يعيش
الفلسطينيون اليوم على وقع ذكرى مؤلمة يتجرعون مرارتها منذ 66 عاماً وهي ذكرى نكبة 1948، التي مازالت آثارها ممتدة في حياة الأحفاد.
ويستذكر الشعب الفلسطيني ما تعرض له من إرهاب دولة منظم مارسه الكيان الصهيوني، وما ارتكبته عصاباته المسلحة من جرائم حرب بشعة، وما نفذته من عمليات تطهير عرقي بهدف إرهاب المواطنين الفلسطينيين، وإرغامهم على مغادرة أراضيهم، واغتصاب أرضهم وممتلكاتهم بأبشع أشكال الاحتلال العسكري والاستيطاني في التاريخ المعاصر، ما أسفر عن تشريد الغالبية الساحقة من أبناء الشعب الفلسطيني في أصقاع الأرض، عانوا فيها أشد أنواع العذاب النفسي والجسدي.
ويعيش اللاجئون الفلسطينيون في 58 مخيما تتوزع بواقع 10 مخيمات في الأردن، وتسعة مخيمات في
سوريا، و12 مخيما في
لبنان، و19 مخيما في الضفة الغربية، وثمانية مخيمات في قطاع غزة.
لبنان.. رحلة عذاب
ففي لبنان لم تكفهم مرارة اللجوء، بل زاد من سوء أوضاعهم حرمانهم من الحقوق الأساسية للعيش للكريم، بالإضافة إلى معاناتهم من التهميش والإقصاء. ومنذ لحظة وصولهم بدأت رحلتهم الشاقة مع السلطات اللبنانية التي عاملتهم معاملة الأجنبي، وقوقعتهم في مخيمات لا يستطيعون الخروج منها أو الدخول إلا بإجراءات مشددة.
ويؤكد على ذلك المدير العام لمنظمة ثابت لحق العودة علي هويدي بقوله: "ينفرد لبنان عن غيره من الدول المضيفة للاجئين الفلسطينيين بأنه لا يوجد نص خاص يعرِّف من هو اللاجئ الفلسطيني. ويُعَدّ اللاجئون الفلسطينيون في لبنان أجانب من الفئات الخاصة، وعليه لا يحصل اللاجئ الفلسطيني المعترف به رسمياً من الدولة اللبنانية على أيٍّ من الحقوق المدنية والاجتماعية".
ويوضح الباحث الفلسطيني لـ"عربي 21"، معاناة أكثر من 470 ألف لاجئ في المخيمات الفلسطينية الـ 12 في لبنان، "فهم محرومون من العمل، ومن حق التملك.. ومدارسهم مكتظة، كما يعانون من الازدحام السكاني، وهم ممنوعون من البناء إلا بترخيص من الجيش اللبناني الذي قلما يعطيه".
"لكن رغم كل هذا المعوقات والمشاكل التي قد تلهي اللاجئ الفلسطيني بنفسه، إلا أنه لا يزال يتطلع إلى العودة إلى بلاده وممتلكاته على كامل أرض فلسطين" يقول علي.
ويضيف: "حديث المخيم عن حق العودة، كل شارع فيه صورة شهيد أو جريح، لا تكاد تدخل أي مكان إلا وترى فلسطين حاضرة داخل المكان".
فلسطينيو سوريا.. من سيئ إلى أسوأ
اختلف الحال في سوريا، التي كانت من أولى الدول التي لجأ اليها الفلسطينيون إبان النكبة، وقدر عدد
اللاجئين إليها في ذلك الوقت بـ 90 ألف شخص جاء معظمهم من الشمال الفلسطيني، ووصل عددهم في عام 2008 إلى 520 بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
يقول الباحث الفلسطيني والذي قضى عمره في المخيمات الفلسطينية في سوريا إبراهيم العلي إن السوريين سارعوا إلى مدّ يد العون والمساعدة للاجئين الفلسطينيين وتهيئة الظروف الكفيلة بتمكينهم من العيش بكرامة، ومنحوا كافة حقوقهم المدنية والاجتماعية، واستثنوا من الحقوق السياسية الخاصة بالسوريين.
