لن ننتظر اللجنة العليا للانتخابات
المصرية لتعلن عدد المشاركين في
الانتخابات الرئاسية لنعلم أن حجم المشاركة فيها كان بحجم الفضيحة، ولن نصدق بالطبع الإعلام المصري "الموضوعي!" الذي نصب "مناحة" في اليومين الأول والثاني للانتخابات بسبب خواء لجان التصويت، بينما اكتشف فجأة في اليوم الثالث أن "مصر تبهر العالم" بحجم المشاركة الشعبية في الانتخابات.
لقد بات واضحا أن الانتخابات الرئاسية الأولى بعد انقلاب 3 يوليو العسكري، هي انتخابات "اللجان الفارغة" بامتياز، لدرجة جعلت جنديا مسؤولا عن تأمين أحد اللجان "يتسلى" برش المياه أمام بوابة اللجنة الفارغة، ولدرجة سمحت للجنة كاملة أن تنام بملء جفونها على أدراج الفصول المدرسية دون أن يقطع غفوتها أي مشارك بالتصويت ولو عن طريق الخطأ، كما نشرت مواقع التواصل الاجتماعي.
وبعيدا عن الإعلام المصري "المبهر" وعن صور مواقع التواصل الاجتماعي التي قد يطعن البعض بنزاهتها، فإن من الممكن البناء في تقدير حجم المشاركة على ما نشره المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر"، وهو مركز يحظى بدرجة جيدة من المصداقية، حيث قال المركز في دراسة نشرت بعد انتهاء اليوم الثاني من التصويت إن عدد المشاركين يومي 26 و27 مايو يقدر بأربعة ملايين وأربعين ألف ناخب، بنسبة تصل إلى 7.5% من إجمالي المقيدين بالجداول الانتخابية.
وإذا أضفنا نصف هذا العدد في أحسن الأحوال لليوم الثالث، فلن يتجاوز عدد الناخبين الستة ملايين مع قدر كبير من المبالغة، وهي نسبة تتفق مع إحصائيات المركز العربي للحقوق والحريات الذي قال إن نسبة المشاركة تبلغ 12% ممن يحق لهم الانتخاب، ما يعني بالقطع أن الشعب المصري أراد لهذه الانتخابات أن توجه عدة رسائل في عدة اتجاهات.
إن الطرف الأول المعني بدراسة فضيحة اللجان الفارغة هو قائد الانقلاب المشير السيسي، وجماعته السياسية؛ سواء كانت من فلول نظام حسني مبارك، أو من مؤسسات الدولة العميقة التي تسعى للاحتفاظ بمكاسبها على حساب الشعب المصري، والتي ظنت أن المناخ الشعبي أصبح بعد الحشد الإعلامي المستمر مهيأ للتعامل مع مرشحها عبد الفتاح السيسي باعتباره القائد الملهم المنقذ، وهو بالتالي المرشح الذي لا يحتاج لبرنامج انتخابي، والذي بإمكانه أن يخاطب الشعب باستخفاف مهين دون خوف من النتائج، وهو كذلك ليس مضطرا حتى لتقديم مجرد وعود انتخابية تشجع الناس على انتخابه، فجاء الرد سريعا بعد أقل من سنة من الانقلاب لتقول "اللجان الفارغة" إن الشعب هو المعلم وهو المنقذ، وبأن الشعب لا يغفر لمن يستخف به.
أما الطرف الآخر الذي يحتاج لمراجعة مواقفه ومقارباته، فهو الإعلام المصري الذي لعب دورا هائلا في إسقاط الرئيس مرسي، وفي حشد الناس ضده، وفي بناء حالة من الكراهية –التي لا يعرف حجمها بالضبط- ضد الإخوان.
لقد ظن هذا الإعلام أنه يستطيع بناء هيبة الرئيس المخلص "عبد الفتاح السيسي"، بنفس الأدوات، غير المهنية، التي هدم فيها هيبة الرئيس مرسي. ولكن اللجان الفارغة أكدت لهذا الإعلام بأنه قد يكون قادرا على الهدم والتلون وتغيير المواقف مرة واحدة، ولكنه غير قادر على ممارسة نفس اللعبة والنجاح فيها دائما.
ولعل المتابع لحالة "الهيجان" التي صبغت ردود أفعال الإعلاميين في يومي الانتخابات الأول والثاني؛ يلاحظ حجم الصدمة التي مني بها نجوم الإعلام، حينما أدركوا أنهم لم يستطيعوا تحريك الشعب كما يريدون، ولذلك فقد تحول هؤلاء النجوم فجأة إلى "رداحين" يشتمون الشعب "غير المتعلم" و "غير المتربي"، و "الذي يستحق الضرب بالجزمة"، وغيرها من الشتائم التي لو قيلت في أي بلد يحترم فيه القانون لتحول هؤلاء الإعلاميون للمحاكم فورا.
وتبقى
الرسالة الأبلغ من "انتخابات اللجان الفارغة" هي تلك الرسالة الموجهة للنخب المصرية، بكل أنواعها، وبكل اتجاهاتها، بأن الشعب المصري هو أكبر من الجميع، ومتقدم على الجميع، سواء على تلك النخب التي انحازت للجنرال بمواجهة صناديق الاقتراع، من سلفيين وعلمانيين وفنانيين ومثقفين، أم تلك النخب التي اتهمت الشعب بأنه تركها لمواجهة الانقلاب وحيدة لجهل فيه أو ذل أو قبول بالاستبداد، فجاء الرد الأبلغ، بأن ثورة يناير التي تقدمت فيها الجماهير على نخبها، هي نتاج لشعب يتقدم فعلا في تجربة تلو الأخرى على نخبه، وأن التحاق هذه النخب بشعبها هو السبيل الوحيد لتحقيق الانتصار الكامل على الفساد والاستبداد والحكم العسكري.