في مثل هذا اليوم من العام الماضي 20 أغسطس/آب، لم يكن يعلم سكان منطقة الغوطة بريف دمشق جنوبي سوريا، أنهم على موعد بعد ساعات مع الموت اختناقاً، وأن الآلاف منهم سيقعون ضحايا "مجزرة الكيماوي" التي اتهم النظام السوري بارتكابها، في حين أنه ما يزال مصراً حتى اليوم على إنكار ذلك ويتهم قوات المعارضة التي كانت تسيطر على أجزاء واسعة من تلك المنطقة بارتكابها، في ظل عدم صدور نتائج التحقيق الدولي الذي جرى العام الماضي ليحسم الأمر.
فكيف حصلت "المجزرة" بحسب رواية الطرفين المتهمين بها:
رواية المعارضة:
قال "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية"، أكبر مضلة سياسية للمعارضة، إن قوات تابعة لنظام بشار
الأسد قصفت من مقر اللواء (155) في منطقة القلمون بريف دمشق منطقة الغوطتين الغربية والشرقية القريبتين منه، بصواريخ محملة برؤوس كيماوية، وذلك بحسب معلومات قال إنه حصل عليها من مصادر عسكرية داخل جيش النظام، ورفض الكشف عن هويتها لـ"دواع أمنية".
ففي مؤتمر صحفي عقده في مدينة اسطنبول التركية، بتاريخ 23 أغسطس/آب من العام الماضي، أي بعد يومين من "المجزرة"، استعرض بدر جاموس، الأمين العام للائتلاف المعارض وقتها معلومات حصل عليها الأخير و"عمل على التأكد منها"، تشير إلى أنه "بتاريخ 10 أغسطس/آب 2013، دخلت قافلة صواريخ يرجح المصدر -الذي تم استقاء المعلومات منه- أنها نسخ سورية معدلة لصواريخ (صقر ــ 15) المصرية، وزلزال الإيرانية إلى مقر اللواء (155) في جبال القلمون، الذي هو مركز تخزين وإطلاق للصواريخ الباليستية، وذلك بحضور اللواء طاهر حامد خليل، مدير إدارة الصواريخ في جيش الأسد، وبسرية كبيرة جداً".
وأضاف جاموس أنه "في 19 من الشهر نفسه، بدأت عملية نقل هذه الصواريخ -وهي قادرة على حمل رؤوس كيميائية- إلى منصات الإطلاق لتذخيرها، ولم يؤكد المصدر طبيعة التذخير النهائي، ولكنه شهد وضع الصواريخ على تلك المنصات".
وتابع جاموس قائلاً "بتاريخ 20 أغسطس/آب من العام الماضي، ومنذ ساعات الفجر، وحتى المساء، كانت تدور معارك عنيفة جداً في مناطق عين ترما، وجوبر، وزملكا، بريف دمشق، بين قوات النظام، وكتائب الجيش الحر، وقبل ساعات من القصف وبالتحديد قبل منتصف الليل بخمس دقائق، وبعد خمس غارات جوية متتالية على هذه الأحياء، توقف القصف فجأة من قبل الطيران الحربي، واستمر الطيران المروحي بالتحليق، حتى تم القصف بالسلاح الكيماوي".
ومضى بالقول "كافة الصواريخ الكيماوية التي أطلقت، انطلقت من مصدر واحد وهو اللواء (155) في جبال القلمون، وبقية الصواريخ التي أطلقت على الغوطتين، غير المحملة برؤوس كيماوية، كان مصدرها قواعد أخرى قريبة، من بينها مقر اللواء (127) في منطقة السبينة بريف دمشق".
وأوضح جاموس أنه في يوم "المجزرة" فجر 21 أغسطس/آب 2013، "بدأت قوات اللواء (155) بإطلاق الصواريخ، ابتداء من الساعة 2:31 فجراً بالتوقيت المحلي لدمشق، بإشراف من العميد في الجيش النظامي، غسان عباس، واستهدفت تلك الصواريخ مناطق في الغوطة الشرقية واستمر إطلاق الصواريخ حتى الساعة 5:21 بالتوقيت المحلي لدمشق فجراً، بسقوط صاروخين، استهدفا مدينة المعضمية في الغوطة الغربية".
وعن بداية وصول الحالات إلى المستشفيات لفت إلى أنه "بدءاً من الساعة 6:00 صباحاً بالتوقيت المحلي، بدأت المستشفيات الميدانية في مدينة داريا بالغوطة الشرقية لدمشق تستقبل المصابين بأعراض الغاز السام، بعد أن قضى 60 شخصاً داخل منازلهم، كما استقبلت عدد من النقاط الطبية والإسعافية المصابين في الوقت نفسه تقريباً".
