قال معلق الشؤون الخارجية في صحيفة "إندبندنت" باتريك كوكبيرن إن
العراق قد يشهد مذابح طائفية شبيهة بما شهدته الهند قبل التقسيم في 1947.
ويذهب كوكبيرن في تحليلاته إلى ما يذهب إليه الإعلام الغربي وما يتبعه من إعلام عربي موجه، بتسليط الضوء على الدولة الاسلامية في العراق والشام (
داعش)، وإظهار أنها التنظيم الذي يقود الثورة ضد حكومة المالكي دون الإيحاء بحقيقة أعداد أفراده الضئيلة في العراق ودوره الثانوي في المعركة، مع إغفال أن المعارك في العراق يتسيدها ثوار العشائر الذين بدأوا حراكهم منذ أشهر تحت مسمى "المجلس العسكري العام"، وهم يهدفون إلى عراق حر آمن وخال من حكومة طائفية ظالمة، وليس "الإرهاب" في أجندة هؤلاء، كما هو لدى "داعش".
ويزعم الكاتب أن "العراق يتحطم حيث يفر
الشيعة والأقليات العرقية من المذابح حيث تجتاح
ثورة سنية بقيادة (داعش) شمال العراق". مضيفا أن "داعش لا يزال يكسب معارك، حيث سيطرت على تلعفر غرب الموصل والتي يقطنها شيعة تركمان بعد معارك شديدة مع إحدى أقوى وحدات الجيش العراقي"، بحسب ما يتصور.
وقال إن "الصور وروايات شهود العيان تؤكد ذبح داعش 1700 أسير شيعي، عدد كبير منهم طلاب في كلية سلاح الجو خارج تكريت، ما يشير إلى أن داعش تنوي تطهير المناطق التي تسيطر عليها من الشيعة حيث سمحت للطلاب السنة في نفس الكلية بالعودة إلى بيوتهم" بحسب رواية الكاتب.
وذهب إلى أنه إذا انتقلت المعركة لبغداد فإن الأكثرية الشيعية سترى في مناطق السنة مناطق ضعف في الدفاع عن بغداد ما قد يحدوهم لطردهم من تلك المناطق.
ويرى أنه "في قرار لم يتسم بالحكمة وللحفاظ على معنويات سكان العاصمة عالية، قامت الحكومة بقطع الإنترنت في التاسعة صباحا وكانت قد أغلقت يوتيوب وفيسبوك وتويتر قبل ذلك، بحجة أن داعش تستخدمها كوسائل اتصال، ولكن هذا غير محتمل في الغالب لأن داعش لديها نظام اتصال متقدم خاص بها". و"لأن الناس لا يثقون في أخبار الإذاعات والتلفزيونات التي تديرها الحكومة ولا في تصريحات المسؤولين، فإن إغلاق الإنترنت خلق فراغا تملؤه الإشاعات التي تبعث على الرعب وليس هناك طريقة للتأكد من صحتها أو عدمه"، على حد قوله.
ويعلق بأن "النتيجة كانت جوا من الذعر في بغداد حيث يتم إرسال المتطوعين الشيعة على الشاحنات لسامراء شمال العاصمة لوقف زحف داعش. وأصبح سعر الرصاصة الواحدة لبندقية الكلاشنكوف ثلاثة آلاف دينار عراقي (دولاران). أما الكلاشنكوف نفسه فالحصول عليه من تجار السلاح أصبح شبه مستحيل، ولكن يمكن الحصول على المسدسات بثلاثة أضعاف سعرها قبل أسبوع. وفي كربلاء الشيعية إلى الجنوب الشرقي من بغداد طلب المحافظ من المتطوعين الشيعة أن يحضروا معهم أسلحتهم الخاصة لمراكز التطوع".
ويقول: "كثير من المدنيين يغادرون بغداد والموسرون سافروا للخارج. وقال لي مدير شركة أمنية: (أنا مغادر إلى دبي في إجازة غير مخططة ولأزور بناتي حيث غادر كل الأجانب الذين أقوم بحمايتهم". وقد وصل ثمن أسطوانة الغاز التي يستخدمها العراقيون في الطبخ إلى 6000 دينار عراقي لأنها عادة ما تأتي من كركوك ولكن الطريق من كركوك يسيطر عليه مقاتلو داعش".
