كتب بسام بدارين: لا شكوك بنوايا الدول العربية التي خصصت ملايين الدولارات لمعالجة جرحى العدوان
الإسرائيلي المستمر على أهلنا في قطاع غزة.
هي نوايا طيبة وعمل خير مطلوب ومشكور بين الحين والآخر، لكنه عمل العجزة وقليلي الحيلة والفاشلين وفي بعض الأحيان عمل يخدم القاتل والمجرم ويوفر له ملاذات إنسانية تحت عنوان مساعدة الشعب الفلسطيني أو إحتواء آثار العدوان.
بناء مستشفيات ميدانية ومعالجة الجرحى عمل مبارك بكل الأحوال لكنه ليس بديلا إطلاقا عن القيام بالواجب الأكبر المقدس وهو معاقبة العدو الصهيوني الذي إستمرأ قتل العرب والمسلمين وإحتلال مقدساتهم ونجح دوما بالإفلات من العقاب ولم يتحمل يوما عاقبة تصرفه الأرعن وجرائمه التي تطل علينا بنسبة تقريبية في كل شهر رمضان مرة.
النظام العربي الرسمي للأسف الشديد وبدون خجل يتحول إلى «مستشفى» في خدمة جرائم الكيان الصهيوني وظيفته معالجة مبتوري الأعضاء ومن فقدوا احدى حواسهم أوالنظر أو السمع.
هذا المستشفى العربي يعمل بكفاءة ومباشرة بعد كل عدوان صهيوني يجهز القوم مساعداتهم الطبية وكأن ما حل بالشعب الفلسطيني فيضان أو عاصفة وليس جريمة نكراء إرتكبت بصفاقة وإستهتار في وضح النهار فيما بقيت العواصم التي تطرح مبادرات التهدئة او ترسل المساعدات الطبية يرفرف بها العلم الإسرائيلي مرة بالسر ومرة بالعلن.
النظام الرسمي العربي في المسألة الإسرائيلية يذكرنا بالفيلم الأمريكي الشهير لدينزل واشنطن عن شخص وظيفته المباشرة والأساسية تنظيف الدماء وجمع الأشلاء ومخلفات سوائل القتلى في الجرائم الجنائية بعد التحقيق مباشرة.
هذا الرجل يدخل إلى دور المياه ويحمل سطلا ومنشفة ويتدفق حيوية وهو ينظف الجثة وما حولها تمهيدا لنقلها قبل حتى إكتشاف المجرم.
بطبيعة الحال هي وظيفة شريفة لا يقوم بها إلا البسطاء من الذين لا يجدون وظيفة أكثر احتراما.
تعمل الحكومات العربية بكل أسف بنفس هذه الوظيفة وكل المطلوب من العدو الإسرائيلي ممارسة القتل متى شاء وبالجملة فيما تهرع لجان الصليب الأحمر العربية لجمع الأشلاء الآدمية وتنظيف الممرات من الدماء التي أسالها العدو الموغل بدم العرب والمسلمين.
البعض من اثرياء العرب يمارس هذه الخدمة بكل فخر وإعتزاز وبدون خجل ويعتبرها خيارا «قوميا» يعفيه من الإلتزامات البشرية والإنسانية والكونية والدينية.
البعض يعتقد بأنه لن يسأل يوم القيامة في الموقف العظيم عن أسرار وخلفيات قيامه بهذه الوظيفة البائسة في الوقت الذي يمكن فيه طرح عشرات الخيارات في مواجهة العدو والتخفيف عن الشعب الفلسطيني.
اجزم بان الشهداء يسخرون من النظام العربي الرسمي وبان الجرحى يكادون لولا إستحالة الخيارات يرفضون العلاج العربي الذي يقوض كل إمكانات هذه الأمة ويهدر كرامتها ويوظفها فقط في خدمة أعداء الحياة والبشرية تحت بند القيام بالواجب وبالـ «ممكن».
تنظيف جرائم العدو ومعالجة ضحايا مهمة نبيلة لكنها لا تمتلك القدر الكافي من الشرف والأنفة وهي دليل مباشر على بؤس النظام العربي الرسمي وقلة حيلته وإخفاقه الشديد وعجزه عن الفعل والمبادرة ولجم العدوان أو على الأقل جعله مكلفا.
