أطلعت الولايات المتحدة الحكومات المتحالفة معها على خطط أعدتها لفرض منطقة حظر طيران فوق
سوريا في خطوة شبيهة بمراحل تدخل حلف الأطلسي (الناتو) لدى الإطاحة بالزعيم الليبي معمر القذافي قبل ثلاث سنوات، بحسب ما نشره موقع "ميدل إيست آي" المتخصص بشؤون الشرق الأوسط
وذكر جوناثان ستيل في تقريره للموقع أن الخطط الأمريكية وردت في تسجيلات مسربة لاجتماع بتاريخ 13 آذار/ مارس في مكاتب وزارة الخارجية التركية، حيث سمع وزير الخارجية أحمد داود أوغلو يناقش الموضوع مع وكيل وزارة الخارجية فريدون سينيرلي أوغلو ونائب رئيس الأركان الفريق ياسر غولر ومدير الاستخبارات الوطنية حقان فيدان.
وقد تم تسجيل الحوار بعد أن توصل الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن لإجماع فريد حول سوريا وأصدروا قرارا في شباط/ فبراير، دعوا فيه جميع الأطراف لتوفير ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية والعبور من خلال الحدود الدولية والجبهات الداخلية.
وقاومت روسيا مرارا الدعوات الغربية للأمم المتحدة لدعم عمل عسكري ضد حكومة
الأسد، وخلال نقاش قرار مجلس الأمن حول المساعدات الإنسانية قبل التصويت أصرت روسيا على أن لا يحتوي القرار على بنود تسمح بفرض القرار في حال فشلت حكومة الأسد في الانصياع له.
ومع أن الولايات المتحدة نسقت باستمرار مع المسؤولين الأتراك في مسألة أيصال الأسلحة والإمدادات العسكرية للثوار الذين يقاتلون ضد نظام الرئيس بشار الأسد، الا أن الإعداد لفرض منطقة حظر طيران يعد تطورا مهما في التدخل الأمريكي.
ويعتبر الكشف عن خطط أمريكية لفرض منطقة حظر طيران إحياء لأسلوب الضربات الجوية، كتكتيك أمريكي مفضل في حملتها للإطاحة بالأسد.
وكانت إدارة أوباما على وشك توجيه ضربة لسوريا بعد هجمة بالأسلحة الكيماوية في آب/ أغسطس ولكنها تراجعت بعد أن وافق الأسد على مقترح روسي بتسليم أسلحته الكيماوية.
وفي ليبيا في 2011 قام حلف الأطلسي بتفسير قرار مجلس الأمن بفرض منطقة
حظر جوي فوق ليبيا بأوسع ما يمكن تفسيره، واستخدمه لتبرير الغارات الجوية التي دمرت طيران القذافي ومعظم سلاح المدرعات، وغيرت الضربات الواقع العسكري على الأرض وسمحت للمقاتلين أن يسيطروا على قرى وبلدات في طول وعرض البلاد.
وفي نهاية الاجتماع يخبر سينيرلي أوغلو رئيسه حول لقاء استشاري عقده الأمريكان مع رئيس الأركان التركي قبل ثلاثة أيام وأخبره بأنه أجتماع روتيني، ولكن الأمر غير الروتيني فيه هو أن "الأمريكان وزعوا خطة لفرض منطقة حظر طيران ولأول مرة، فهل تعلم شيئا عن هذا؟".. ولم يعلق داود أوغلو.
وكان هذا الكشف واحدا من عدة تسريبات خطيرة وردت في التسجيل حول الدور الذي تلعبه
تركيا في الحرب في سوريا. ولم ينكر داوود أغلو صحة التسجيل، بل على العكس سماه خرقا خطيرا للأمن القومي وحتى "إعلان حرب". وتم تزويد مكتبه بأجهزة تشفير وتشويش لمنع التصنت على الاتصالات مما يشير إلى زراعة جهاز تصنت في مكتب الوزير.
وبغضب قامت الحكومة التركية بحجب موقع يوتيوب حين نشر التسجيلات المسربة. ورفض المسؤولون الأمريكيون التعليق على ما ورد في التسجيل ولكنهم لم يزيدوا على شجبهم لحجب موقع يوتيوب.