ويوضح العلي لـ"عربي 21"، وهو رئيس لجنة فلسطينيي سورية في لبنان، أن الحال بقي كذلك حتى بداية الأزمة السورية، حيث لم تتمكن الفصائل والحكومة السورية من تحييد المخيمات البالغ عددها سبعة، وتعرضت لما تتعرض له مناطق الصراع السورية. الأمر الذي دعا بعض الفلسطينيين إلى هجرة جديدة ورحلة نزوح أخرى هرباً من الموت، فيما اختار الآخرون البقاء في المخيمات تحت القصف
"هذه الرحلة كانت صعبة وشاقة" يقول العلي، ويضيف: "سد الطريق بوجه العديد عند الباب الأردني، ومنعوا من الدخول، فكان المنفذ الآخر هو اللبناني الذي استقبل العديدين في بداية الأزمة، إلا أن معاملات السلطات اللبنانية عقدت القرارات، وبدأت تحد من دخول اللاجئ الفلسطيني، وألغت التأشيرة التلقائية التي كان يستطيع الحصول عليها، وأصبح مضطراً لأخذ تأشيرة سائح من السفارة اللبنانية في دمشق".
فأصبح اللاجئ بين مطرقة البقاء مع عائلته صامدا في وجه الصراع والبراميل المتفجرة، وبين سندان إغلاق الأبواب في وجهه لحظة اللجوء، ويكافح للهرب من الموت إلى رحلات العذاب، متمسكاً بحق عودته إلى أرضه الفلسطينية.
الأردن .. العدد الأكثر استقراراً
وفي الأردن يعيش أكثر من مليوني لاجئ، ويتمتع كافة اللاجئين الفلسطينيين في الأردن بالمواطنة الأردنية الكاملة، باستثناء حوالي 140 ألف لاجئ أصلهم من قطاع غزة الذي كان حتى العام 1967 يتبع للإدارة المصرية، وهم يحملون جوازات سفر أردنية مؤقتة. بحسب وكالة الأناضول.
ويعاني اللاجئ الفلسطيني صاحب المواطنة الكاملة ما يعانيه المواطن الأردني، من الأوضاع المادية الصعبة، وارتفاع تكاليف الدراسة، وقلة فرص العمل.
بينما معاناة اللاجئين الغزيين تختلف، فجوازات سفرهم المؤقتة لا تخولهم حق المواطنة الكاملة كحق التصويت وحق التوظيف في الدوائر الحكومية.
صراع الهوية في الغرب
معاناة اللاجئين في الدول الأجنبية اتخذت مساراً آخر، "فصراع الثقافات وتنازع الهوية وقوة الصهر في المجتمعات الغربية المختلفة بشكل جذري، يجعل الفلسطيني في حالة صراع داخلي، كما وأن قوانين لم الشمل في
أوروبا حدّت من اجتماع العائلة الفلسطينية التي في مكان واحد" هذا ما يقوله ماجد الزير.
ويضيف ماجد الزير لـ"عربي 21"، وهو مدير مركز العودة الفلسطيني في بريطانيا، "يأتي هنا دور المؤسسات الرئيسية التي تعمل على النهوض بالجالية الفلسطينية والتغلب على هذه المشاكل، والتي لولاها لذاب الفلسطيني في هذه المجتمعات، الأمر الذي يرضي العدو الإسرائيلي".
وأشار الزير إلى أن "الحياة الرغيدة والفرص المفتوحة والمنوعة في سبل الحياة لفلسطينيي أوروبا، لم تشغلهم عن الهم العام الوطني الفلسطيني وبالأخص حق العودة"، مؤكداً أن هذا يسقط مبدأً ومسلكا عربيا رسميا طوال العقود السابقة في التعامل غير المقبول مع الفلسطينيين الذين يعيشون في كنفهم خوفا من أن يستكينوا وينشغلوا وينسوا فلسطين.