مدونات

أهلا رمضان

مساجد تتيز لاستقبال رمضان - الأناضول
مساجد تتيز لاستقبال رمضان - الأناضول
ما إن رُفع اذان المغرب الأخير لشهر شعبان حتى سمعت دقات باب منزلنا، فتحت فرجة صغيرة لأرى منها الطارق فوجدت قدمين صغيرتين يبتلعهما باب جيراننا، مكثت برهة وأنا استرجع ذكريات طفولتنا في ليالي السهر الرمضانية وكم طرقنا على الأبواب وهربنا مختبئين كاتمين ضحكاتنا على السباب والوعيد الذي ينتظرنا من صاحب البيت المطروق بابه حتى قطع حبل ذكرياتي عينان عسليتان يموج فيهما الاخضرار باستحياء.

- بدكم حلويات سورية؟ طيبة كتير..جربيون.

خجلتُ من تلك الذاكرة الساذجة التي حسبت أن كل طرقة باب طفولية هي لصغير يلعب ويمرح في بهجة بريئة، نسيتُ أن في عالم الغاب الذي نحياه – او قل نعيشه، فلا حياة حقيقية لنا- تصبح الطفولة رفاهية لا تُحتمل والبراءة محض كماليات لا متسع لها..

طفلٌ بعيون تصر أن تحفر أثرها في قلبك، يجوب في مجاهل البنايات لعله يساعد أبيه في "أجار" بيتهم المُشارك فيه أصلا أكثر من أسرة..

كيف لهذا الصغير أن يدرك أنها يدفع ثمن "سياسات"عميلة في وطنه قبل أن يدفع أجرة منزل في اللجوء؟!

كيف يعرف أن صاحب المنزل في عَوَزٍ لا يقل عنه وأن كل ما يختلفا فيه هوية ولهجة ومسمى مشتت بين اللاجئ والمواطن صاحب الأرض؟

وهل بتنا أصحاب أرض وإن لم نغادرها؟ كيف نكون كذلك وكل همنا في استقبال رمضان ماذا سنقول لأهل الشهيد وكيف سنخفف عن ذوي المعتقل وعلى أي سجاد سنمرغ جباهنا لله بعد أن مُنعنا المساجد؟!

وأزيدك من القهر وجعا..

تبكي صديقتي، تبكي رمضانهم العراقي.. تبكي رفات أبيها، بقايا منزلها وشتات لا تدري له منتهى..!
 تُرسل دموعها ترتيلا عبر سماء واحدة تظلل أوطاننا وتظلنا، تلك السماء التي قُصفت منها أحلامنا.. كل بلدٍ زُينت سماؤها بذوق القاصفين.. فلم نعد نعلق "زينة" رمضان بسحاب خيالنا أبدا..

أما غزة فلم يُرد الاحتلال لها أن تُحرم من "المسحراتي" وكان حرص اليهود نيل أهل بركة السحور شديدا، فأوقظوهم على قصف لم يتركهم حتى اذان الفجر الأول لرمضان فجاء الظمأ وجفت العروق وثبت الأجر إن شاء الله..

أتى رمضان.. ولازالت ذكراه الوضيئة تعتمل فينا، فتجرح قلوب لا طاقة لها على عيش الذل والألم، وتعترك أمام ناظرينا مشاهد الدم والاشلاء مع شموع تتمايل وراء زجاج "الفوانيس" المطلي بالفرح، فيختلط الدمعان –دمعك والشمعة- ويُقبّل جفناك بعضهما في صمت يرتجي نفحات الله في شهره المبارك..

وكل عام وأنتم بخير..!
التعليقات (0)

خبر عاجل