وقد تكون خطط الولايات المتحدة لفرض منطقة حظر جوي لها علاقة بالتوتر الذي شهدته الحدود التركية السورية حيث ترصد الطائرات من كلا الطرفين الطرف الآخر لأشهر، وأسقطت تركيا طائرة هيليوكوبتر سورية في شهر أيلول/ سبتمبر، كما اسقطت في 22 آذار/ مارس طائرة ميغ 23 بصاروخ أطلق من طائرة إف 16 بعد أن اخترقت الطائرة السورية المجال الجوي التركي.
كما أن التسجيل المسرب أكد أن تركيا قامت بتوفير السلاح للثوار السوريين الأمر الذي طالما أنكره المسؤولون في العلن. بينما يقول داود أغلو في التسجيل إن البنادق والذخيرة ليست الشيء الرئيسي "فنحن لم نستطع أن نرتب العامل الإنساني"، في إشارة إلى الاقتتال الداخلي بين فصائل الثورة وصعوبة إيجاد قيادة موحدة لعشرات المجموعات المحلية المتفرقة. ويضيف فيدان رئيس الاستخبارات "أرسلنا حوالي 2000 شاحنة محملة بالإمدادات"، فيتدخل الفريق غولر بقوله: "هناك حاجة للذخيرة".
وناقش المجتمعون الحاجة لخلق تبريرات لإرسال قوات تركية ودبابات عبر الحدود لحماية جزيرة صغيرة تابعة لتركيا داخل الحدود السورية، يقع فيها قبر سليمان شاه جد مؤسس الإمبراطورية العثمانية، حيث يسيطر مقاتلو داعش على المنطقة القريبة من القبر، وقال فيدان إنه من السهل إيجاد حجة للحرب.
ويطرح إرسال أربعة رجال داخل الحدود، حيث يطلقون قذائف باتجاه تركيا، فتتدخل الدبابات التركية مثلما تدخلت في شمال العراق في الحملة ضد الانفصاليين الأكراد. ولكون المقاتلين في سوريا مرتبطين بالقاعدة فمن السهل الحصول على الدعم للتدخل التركي حيث يكون لديها أرضية صلبة في القانون الدولي.
ومع أن المجتمعين قضوا معظم وقتهم في نقاش أفكار لتوسيع نطاق الحرب في سوريا إلا أن فحواها يشير إلى أزمة، ففهم يشتكون أن سياستهم تجاه سوريا لا تحظى بدعم بقية الأحزاب التركية، ويشكو سينيرلي أغلو من "تسييس الأمن القومي".
ويتذمر وزير الخارجية إنه كان يجب التدخل عسكريا في سوريا عام 2011، ويشير فيدان إلى التناقض إن تدخلت تركيا من أجل قبر تركي بينما لم تتدخل لإنقاذ ملايين السوريين. ويشكو داوود أغلو من عدم تمكنه مناقشة الموضوع مع رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان قائلا: "لقد رجوت السيد رئيس الوزراء لاجتماع خاص".
وكان الأهم هو شعور المسؤولين بأنه سيكون هناك هجمات انتقامية كبيرة ضد تركيا إن هي هاجمت سوريا بشكل كبير حيث يقول رئيس الاستخبارات: "أي هجوم سيتسبب باضطرابات داخلية، وسيكون هناك عدة تفجيرات، فالحدود ليست تحت السيطرة".
وبحسب تقدير تقرير "ميدل إيست آي"، فالحادثة تختصر سياسة تركيا تجاه سوريا بعد ثلاث سنوات من نشوب الأزمة، فقد حاولت أنقرة أن تتفاوض مع الأسد في البداية وبعدها تحولت إلى دعم المعارضة المسلحة والآن يبدو أنها تؤيد الخطط الأمريكية لتوجيه ضربات عسكرية، وفي الوقت ذاته تبدو مشكلة اللاجئين التي تلقي بحمل ثقيل على النسيج الاجتماعي والاقتصادي لتركيا مؤهلة للتفاقم.