انشغلت وسائل التواصل الاجتماعي في الأردن مؤخرا بصور "نبتة الملوخية" التي رفعها مشجعو ولاعبو فريق نادي
الوحدات الأردني عقب فوزه بدوري المناصير للمحترفين بكرة القدم، الخميس الماضي.
ورفع لاعب فريق الوحدات باسم فتحي لاعب الوحدات "ضمة ملوخية" في الملعب بعد أن أطلق جمهور فريق نادي الوحدات على هذا الدوري اسم "دوري الملوخية" ردا على لافتة رفعها مشجعو نادي
الفيصلي تقول: "يا مستني الوحدات يأخذ الدوري يا مستني ماكدونالدز يعمل ملوخية". وهتف جمهور الفريق عقب الفوز "ملوخية ...ملوخية" بينما تطايرت أغصان نبتة الملوخية في أرجاء الملعب.
وترمز "الملوخية" (أكلة شعبية
فلسطينية) إلى الأردنيين من أصول فلسطينية الذين يشجعون فريق نادي الوحدات في الغالب، بينما يرمز "المنسف" (أكلة شعبية أردنية) إلى الأردنيين الذين يشجعون في الغالب نادي الفيصلي.
وعلق رئيس نادي الوحدات -النائب في البرلمان الأردني- طارق خوري على الساخرين من "أكلة الملوخية" على صفحته على موقع تويتر: "أقول للبعض: اليوم فطورنا بلجيكي و غدانا ملوخية وعشانا وجبة لجوء.. شكرا لمفرداتكم التي تزيدنا إصرارا لخدمة أردننا و فلسطيننا ونتعلق بهما أكثر".
وتستخدم كلمة "بلجيكي" للإشارة للأردنيين من أصول فلسطينية لأسباب تختلف روايتها من شخص لآخر.
عضو التيار القومي التقدمي مثنى الغرايبة يرى أن "هنالك أعراضا واضحة تنم عن مشكلة في الهوية، ولكن هذا لا يعني أنها بذلك العمق والتأزيم، مشيرا إلى قصور في النظام التعليمي الذي لا يبني ثقافة وطنية عامة، ويقتصر على الاحتفاء بالأشخاص دون الانتباه للتفاصيل والتنوّع في مكوّنات المجتمع الأردني".
وأضاف الغرايبة لـ"عربي 21" أن مشكلة الهوية "ليست مقتصرة على الاختلاف بين مكونات المجتمع بين شرق النهر وغربه، وإنما هي مشكلة ثقافية مرتبطة بالوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي يعيشه الأردنيون".
وأقر الغرايبة أن هناك أزمة بالتأكيد، ويستدرك: "قصة الملوخية ليست أكثرها تعقيداً، هناك حالة اغتراب للمواطن في وطنه بغض النظر عن أصله".
ويخفي الانقسام حول فريقي الفيصلي والوحدات انقساما أكبر في المجتمع الأردني حول الهوية والانتماء، حيث جاء في برقية صادرة عن السفارة الأمريكية في عمان عام 2009 كشفها موقع ويكيليكس أن فريقي الفيصلي والوحدات يمثلان أبطال "الشرق أردنيين" و"الفلسطينيين".
ففريق الفيصلي (الذي يعود اسمه للملك فيصل الهاشمي) يدار من قبل عشيرة "العدوان" الشرق أردنية البارزة والمتمركزة في محافظة البلقاء، وهو فريق معروف بمشجعيه الشرق أردنيين العشائريين، بحسب البرقية.
وأخذ فريق الوحدات، من جهة أخرى، اسمه من مخيم كبير للاجئين الفلسطينيين جنوبي عمان، وهو الفريق المفضل لدى الأردنيين من أصول فلسطينية.
وقالت البرقية إن المباريات بين الوحدات والفيصلي لها تاريخ طويل من البلطجة والعنف ذي الدوافع السياسية، حيث تم إيقاف عدد من المباريات في السابق بسبب أعمال الشغب والهتافات المسيئة من قبل مشجعي الفريقين، وهي هتافات أصبحت وبمرور الوقت "مقياساً شعبيا" للتوترات بين الشرق أردنيين والفلسطينيين.
وأوضح الكاتب مالك العثامنة لـ"عربي 21" أن "أزمة الهوية في الأردن بدأت تأخذ ترميزات شعبية جدا؛ مما يعني أن الانتشار الأفقي للأزمة بات واسع الانتشار".
ومن هذه الترميزات -حسب العثامنة- مباريات فريقي الوحدات والفيصلي التي تعتبر تاريخيا تجليا لازدواجية الهوية في الأردن، لكن "الإبداعات" في التعبير والرسائل المسيئة والرسائل المضادة لها بدأت تأخذ منحى ضيقا جدا يعكس مدى الاحتقان الشديد في الحالة. والمفارقة أن حزم القوانين الضريبية ومجموعة القرارات الاقتصادية التقشفية القاسية لا توزع بحسب الهوية، بل تشمل بكل ما تحمله من مشقة الطرفين لتصبح الملوخية في نهاية اليوم، بعيدة المنال على كل طرف".
"ملوخياتك وعلى الجسر"
وكانت "الملوخية والمنسف" لوقت طويل أحاديث شعبية في الشارع تشير إلى أصول الأردنيين وتشتهر مقولة في الأردن "ملوخياتك وعلى الجسر" في إشارة للمعبر الفاصل بين الأردن وفلسطين.
