جماعة فتح الله كولن تستخدم في دعايتها ضد رئيس الوزراء التركي رجب طيب
أردوغان وتشويه سمعة حكومته عدة عناوين رئيسية، ومن أبرز تلك العناوين "الفساد"، ولعل اختيار هذا العنوان جاء لحساسية المجتمع تجاه قضايا الفساد إلا أنه لم يكن اختيارا موفَّقا، ليس لأن الحكومة مصونة من الفساد، ولكن المجتمع التركي يؤمن بنزاهة أردوغان نفسه، ومن الصعب أن يصدق ما يتم ترويجه من قبل الجماعة حول فساده وفساد عائلته، كما أنه يدرك جيدا أن الهدف الحقيقي من هذه المزاعم ليس مكافحة الفساد.
نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة وكذلك استطلاعات الرأي التي أجريت قبيل الانتخابات الرئاسية التي ستجرى جولتها الأولى في العاشر من الشهر القادم خير دليل على عدم التفات الشعب التركي إلى الدعاية السوداء المكثفة التي تقوم بها جماعة كولن لتصوير حكومة أردوغان على أنها حكومة فاسدة. وبينما يدور النقاش حول قضايا الفساد، هناك سؤال يطرح نفسه بإلحاح، وهو: "جماعة كولن نفسها، إلى أي مدى بعيدة عن الفساد؟".
جماعة كولن التي تزعم أنها تحارب حكومة أردوغان بسبب قضايا الفساد، لم تر بأسا في التحالف مع الفاسدين - سواء من رجال الأعمال أو من السياسيين- للتآمر على الحكومة. وفي الانتخابات المحلية الأخيرة، دعمت الجماعة في إسطنبول مرشح حزب الشعب الجمهوري "مصطفى صريغول"، وهو من أبرز السياسيين المتهمين بالفساد، وكان حزب الشعب الجمهوري الذي عاد إليه "صريغول" مجددا قد طرده من الحزب بسبب الفساد.
الجماعة تجمع من أعضائها تبرعات تسمى "هِمَّتْ"، وهذه التبرعات لا تخضع لأي مراقبة رسمية ولا يعرف حجمها بالضبط ولا لأي جهة تصرف، وإن كانت الجماعة حريصة على مكافحة الفساد يجب أولا أن تكون حساباتها المالية شفافة خاضعة للمراقبة الرسمية. وقد يقول قائل إن التبرعات تصرف في أنشطة التعليم إلا أن مدارس الجماعة ومراكزها التعليمية ليست مجانية، بل بمقابل رسوم مرتفعة، وهي تدار مثل بقية المؤسسات التجارية الأخرى وتربح ولا حاجة لها للتبرعات.
هناك رجال أعمال يتهمون جماعة كولن بابتزازهم للحصول على تبرعات للجماعة ومؤسساتها، ومن هؤلاء صاحب شركة "مترو" السياحية، "غالب أوزتورك"، الذي قال إنه تبرع للجماعة 30 مليون ليرة تركية (أكثر من 14 مليون دولار) خلال 20 عاما، ولما طلب منهم ذات مرة سند استلام مقابل تبرعه قوبل طلبه بالرفض. ويتهم "أوزتورك" الجماعة بأن رجالها عرضوا عليه تبرئته من المخالفات القانونية التي اتهم بارتكابها في مقابل إيداع أمواله في "بنك آسيا" الذي تمتلكه الجماعة.
جماعة كولن تروِّج الآن أن رجال الشرطة ومدراء الأمن الذين تم اعتقالهم في الأيام الأخيرة في قضية التنصت غير الشرعي والتزوير في الوثائق وتلفيق الأدلة، اعتقلوا بسبب دورهم في كشف "قضية الفساد الكبرى"، وتزعم أنهم وُضِعوا خلف القضبان لأنهم "لم يأكلوا مالا حراما"، ولكن الأرقام تقول عكس ذلك.
صحيفة "صباح" التركية نشرت تقريرا في عددها الصادر في 10 يناير / كانون الثاني 2014 حول استغلال المكافآت التي يتم توزيعها على منسوبي الأمن، وأشارت إلى أن الميزانية السنوية المخصصة للتوزيع على منسوبي الأمن كمكافآت 202 مليون ليرة تركية (حوالي 96 مليون دولار) وأن 75 بالمائة من هذه الميزانية يذهب سنويا إلى خزانة "منظمة الكيان الموازي"، كما ذكرت الصحف التركية قبل أيام أن أحد رجال الأمن المعتقلين حصل على المكافأة 731 مرة والثاني 697 مرة والثالث 594 مرة والرابع557 مرة، وهكذا حصل كل واحد من المنتمين للجماعة مئات المرات على تلك المكافأة، بينما يحصل عليها رجل أمن لا ينتمي إلى الجماعة حوالي 10 مرات خلال 20 سنة.
والجماعة متهمة أيضا بسرقة أسئلة اختبارات القبول لأجهزة الأمن لتسريبها إلى المتقدمين لهذه الاختبارات من أبناء الجماعة. أليست رواتب رجال الأمن هؤلاء الذين يتم تعيينهم في أجهزة الأمن بعد اجتيازهم الاختبارات عن طريق الغش وكذلك المكافآت التي يتم توزيعها على المنتمين للجماعة من رجال الأمن بشكل غير عادل، تُعَدُّ شعبة من شعب أكل المال الحرام؟
الجماعة يجب أن تدرك أن هناك جرائم أخرى بشعة غير أكل المال الحرام، وأننا حتى ولو افترضنا جدلاً أنها بعيدة كل البعد عن الفساد وأكل المال الحرام فإن ذلك لا يبرئها من الجرائم التي ارتكبتها "منظمة الكيان الموازي" التابعة لها. فهل يمكن - على سبيل المثال - تبرئة قاتلٍ من جريمة القتل لأنه لم يأكل المال الحرام؟!.