من جانب آخر أشار الأمين العام السابق إلى أنه "لم يتم التأكد من ماهية المواد الكيماوية التي تم استعمالها، رغم أن شهادات الأطباء تقول تؤكد بأن الضحايا والمصابين تعرضوا بشكل مباشر للإصابة بغاز السارين السام، ولكن عدد الإصابات والضحايا الكبير لا يجعلنا متأكدين بشكل تام من طبيعة المادة الكيماوية المستخدمة، أو التركيب المستعمل في استهداف مدنيين في ريف العاصمة، مما يستوجب قيام لجنة التحقيق الأممية حول استخدام الأسلحة الكيماوية بالتحقيق الفوري والسريع داخل تلك المناطق، لتبيان الحقائق كاملة".
وتزامن حصول "المجزرة" مع وصول لجنة التحقيق الأممية حول استخدام الأسلحة الكيماوية إلى دمشق للتحقيق بعدد من الاتهامات من قبل المعارضة لنظام الأسد بشن هجمات بالأسلحة الكيماوية في وقت سابق أبرزها بمنطقة خان العسل بريف حلب شمالي البلاد.
ودعا جاموس "اللجنة الدولية الموجودة على بعد 10 كم فقط من مكان المجزرة الكيماوية، للبدء بالتحقيق فورا"، وهو ما قامت به بعد ساعات قليلة بزيارة عدد من المناطق في منطقة الغوطة تحت حماية الجيش الحر ودون أن تعلن عن نتائج تحقيقاتها حتى اليوم بشكل رسمي.
وقدم الأمين العام للائتلاف إحصائية لعدد القتلى والجرحى الذين سقطوا في "المجزرة"، حيث بلغ عدد القتلى الكلي في الغوطتين الشرقية والغربية، حسب جاموس، ما يقرب من 1500 شخص، فيما وصل عدد المصابين إلى 5 آلاف مصاب.
رواية النظام:
من جهته نفى رئيس النظام السوري بشار الأسد، الاتهامات الموجهة لقواته بضرب الغوطتين الشرقية والغربية لدمشق بالأسلحة الكيماوية، متهماً قوات المعارضة بذلك وأن اتهامه بارتكاب "المجزرة" محاولة لجر التدخل العسكري الخارجي إلى بلاده.
ولفت الأسد في حديثه لصحيفة روسية، بعد 5 أيام على "المجزرة" إلى أن "المنطقة التي يتحدثون عنها الآن، بأنها تحت سيطرة المسلحين، وبأن الجيش النظامي استعمل فيها سلاحاً كيماويا، هي منطقة تماس وتداخل بين الطرفين".
وتساءل رئيس النظام "كيف يمكن لأي دولة أن تضرب مكاناً بسلاح كيماوي، أو بأي سلاح دمار شامل في منطقة تقع على تماس بين قواتها وقوات العدو، هذا يخالف العقل والمنطق".
ورأى أن الاتهامات الموجهة لنظامه بارتكاب المجزرة "مسيسة بالمطلق"، وتأتي على خلفية التقدم الذي حققه جيشه في مواجهة الإرهابيين".
لكن إنكار الأسد لم تثبته الوقائع على الأرض، فمثلاً بعد تهديد الولايات المتحدة بشن هجوم عسكري ضد النظام السوري على خلفية اتهامه بارتكاب الهجوم الكيماوي "الأكبر" على ريف دمشق أغسطس/آب من العام الماضي، وافق النظام على مقترح حليفته روسيا بتسليم ما بحوزته من أسلحة كيماوية إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لتدميرها، لتتراجع واشنطن عن الهجوم.
وبدأت عمليات نقل تلك الأسلحة، التي تقدر بنحو 1300 طن، بحسب ما أعلنته دمشق العام الماضي امتلاكها، عبر ميناء اللاذقية على البحر المتوسط مطلع العام الجاري، وتم تسليم الكمية المصرح بها على دفعات، ليعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الاثنين الماضي، عن الانتهاء من تدمير كامل كمية المخزون الذي أعلن النظام السوري امتلاكه من الأسلحة الكيماوية.
وبين رواية كل من المعارضة والنظام واستمرار تبادل الاتهامات بينهما بالمسؤولية عن ارتكاب "المجزرة"، وعدم إصدار لجنة التحقيق الدولية نتائج تحقيقاتها بشكل رسمي حتى هذا اليوم، واكتفاء الغرب بتجريد النظام السوري من مخزونه الذي أعلنه من الأسلحة الكيماوية، يبقى المدنيين الذين قتلوا وأصيبوا هم الضحية الأكبر.
في حين أن تقارير صادرة عن عدد من أجهزة الاستخبارات الإقليمية والدولية، أكدت عقب الهجوم الكيماوي على منطقة الغوطة أن النظام السوري هو من أطلق الصواريخ، وحددت تفاصيل وأماكن انطلاقها بدقة من مقرات عسكرية تابعة لقواته اعتماداً على صور للأقمار الصناعية ومعلومات استخباراتية، إلا أن أياً من تلك التقارير لم يُعتمد من قبل الأمم المتحدة أو مجلس الأمن لاتخاذ إجراء عقابي ضد مرتكب "المجزرة"، لتبقى الأخيرة بلا جاني.