إن كنا جادين هذه المرة في إنجاح المصالحة
الفلسطينية، فإننا في حاجة إلى وقفة مع النفس، لنتصارح ونتذكر ونتفكر ونصحح؛ منذ عام 1993، و هناك روايتان عن الاتفاقيات الفلسطينية
الإسرائيلية المشهورة باسم
أوسلو؛ رواية فلسطينية، و أخرى صهيونية:
اما عن الرواية الفلسطينية ومع افتراض حسن النوايا، فتقدمها لنا جماعة السلطة، وتروج لها الأنظمة العربية وخلاصتها:
• أن التسوية مع إسرائيل هي الممكن الوحيد في ظل موازين القوى الدولية الحالية، خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفيتى، وانفراد الولايات المتحدة بالعالم.
• وأن حلم تحرير كامل التراب الفلسطينى غير واقعي وغير ممكن.
• وأن الممكن الوحيد هو الحصول على دولة فلسطينية كاملة السيادة في الضفة الغربية وغزة، عاصمتها القدس الشرقية، خالية من أي مستوطنات إسرائيلية، مع التمسك بحق العودة لللاجئين الفلسطينين.
• وأن الطريق الوحيد لذلك هو التفاوض السلمي، فالمواجهة العسكرية مع إسرائيل هي عملية انتحارية، ولن تؤدي إلى شيء.
• ولكي تقبل إسرائيل قيام دولة فلسطينية، فلابد من الاعتراف بشرعية وجودها، والتنازل عن فلسطين 1948، ونبذ العنف والمقاومة، وتوحيد الصف الفلسطينى تحت قيادة السلطة الفلسطينية، فهي الطرف الوحيد الذي تعترف به إسرائيل والمجتمع الدولي وتقبل التعامل معه.
• وأن خروج "حماس" وأخواتها عن شرعية السلطة وشرعية اوسلو، يضعف من موقفها التفاوضي ويعيق تحقيق الحل النهائي.
• وأنه إذا توفرت هذه الشروط، فإنهم سيحصلون على دولة فلسطينية عاجلا أم آجلا.
• ولكن لابد أولا من ترتيب الوضع الأمني الفلسطيني بما يطمئن إسرائيل.
• وأن هذا أقصى ما يمكن أن يحققه الجيل الحالي، وعلى من لا يقبله، أن يعتبره حلا مرحليا، ومقدمة للحل النهائي المتمثل في تحرير كامل التراب الفلسطيني، وهي مهمة الأجيال القادمة عندما تتغير موازين القوى إلى الافضل.
***
اذاً خلاصة الرواية الفلسطينية هي أن أوسلو هي اتفاقيات تحرير هدفها الرئيسى هو إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وغزة، مع بعض الاستحقاقات الأمنية لطمأنة إسرائيل.
***
أما عن الرواية الصهيونية، فخلاصتها :
• أن فلسطين هى أرض إسرائيل التاريخية منذ 3500 عاما، بالإضافة إلى يهودا والسامرة !
• يختص بها الشعب اليهودي وحده
• ولذلك فإن دولة إسرائيل هي بالضرورة دولة يهودية
• وأن الرفض العربي والفلسطيني للاعتراف بإسرائيل هو أصل المشكلة
• وأن على كل الفلسطينيين أن يعترفوا بإسرائيل، وبحقها في أرضها التاريخية
• وأن ينزعوا سلاحهم فورا، نزعا كاملا ونهائيا ودائما.
• وأن هذه هي المهمة الرئيسية، وربما الوحيدة للسلطة الفلسطينية، مهمة تصفية الإرهاب (
المقاومة) ونزع السلاح الفلسطيني، ودفع كل الفلسطينيين إلى الاعتراف الفعلي بإسرائيل، والكف عن الحديث عن فلسطين 1948.
• بعد ذلك فقط، وليس قبله، يمكن الحديث عن دولة فلسطينية ما، منزوعة السلاح، منزوعة السيادة، تسيطر إسرائيل على أوضاعها الأمنية، وعلى علاقتها الخارجية، وعلى حدودها وعلى كل ما من شأنه تهديد أمن إسرائيل.
• مع العلم بأن القدس الموحدة ستظل دائما عاصمة لإسرائيل، وأن المستوطنات باقية، وأنه لا عودة لأي فلسطيني إلى إسرائيل اليهودية .
***
خلاصة الرواية الصهيونية إذن : أن اتفاقيات أوسلو هي بالأساس اتفاقيات أمنية لخدمة أمن إسرائيل، مع بعض الاستحقاقات الفلسطينية المحدودة والمشروطة والمؤجلة، والتي لن تصل أبدا إلى دولة ذات سيادة.
