من بين كل القيادات الإخوانية التي حكم عليها بالإعدام مؤخرا، لم يحظ أحد بالتعاطف مثلما حدث مع
وزير التموين الأسبق
باسم عودة.
وأصدرت محكمة جنايات الجيزة حكما - الخميس الماضي - بإحالة أوراق 14 قياديا بجماعة الإخوان المسلمين بينهم المرشد محمد بديع وعصام العريان ومحمد البلتاجي وصفوت حجازي، في قضية أحداث مسجد الاستقامة، والتي راح ضحيتها ما يقرب من 20 من أنصار الرئيس محمد مرسي خلال اشتباكهم مع قوات الأمن والبلطجية بمحيط ميدان الجيزة.
ويرى كثير من
المصريين أن باسم عودة كان أفضل وزير في عهد مرسي، بل إن هناك من اعتبره من أفضل الوزراء في تاريخ مصر، حيث نجح في القضاء على عدة أزمات خانقة استعصت على الحل لسنوات طويلة أمام حكومات متتالية، في مقدمتها أزمة أنابيب البوتاجاز ورغيف الخبز، بالرغم من أنه لم يستمر في المسؤولية سوى ستة أشهر فقط.
ودخل الوزير الشاب ذو الوجه البشوش قلوب المصريين، وأصبح نموذجا لتمكين شباب ثورة يناير، خاصة أن وزارته تعد أكثر الوزارات ارتباطا بالفقراء وهمومهم اليومية.
وزير الغلابة
تولى باسم عودة وزارة التموين في كانون الثاني/ يناير 2013، وتميزت فترة توليه الوزارة بالتفاعل القوي مع الجماهير، كما أنه نجح في التصدي للفساد المستشري داخل وزارته، وقدم حلولا مبتكرة للمشكلات التي واجهته.
استطاع عودة أن يحل أزمة رغيف الخبز ويرفع من جودته بشكل غير مسبوق وأن يقضي على الفساد في هذا القطاع خلال أقل من شهرين، بعدما كان الخبز الأزمة الرئيسية التي يعاني منها المصريون منذ سنوات طويلة، كما أنه حل أزمة السولار، ورفع إنتاج مصر من القمح بشكل لم يحدث منذ عقود، حتى أصبحت البلاد قريبة من الاكتفاء الذاتي من هذا المحصول الاستراتيجي.
وأطلقت على باسم عودة عدة ألقاب، منها "وزير الفقراء" و"وزير الشعب" و"وزير الغلابة"، بسبب تبنيه لقضاياهم وشعوره بمعاناتهم، ما دفع أشد المعارضين لجماعة الإخوان المسلمين إلى الاعتراف بأنه كان أفضل وزير في حكومة هشام قنديل.
ولد "عودة" في محافظة المنوفية يوم 16 آذار/ مارس من عام 1970، في أسرة متوسطة حيث كان والده مديرا بإحدى الإدارات التعليمية، وهو متزوج ولديه أربعة أبناء.
انضم لجماعة الإخوان المسلمين أثناء فترة دراسته بجامعة القاهرة في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي حينما كان طالبا في كلية الهندسة، وكان من أنشط كوادرها بالجامعة وتولى عدة ملفات طلابية في ذلك الوقت، بعدها عمل ''باسم'' أستاذا بقسم الهندسة الطبية بكلية الهندسة.
وكان باسم عودة من قيادات الإخوان الذين اعتصموا بميدان التحرير في الثمانية عشر يوما الأولى من ثورة يناير، وأصيب في موقعة الجمل، وكانت له صورة شهيرة تداولها النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر فيها مصابا في رأسه أمام إحدى الخيام بالميدان.
وبعد الثورة تولى باسم عودة، مسؤولية اللجان الشعبية بمحافظة الجيزة التي تولت مهام توفير الخبز والوقود لعدة مناطق بالمحافظة، بعد توقف الحكومة عن تقديم بعض السلع والخدمات جراء الانفلات الأمني.
