نشرت صحيفة فايننشال تايمز تقريرا حول
الانتخابات العراقية لمراسلها لشؤون الشرق الأوسط بورزو داراغاي قال فيه إن جميع الأحزاب ممولة من الخارج، وإن السباق في الانتخابات هو بين الأحزاب المسيطرة على مفاصل الدولة المختلفة.
يقول التقرير بدأت في العراق حملة الانتخابات الأولى التي جرت منذ انسحاب الجيش الأمريكي في كانون أول/ ديسمبر 2011؛ حيث تغطي ملصقات الدعاية الانتخابية جدران البنايات الآيلة للسقوط في البلاد وتملؤ الدعاية السياسية أمواج الأثير.
ولكن قلة الشفافية واحتمال وجود
فساد على نطاق واسع قوضت الثقة بالعملية الديمقراطية؛ في وقت تواجه فيه البلاد تمردا يشجع عليه إرهابيون مرتبطون بالقاعدة. وقد حذر الخبراء من أن السياسية في العراق تبقى عرضة للتأثر بالمال السياسي، الذي يتحرك بالخفية داخل البلاد – عبر شبكات المحسوبية- وخارجها، من القوى الإقليمية التي تحرص على الحفاظ على سيطرتها.
يقول زياد العلي، مستشار سابق للأمم المتحدة في بغداد ومؤلف كتاب (النضال لأجل عراق المستقبل): "قامت الأحزاب السياسية الموجودة بمد جذورها عميقا في الدولة على مدى 11 سنة ـ منذ غزو العراق عام 2003 بقيادة أمريكيةٍ ـ، فهم يسيطرون على الوزارات ومؤسسات الدولة ويسحبون أموالا طائلة من أموال الدولة لشراء الأصوات وتمويل شبكات المحسوبية".
وكانت عضو البرلمان والعضو في لجنة النزاهة البرلمانية، عالية ناصيف، قد حذرت سابقا من أن أموالا خارجية وصلت إلى الأحزاب ومن خلال "الفساد الحكومي الشائع في هذا البلد".
وتحتاج الأحزاب في العراق للأموال لإدارة القنوات الفضائية وشراء المواد الإعلامية وتمويل الاحتفالات الدينية وتنظيم المؤتمرات وورش العمل في سبيل حشد الناخبين، وإعدادهم للانتخابات المقررة في 30 نيسان/ أبريل. ويسعى نوري
المالكي، رئيس الوزراء، بعد ثماني سنوات في الحكم لكسب ولاية رئاسية ثالثة؛ ولكن هذا لن يكون أكيدا حيث تعب الناخبون من سوء الخدمات العامة وتجدد العنف مع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام التي تستفيد من الصراع القائم في سوريا لزيادة أعداد مقاتليها وزيادة أسلحتها.
وكانت لجنة الإنتخابات صادقت العام الماضي على لوائح وضعت سقفا لمصاريف الدعاية الانتخابية لكل مرشح هو 85 ألف دولار، ومنعت التبرعات الخارجية، وفرضت تدقيق حسابات الحملات الانتخابية للأحزاب في البنوك، ومنعت دفع الفواتير الكبيرة لمصاريف الانتخابات نقدا.
ولكن لا يتمتع أي من هذه اللوائح بدعم قانون البلاد ومع أنها تنص على فرض غرامات على التجاوزات، وحتى إبطال الأصوات فلا يصدق أحد بأن مراقبي اللجنة سيكون لديهم السلطة لتطبيق أي أنظمة أو أي سلطة سياسية لمواجهة الأحزاب القوية.
وبحسب أحمد العبادي، خبير قانوني ومحلل سياسي يعيش في بغداد فإن مشروع القانون الذي ينظم الأحزاب معلق في البرلمان، "وفي غياب هذا القانون لا أحد يستطيع أن يعرف مصادر تمويل الأحزاب الكبيرة أو الصغيرة".
وأضاف العبادي "الطريق الوحيد لمعرفة الحجم الحقيقي للمبالغ المنفقة ومن أي ميزانيات، وإن تجاوز حزب حدود نفقته فأين ذهبت الأموال الزائدة هي إصدار قانون يجبر الأحزاب أن تظهر مصادر تمويلها"؛ ويستدرك قائلا إن الأحزاب الكبرى لا تريد أن يتم التصويت على مشروع القانون هذا كي لا "تفتضح مصادر تمويلها والتي في غالبها تأتي من الخارج".
ويبقى المصدر الوحيد للتحذير من الفساد في الحملة من رجال الدين حيث حذر قيادات المذهب الشيعي بالذات السياسيين من تلوييث أيديهم، بحسب التقرير.
كما أن الاتهامات الموجهة لتحالفات معينة بأنها تستقبل دعما خارجيا يتسبب بزيادة في توتير العلاقات الطائفية المتوترة أصلا. فالكثير يتهم إيران مثلا بدعم الأحزاب الشيعية في العراق مثل حزب عمار الحكيم، المجلس الإسلامي الأعلى في العراق. وبالمقابل تتهم الأحزاب السنية والعلمانية، مثل الوطنية التي يقودها رئيس الوزراء السابق إياد علاوي، بأنها تحصل على الدعم من السعودية.
يقول عباس الأنبوري مستشار مكتب أحد نواب رئيس البرلمان: "كل التكتلات السياسية في العراق تحصل على دعم من خارج العراق وبالذات الكتل البرلمانية الشيعية .. ومعظمهم تدعمهم إيران وهم لا ينكرون ذلك وكل من في العراق يعرف ذلك، بينما تقوم السعودية بدعم ومساعدة الكتل السنية".
كما يقول الخبراء السياسيون إن الأحزاب تأخذ الأموال أيضا من رجال الأعمال الذين ساعدوهم في إنشاء أعمالهم، وهذا يتضمن وزارات بأيدي تلك الأحزاب التي تطلب من الشركات (رشاوى) للحصول على عقود حكومية.
فقبل عامين استاء العراقيون ولكنهم لم يفاجئوا عندما قام السياسي العراقي صالح المطلق باتهام حزب بدفع ملايين الدولارات من رجلي أعمال "لتوفير صفقات مع وزارة الدفاع".
وبدون دعم حزب رئيسي فمن شبه المستحيل الدخول إلى الساحة السياسية.
فليس من السهل على المرشحين الدخول في عالم السياسة ما لم يحظوا بتأييد حزب كبير؛ ما عدا حزب غوران الإصلاحي في منطقة الأكراد شبه المستقلة، والذي استطاع كسب ثمانية مقاعد في انتخابات 2010 بسبب امتعاض المصوتين من حالة الفساد والمصالح.
ويعلق العلي قائلا: "إن لم تكن جزءا من النظام، إن كنت من خارجه، إن كنت مصلحا، كيف يمكنك أن تنافس؟.. فإن كنت تريد فعلا أن تحدث تغييرا للوضع القائم فعليك بناء تحالف وطني، وبناء مثل هذا التحالف يتطلب الكثير من المال والموظفين والمستشارين والترويج لذلك، لأنك تنافس مؤسسات ممولة بشكل جيد.. فالواقع أن التنافس في هذه الإنتخابات هو بين الأحزاب السياسية التي تسيطر على الدولة.