محاصرون من الجميع وفقراء وجوعى في كتائب القسام تمكنوا من صناعة صواريخ وتطوير طائرات عبر تهريب القطع الصغيرة في الأنفاق والأحشاء وقدموا لنا أنموذجا في إبداع الإنسان عندما يقرر المقاومة.
مجموعة من المقاتلين المؤمنين المطاردين على سواحل المتوسط قدموا ما اخفقت عن تقديمه كل جيوش العرب مجتمعة في ظل حصار وعدو شرس وسفاح وفي ظل إغلاق المعابر وموجات الرقص الخالعة التي مارسها الإعلام المصري البذيء ضد الشعب الفلسطيني.
لا كرامة بعد الآن لمئات الجنرالات العرب الذين يحملون عشرات الأوسمة ويقبضون مئات الملايين من الدولارات فيما يخفقون تماما في صناعة ماسورة واحدة يمكن ان تتحول لصاروخ.
ضفادع بشرية وطائرات بدون طيار وصواريخ لنحو 200 كيلومتر.. منجزات هي ما علمنا عنه حتى الأن بأيدي خبراء محاصرين يمنع العدو عنهم حتى الهواء… ما الذي يقوله ذلك لي كمواطن عربي عن الإمكانات الرسمية لدول مستقلة وجيوش جرارة في حكومات غير ديمقراطية بحجة مناجزة العدو؟
كيف سأشعر كمواطن عربي بان فكرة "العروبة" حقيقية إذا فشلت الجيوش العربية في صناعة ولو «مسدس مياه» بالجهد الذاتي؟ ماذا أقول لأولادي عن الأمة التي تستورد أسلحتها البائسة لقمع شعوبها فقط من الصين وفرنسا وأمريكا وتفشل في صناعة «بسطار» يلبسه العسكري العربي وهو يحرس الحدود التي زرعها العم سايكس برفقة صديقه بيكو؟
يقول القوم من منتقدي المقاومة بان حماس إفتعلت المعركة لخدمة الأخوان المسلمين…إذا كان الأخوان المسلمون قادرين على صناعة صواريخ وطائرات ومتفجرات هدفها تحرير هذه الأمة من ابشع إحتلال عرفته البشرية فطوبى لهم وأنا أحييهم وأصافحهم بقلبي قبل يدي.
يقول البعض بان الرئيس محمد مرسي ساعد المقاومة في مخزونها من السلاح .. "عفارم" عليه إذا فعل ذلك رغم أني أشك بكل الأحوال.
كمواطن عر بي كنت أفضل أن تتوسع خيارات النظام العربي الرسمي ليتجاوز حالة الطبيب المسعف الذي يرافق طائرة العدو وهي تقصف أفراد عائلته.
لا نطمح بحرب ولا بممانعة كاذبة ومضللة على الطريقة السورية ولا بجيوش جرارة تنطلق من الجزيرة العربية لتحرير الأقصى..كل ما نطمح به تنويع خيارات قليلا ..اللجوء نيابة عن الشعب الفلسطيني للمحكمة الجنائية الدولية مثلا.. محاصرة إسرائيل قليلا في المجتمع الدولي…وضع كميات من السلاح بيد الشعب الفلسطيني تساوي ربع السلاح الذي وضع عبثا في يد المجموعات المتشددة في سوريا والعراق ..تمويل ملاجىء في غزة وفتح معابر بقرارات سيادية تنسجم مع تراث مصر القومي أو إتخاذ مواقف سياسية- لا أكثر ولا أقل- جدية ولو لمرة واحدة أو وقف التطبيع أو تجميد الإتصالات بالوكالة مع العدو.
يوجد أفعال كثيرة «محترمة» أكثر يمكن اللجوء لها لوقف النزيف ومضايقة العدوان ..تلك أفعال أقل كلفة لأن غالبيتها سياسية وفي حال إتخاذها سيحتفظ العرب بمستشفياتهم المدنية وملايينهم البترولية لإن الحاجة لن تكون ملحة وقتها لنسخة عربية من «دينزل واشنطن».
(القدس العربي)