***
أين الحقيقة بين الروايتين ؟
لا شك ان الرواية الصهيونية هي الاكثر تطابقا مع النصوص ومع الواقع :
• فنصوص اتفاقية أوسلو وأخواتها، وخطاب اعتراف منظمة التحرير بإسرائيل، وتوصيات مؤتمرات مكافحة الإرهاب وعلى الأخص مؤتمر شرم الشيخ 1996، وخريطة الطريق 2003، وخطة ميتشل 2002، وخطاب التطمينات الأمريكي 2004، والاتفاقيات الأمنية الأمريكية الإسرائيلية المتعددة، والتصريحات المتكررة للرؤساء الأمريكيين بما فيهم أوباما، وشروط الرباعية، واتفاقية فيلادلفيا بين مصر وإسرائيل 2005، واتفاقيات المعابر وغيرها، نقول كل هذه النصوص والوثائق ترصد ملمحين رئيسيين متلازمين :
1) الملمح الأول هو تحديد شديد الدقة لطبيعة الالتزامات الأمنية للسلطة الفلسطينية ضد ما أسموه بالإرهاب والإرهابيين، من حيث المهام والشراكة والتنسيق مع إسرائيل، وبرامج وجداول التنفيذ، والتدريب للعناصر الأمنية الفلسطينية وكيفية تمويلها ... الخ .
مع المتابعة والرقابة والحساب العسير عند التقصير.
2) أما الملمح الثاني فهو تعويم وتمييع وإبهام كل ما يتعلق بقضايا الحل النهائي، حول الدولة الفلسطينية من حيث المفهوم والسيادة أو المستوطنات والقدس والحدود والمعابر واللاجئين والمياه ..الخ
***
• أما على المستوى العملي وعلى أرض الواقع فإن السياسات الصهيونية تؤكد كل اليوم أننا بصدد تسوية أمنية من أجل إسرائيل وليس تسوية سياسية من أجل الفلسطينيين: فالمستوطنات والجدار العازل وحواجز الطرق وتصفية واغتيال قادة المقاومة، وآلاف الأسرى داخل السجون الإسرائيلية، والتهويد النشيط للقدس، والتعاون الصهيوني الفلسطيني المصري لغلق المعابر وفرض الحصار على غزة، وأخيرا وليس آخرا الاعتداءات الإجرامية المتكررة على غزة، كل ذلك وغيره هو تطبيق وتفعيل لاستراتيجية أمنية صهيونية واضحة، ومحددة الأهداف والمعالم والأدوات، بتعاون وتوظيف كامل لأجهزة السلطة الفلسطينية وجماعة أوسلو.
• وفي المقابل لم يتم أي انسحاب فعلى للقوات الصهيونية من الأراضي المحتلة عام 1967 تفعيلا لاتفاقيات التسوية، ما عدا انسحابها من غزة عام 2005 تحت ضغط المقاومة الفلسطينية، وليس تنفيذا لاستحقاقات السلام.
• أما ما تم في المرحلة الأولى 1993 ــ 2000 فلم يكن أكثر من إعادة انتشار وتوزيع للقوات الصهيونية، و هو ما ثبت لاحقا عدم جدواه أو جديته، فالضفة الغربية لا تزال سداح مداح لهذه القوات، تقتحمها متى شاءت لتعتقل وتقتل وتدمر و تنسحب لتعود مرات أخرى .
***
أما بعد:
• فإنه قد آن الاوان للتحرر من اتفاقيات اوسلو، فبعد 21 عاما من الفشل والفتنة والانقسام وإضاعة الوقت والجرى وراء الأوهام والتحالف مع العدو والتخديم على أمنه، واضفاء الشرعية على ما يقوم به من عمليات قتل وإغتيال واعتقال لأهالينا و شهدائنا باسم السلام والتسوية، و تضليل الراى العام الفلسطينى والعربى والعالمى ....، نقول 21 عاما من كل ذلك تكفى وتزيد .
وهي سنوات ضاعت بلا ثمن وبلا مقابل : فاسرائيل لن تعطيكم شيئا، وان فعلت فستعطيكم مسخ كيان فلسطينى خاضع وتابع، يستمد بقاءه ووجوده من فتات ما تجود هى به . وما ستعطيه ونقبله الآن سيكون هو آخر المطاف لقرون طويلة وربما للأبد، فترتيبات الحرب العالمية الاولى للوطن العربى ما زالت قائمة حتى الآن.
• وهو ما كان واضحا منذ بداية عملية التسوية، ولكنه تجلى للجميع مؤخرا. ولقد آن الأوان أن ينسحب الجميع من مشروعات التسوية مع العدو : سواء أوسلو أو كامب ديفيد أو وادي عربة، أو مبادرة السلام العربية.
• والعودة مرة أخرى الى الطريق الواضح و الفطري و الممكن الوحيد، الذي سلكته وتسلكه كل الأمم المحترمة، وهو طريق تحرير كامل التراب الوطني بالمقاومة والكفاح المسلح، وعدم التنازل عن شبر واحد من أرض الأجداد والآباء والأحفاد، مهما اختلت موازين القوى.
*****
القاهرة فى 4 مايو 2014
[email protected]