وتجسدت فيما بعد هذه الرموز بأعمال كوميدية ساخرة كمسرحية "لا شرقية ولا غربية" التي تتناول العلاقة بين جبر بيك (رجل من شرق الأردن) وزوجته زريفة من غرب الأردن، وانقسام أفراد الأسرة بين مشجع لفريق "الفيصلي" و"الوحدات".
ويرى مشاهد المسرحية العديد من المواقف التي تحمل دلالات واضحة، منها رفض جبر بيك تناول الملوخية، رأى البعض أنها إشارة إلى بعض أبناء الضفة الشرقية الذين يقولون إن "الفلسطيني لم يجلب معه للأردن إلا الملوخية"، كما أن الرجل يرى في الملوخية اللون الأخضر الذي يرمز إلى فريق "الوحدات"، مما جعله يرفض تناول أي صنف من الخضراوات.
ورداً على موقفه هذا، تناكفه زوجته زريفة بالقول "ابحث عن خضروات زرقاء اللون لتأكلها"، في إشارة إلى لون الزي الرسمي لـ "الفيصلي".
وتتابع أحداث المسرحية التي تطرح قضية "أردني-فلسطيني" بجرأة إلى أن تعترف زريفة (الفلاحة الفلسطينية) بأنها تحب المنسف لكنها تمتنع عن طبخه نكاية بأهل زوجها، فيما يعترف جبر الذي يتحدث بلكنة أردنية بأنه يحب الملوخية، لكنه يرفض أن يأكلها بسبب زوجته الفلسطينية.
وللمفارقة يقول مؤلف المسرحية الكاتب الساخر كامل نصيرات لـ"عربي 21" إنه "لا تأثير للطبخ على التعصب، فالذين يقودون مسيرة الفتنة بين الطرفين هم الذين يستمتعون بالطبختين!".
ويؤكد نصيرات أن "المناكفة في هذه الأشياء هي مجاكرة وسلاح مثلوم، فلا يوجد مثلا شخص يرفض أكل الملوخية لأنها تمثل الفلسطينيين، ولا يوجد كذلك شخص يرفض المنسف لأنه يمثل الأردنيين".
ويرى الكاتب الساخر أن "المشكلة تكمن في العقلية المتخلفة وعدم مواجهة الأسباب الحقيقية لانهيار المنظومة الاجتماعية في الأردن، وعدم المساس بالنظام المسؤول مسؤولية مباشرة عن كل تفاصيل الفتنة والتخلف ورداءة الطرفين".
وحول سبب اختياره "للملوخية والمنسف" في مسرحيته للإشارة للانقسامات في المجتمع الأردني، يقول: "اخترت الطعام لأن المسرحية سياسية كوميدية، ولأن الطرفين يتناكفان بالملوخية والمنسف والطرفين كاذبان وهاربان من مواجهة العدو المشترك".
الهوية الأردنية
وأخذ الجدل حول الهوية الأردنية مساحة واسعة من النقاش وخاصة في السنوات الأخيرة، ويرى مدير مركز الثريا للدراسات، الباحث محمد عبد الله الجريبيع في "دراسة سوسيولوجية لحالة الهوية الأردنية" بأنها هوية تقوم على التنوع، والتنوع في الهوية منبثق من تركيبة النسيج الاجتماعي للمجتمع الأردني، المكون من أردنيين من أصول شرق أردنية، وأردنيين من أصول فلسطينية، وأردنيين من أصول شركسية وشيشانية، إلى جانب المسيحيين الأردنيين، والأردنيين من أصول عربية، سورية، حجازية، وأردنيين من الأقليات الأخرى كالدروز، والأكراد.
يقول الجربييع: "ساهمت هذه المكونات جميعها في تشكيل الهوية الوطنية، بالرغم من أن تأثير ومساهمة الأردنيين من أصول فلسطينية بشكل أكبر من الفئات الأخرى في الهوية الوطنية، نتيجة للبعد الجغرافي ونتيجة أيضا لتشابك العلاقات مع الأردنيين من أصول شرق أردنية وبصورة تلقائية وطوعية، إضافة إلى الوحدة السياسية والبعد القومي".
الكاتبة الصحفية لميس اندوني رأت أن جدل الهوية تحول لممارسة ممنهجة لغايات سياسية، مشيرة لـ"عربي 21" إلى أن "جدل الهوية له جذور تاريخية لها علاقة بالتنافس بين الأردن وبين منظمة التحرير الفلسطينية حول تمثيل الفلسطينيين، لكن المسألة تحولت إلى عملية ممنهجة لبث الفرقة بهدف تخويف المواطنين من النشاط السياسي المعارض للنظام، ليشعر الفلسطيني أن دخوله المعارضة يجعله مشبوها وأن عليه أن يختار بين فلسطينيته وولائه للأردن وللنظام، وليخيف الأردني من خطر سيطرة الفلسطيني على مفاصل النظام وبالتالي الوظائف".
ويتمتع معظم اللاجئين الفلسطينيين في الأردن بالمواطنة الأردنية الكاملة باستثناء 140 ألف لاجئ من قطاع غزة، وهم يحملون جوازات سفر أردنية مؤقتة لا تخولهم حق المواطنة الكاملة كحق التصويت وحق التوظيف في الدوائر الحكومية.
ويتوزع اللاجئون والنازحون الفلسطينيون، في مختلف محافظات المملكة، وتسكن غالبيتهم خارج المخيمات العشرة الرسمية في الأردن، إلى جانب ثلاثة مخيمات غير رسمية.