ويروي أن "بغداد تمتلئ بالشائعات، حيث كان هناك تقرير صباح الاثنين بأن مقاطعة الأنبار السنية التي يبلغ عدد سكانها في العادة 1.5 مليون نسمة وقعت كلها بأيدي داعش. ولكن مكالمة مع أحد الأصدقاء في عاصمتها الرمادي كشفت عن أن القتال لا يزال دائرا هناك. وقد أخبرني وزير سابق مساء الأحد بأن داعش لا تستطيع دخول سامراء، ولذلك تحولت إلى بعقوبة في محافظة ديالى أحد مداخل العاصمة بغداد، ولكن أحد سكان بعقوبة نفى أن يكون هناك قتال دائر حول المدينة".
ويستدرك بأن القصة كانت مختلفة في تلعفر والتي كانت فيها قوة من البشماركة الكردية تعدادها 1000، ولكنهم إما هزموا أو أجبروا على الانسحاب. كما أن هناك تقارير بأن القائد العراقي الذي يقود الجيش هناك تم أسره. وهرب الشيعة التركمان من هناك إلى المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، وتبدو البلدة مهجورة إلى حد بعيد. وذكر مصدر من الموصل أن الطيران العراقي قام بقصف المدينة متسببا في قطع الكهرباء، بحسب رواية الكاتب.
ويضيف أنه "مما لا شك فيه أن الثورة السنية التي تشكل فيها داعش قوات الصدمة لا تزال تتنامى ولكن لم يتم الهجوم على العاصمة بعد، وإن حصل الهجوم فإن داعش ستواجه مئات آلاف الميليشيات الشيعية، وإن تقدمت فستواجه القوات الإيرانية في الغالب على شكل قوات الحرس الثوري. وتناقل الإعلام العراقي تقارير مفادها أن هناك كتيبتين إيرانيتين في العراق ولكن ولحد عصر الاثنين لم أقابل أحدا قال إنه رأى أثرا للكتيبتين".
ويرى أنه في ظل فشل قيادات الجيش العراقي أو غياب الثقة فيهم، فإن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في بغداد، يقوم برسم الخطط بحسب التقارير. وبحسب المسؤولين العراقيين، فإن الخطة الإيرانية هي تأمين الطريق شمال سامراء وهي مدينة سنية، ولكن فيها مزار شيعي مهم ومنها تكون نقطة الانطلاق لاستعادة تكريت والموصل.
ويزيد بأن العامل المهم هو مدى استعداد الرئيس الكردي مسعود بارزاني، رئيس حكومة إقليم كردستان الذي حقق قريبا مكاسب تاريخية باحتلاله كركوك ومناطق أخرى مختلفا عليها مع بغداد، أن يساند هجوما مضادا من الحكومة. كما أن مدى انهيار معنويات الجيش العراقي وقوامه 350 ألف عسكري غير واضح، فالضباط الذين عادوا من الموصل يقولون إن قياداتهم إما هربوا أو أمروهم بعدم المقاومة.
ويروي عن جنرال عراقي متقاعد، سأله عن سبب الهزيمة، أنه قال: "الفساد.. الفساد.. الفساد!". وأضاف أن الفساد بدأ عندما اقترح الأمريكان على الجيش العراقي التعاقد مع جهات خارجية لإمداد الجيش بالطعام والمواد الأخرى عام 2005. وقال إن قائد كتيبة كان يقبض ثمن الإمدادات لـ 600 جندي بينما لم يكن تحت قيادته سوى 200 جندي، فكان يحقق أرباحا كبيرة من الفرق. فشكل الجيش جهاز إنتاج للنقود بالنسبة للضباط الكبار، أما الجنود الصغار فصاروا يستغلون موقعهم لابتزاز المال من الناس العاديين على الحواجز. إضافة إلى ذلك فقد تم استبعاد الضباط السنيين المدربين جيدا من الجيش وفي النتيجة بحسب الجنرال المتقاعد فإن "العراق لا يمتلك جيشا وطنيا".