من ضبط انتقال المعلومات وكذلك الرسائل التي يرسلونها.
وأكد ماغوير أن عملية بوتين على زعزعة استقرار شرق أوكرانيا أكثر خطورة من عملية القرم وذلك لأن الحكومة الأوكرانية هددت بأنها ستقاوم أي اجتياح عسكري لأوكرانيا، ولكن بينما انصب انتباه العالم على خمسين ألف جندي روسي يجرون مناورات على الحدود الأوكرانية كانت العمليات السرية لزعزعة الاستقرار تجري في المدن الرئيسية في شرق أوكرانيا، و حيث أن معظم سكان هذه المدن من المتحدثين بالروسية فيمكن لبوتين الاعتماد على قاعدة من التأييد المحلي.
وأشار إلى قيام متظاهرين مؤيدين لروسيا باحتلال بنايات في دونستيك وخاركيف ولوهانسك حيث دعا بعض المتظاهرين لإجراء استفتاء محلي حول الانضمام إلى روسيا كما حدث في القرم، وكان هذا استغلال ذكي للفروق الثقافية والدينية وهي قاعدة (فرق تسد) التي مارستها أجهزة المخابرات على مر التاريخ.
وذكر أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري اتهم روسيا الثلاثاء بالقيام بعمليات سرية في أوكرانيا وقال إن روسيا يمكن أن تستغل الفوضى التي تحدثها لتبرير التدخل العسكري ولكنه استبعد ذلك قائلا إنهم سيلتزمون في الغالب بأساليبهم التي اتبعوها في القرم وهي تحقق نفس النتائج وتستطيع موسكو أن تدعي أنها شرعية.
ويعود أغناتيوس إلى الثمانيات فيصف كيف تعاونت الولايات المتحدة مع حركة التضامن (سولداريتي) في بولندا ويقول يمكنك أن ترى مما حدث آنذاك مدى قوة العمليات السرية.
ولفت إلى أن الكنيسة الكاثوليكية التي تعارض الفكر الشيوعي كانت الشريك الرئيسي لوكالة الاستخبارات المركزية في عملياتها في بولندا حيث اضطرت الوكالة للحصول على استثناء خاص للعمل مع الكنيسة حيث أن القوانين تمنعها من العمل مع المنظمات الدينية.
وقال: "إن من الأمور التي تعلمها بوتين من تفكك الاتحاد السوفييتي هو أن أكثر الأسلحة فتكا هي تلك التي لا تظهر على شاشة الرادار وهي بالكاد قانونية في البلاد التي تجري فيها العمليات، حيث وقفت القوة النووية السوفيتية عاجزة أمام العمال المضربين في بولندا وعصابات المقاتلين في نيكاراغوا والمجاهدين في أفغانستان، فالاتحاد السوفييتي كان بمثابة وحش عملاق تعرض لمئات الجروح الصغيرة جراء الرمي بالرماح".
وتساءل "كيف تستطيع الولايات المتحدة والغرب مواجهة أساليب بوتن"؟ ثم يقول: "إن الرد يجب أن يأتي من أوكرانيا نفسها وقد بدأت كييف يوم الثلاثاء بداية جيدة بإرسال الشرطة لإخراج المتظاهرين من البنايات الحكومية وعلى الحكومة المؤقتة في كييف أن تقوم بحملة لا عنفية ضد المتمردين حتى تحافظ على شعب أوكراني موحد".
ويختم مقالته قائلا: "إن الصراع في أوكرانيا يشير إلى نوع جديد من الحرب، صحيح أن بوتين تعلم الدروس من العراق وأفغانستان ولكنه تعلمها أيضا من بولندا وألمانيا الشرقية فمن يحكم في موسكو هو عميل مخابرات سابق ويعرف كتاب تعليمات الأساليب القذرة معرفة جيدة".