وعندما أسس الإخوان حزب الحرية والعدالة، أصبح عودة عضوا بالأمانة المركزية للتخطيط والتنمية بالحزب، ثم تولى رئاسة لجنة التنمية المحلية بالحزب.
وعقب فوز الرئيس محمد مرسي بمنصب رئيس الجمهورية، استعان الرئيس بخدمات عودة، وعينه مسؤولا عن ملف الطاقة والوقود بالرئاسة، ومنسقا لحملة "وطن نظيف" على مستوى الجمهورية.
12 قضية
شارك عودة في اعتصام النهضة منذ بدايته، وعقب فض الاعتصام اختبأ لثلاثة أشهر في مزرعة نائية بمنطقة وادي النطرون التابعة لمحافظة البحيرة يمتلكها أحد أصدقائه.
كان باسم عودة من أوائل قيادات الإخوان الذين أصدرت النيابة العامة بحقهم قرارات ضبط وإحضار بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة، بتهم التحريض على القتل في الأحداث التي تلت الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، ووجهت له اتهامات في نحو 12 قضية، قبل أن تلقي قوات الشرطة القبض عليه في تشرين الثاني/ نوفمبر 2013.
بعد الإطاحة بالرئيس مرسي، طلب
قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي من باسم عودة الاستمرار في منصب وزير التموين إلا أنه رفض، حسبما أعلن بنفسه خلال إحدى جلسات محاكمته، وهو الأمر الذي لم تنفه سلطات الانقلاب.
وقال مصدر داخل الإخوان المسلمين لـ "عربي 21"، إن الجماعة كان تجهز باسم عودة قبل الانقلاب لتولي منصب أهم، مشيرا إلى مطالبات داخل الجماعة بأن يتم الدفع بعودة ليكون رئيسا للوزراء أو حتى مرشح الإخوان المقبل لرئاسة الجمهورية، نظرا لأنه من أكثر الوجوه الإخوانية التي تحظى بشعبية كبيرة بين المؤيدين والمعارضين كما أنه تمتع بحب كبير في قلوب المصريين.
ويرى كثيرون أن باسم عودة كان من أهم القيادات التي حرصت سلطات الانقلاب على التخلص منها، بتلفيق عدة قضايا لها حتى لا يمثل تهديدا مستقبليا لها حينما يقارن الناس بين أداء الوزراء الحاليين وأداء عودة.
موجة سخط
وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي موجة كبيرة من السخط على الحكم بإعدام باسم عودة، حيث أعرب عدد من السياسيين والنشطاء عن استنكارهم له، فقال الشاعر والناشط السياسي عبد الرحمن يوسف، عبر صفحته على "فيسبوك": "باسم عودة الوزير الذي اتفق المؤيد والمعارض على أنه ترك المكاتب المكيفة، وصال وجال في الشوارع ليقدم للمواطن في وقت قصير ما يمكنه من عيش كريم".
وتهكم يوسف قائلا: "مرة واحد عرض الانقلاب عليه إنه يستمر في منصب وزير التموين رفض.. فحولوا أوراقه للمفتي.. باسم عودة".
وسخر الكاتب الصحفي وائل قنديل، من حكم
الإعدام الذي صدر بحق وزير التموين السابق الدكتور باسم عودة، وقال "قنديل" عبر "فيسبوك": "جرائم باسم عودة هي تحريض المخابز على إنتاج رغيف يليق بالبشر و"التآمر" مع الفلاحين لزيادة محصول القمح و"الضلوع" في قتل أزمة أنابيب البوتاجاز".
فيما قال المهندس حاتم عزام، نائب رئيس حزب الوسط، إن الدكتور باسم عودة الذي أعرفه هو: "العلم والعمل والأخلاق والإخلاص وحب الوطن والتفاني في خدمة الفقراء".
وأثناء حكم مرسي، طالبت المعارضة المتمثلة - وقتها - في جبهة الإنقاذ بإقالة باسم عودة من الحكومة زاعمين أنه بسبب نجاحه هذا، فسيؤثر على أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية التي كان من المقرر إجراؤها في منتصف العام الماضي.