استطاعت كنيسة "سانت ماتياس" الكاثوليكية المنتصبة في حي تقطنه أغلبية مسلمة ببانغي عاصمة افريقيا الوسطى، الإفلات من حوادث العنف المتواترة في المدينة بسبب النزاع الطائفي المحتدم في البلاد منذ فترة.
فبالرغم أنّ الكنيسة لم تعد تستقبل زوّارها، كما كان عليه الحال قبل اندلاع الأزمة، إلاّ أنّ شباب الحي من المسلمين تجنّدوا - تلقائيا- لحماية "بيت الله" من أي اعتداء محتمل أو محاولات للنهب والتخريب، وفقا لشهادات لمسلمين من الحي، قام مراسل الأناضول بتجميعها.
هو مشهد يختلف عن الصورة القاتمة التي تدور في الأذهان عن أفريقيا الوسطى منذ سنة من الآن، والتي تبدو فيها الطائفتان المسيحية والمسلمة تكنان عداوة متبادلة .
"عمر" و "يحي" وشبان الحي الآخرين يتناوبون على حماية كنيسة "سانت ماتياس" الفريدة من نوعها على الرغم من بساطتها.
الكنيسة شيدت منذ 50 عاما وهي مغطاة بسقف أخضر شاحب فيما تزين جدرانها البيضاء لوحة "العشاء الأخير" للمسيح.
جناحها الصغير المخصص للوحات وتماثيل لمريم العذراء يبدو كمن لم يمسه شيء من أتون الحرب التي احتدمت هنا، وحدها الأسلاك الشائكة تشي بهول ما ارتكب من مجازر على بعد بضع كيلومترات من المكان.
في فناء المبنى، تنتشر مقاعد كانت مخصصة لقداس الأحد، خالية إلا من نور سطع فيها تهب عليه رياح باردة، فيما ذبلت أوراق النباتات الثلاث التي كانت تزين الأرض ما تحت تمثال للمسيح، منذ هجر المصلون المكان.
"عمر محمد"، أحد شبان الحي يقول في إصرار إن "هذا المكان لا يجب أن يمس بسوء أبدا، نسهر على أمنه، هو بيت من بيوت الله، والإسلام يمنع تدمير الأماكن المقدسة".
ويضيف "محمد": "مسيحيو الكيلومتر 5 هم إخواننا، لم يهاجمونا أبدا، المسؤولون عن الانتهاكات هم أنتي بالاكا (ميليشيا مسيحية) الذين جاءوا من أحياء أخرى، هم من دمروا البيوت وارتكبوا المجازر في حقنا".
"باتريك"، أحد مسيحي الحي الذين لم يغادره أبدا يعقب على كلام محمد بالقول: "الطائفتان (المسلمة والمسيحية) متوحدتان في السعي نحو السلم وكذلك في الإيمان".
الرجل الذي يعيش في الكيلومتر 5 منذ 54 عاما يؤكد أنه لطالما اعتبر المسلمين إخوة له: "لا فرق بيننا، ولم يحدث أبدا أن أساء إلى مسلم أو ارتكب خطأ في حقي، بالعكس، هم يحموننا ويحمون كنيستنا".
"يحي" البالغ من العمر 24 عاما يعبر من جهته عن غضبه من "تدمير المساجد على يد أنتي بالاكا" ولكنه في الآن ذاته، يدرك أن الصراع "لن يؤثر في العلاقات الأخوية التي تجمع بين مسلمي ومسيحي الكيلومتر 5" .
من جانبه، أقر مطران
بانغي "ديودوني نزابالينغا" في حديث للأناضول بأن هذه الحماية كانت على جانب كبير من الأهمية قائلا "تعرض الدير للنهب منذ بضعة أشهر ولكن الكنيسة لم يتم التعرض لها بسوء بفضل الحراسة التي أمنها
المسلمون".
وأضاف المطران: "غادر المسيحيون المكان خشية التعرض لهجمات ولكنهم حاليا مستعدون للعودة، البعض منهم ممن لجأوا إلى موقع قرب مطار بانغي، عادوا ويرغبون في الذهاب إلى الكنيسة".
المطران أبى إلا أن يختم كلامه بنفحة أمل عندما قال إنه "مقتنع بأن الأمور ستتحسن بسرعة، سيكون بالإمكان تنظيم قداس الأحد في سانت ماتياس".
يأمل مسلمو ومسيحيو الكيلومتر 5 في أن ترن أجراس "سانت ماتياس" من جديد، جنبا إلى جنب مع مسجد "علي بابولو" الذي يصدح بالأذان مناديا للصلاة.