بعيدا عن ضغوط اللحظة الراهنة وموازين القوى المختل ظاهريا لصاح العدو ومكوناتها الصهيوني، فان التصدي للمشروع الصهيوني مصلحة اردنية استراتيجية، وهذا يتطلب توافق مجتمعي يشمل الرسميين وباقي مؤسسات الدولة دون استثناء، ويجب ان يصبح هذا الموقف من
المشروع الصهيوني ثقافة عامة لدى افراد المجتمع، وجزء اساسي من مناهج التعليم، ومظهر من مظاهر اصطفاف المجتمع في كل نواحي الحياة، حتى لا تضيع البوصلة، وينقل العدو مشاكله وازمته إلى داخلنا فنصطرع لمصلحته، وهي استراتيجيته المعتمدة حاليا في كل الاقليم بالتعاون مع حلفائه الاستراتيجيين، امريكا والغرب والدول التي تدور في فلكهم.
ولهذا فإن الخطيئة التي ارتكبت في المعاهدات مع هذا العدو الذي لا يضمر لنا الا السوء لا تعدلها خطيئة، ولا يكفرها الا الالغاء الفوري لها وقد توفرت كل المبررات لهذا الالغاء، فهذا العدو لم يتوقف لحظة واحدة عن اظهار سوء نيته وموقفه الحقيقي من الشعوب التي وقعت معه تلك الاتفاقيات التي لم نجن منها سوى الصاب والعلقم، ولسنا بحاجة إلى سرد مواقفه وافعاله التي تثبت انه لا عهد له ولا ذمة ولا ميثاق، ويكفينا ما قاله الله عنهم في كتابه (او كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم).
اذا قرر السياسيون ان لا يستمعوا إلى قول الله ورسوله في هذا العدو الاشد خصومة، فليقرأوا سيرته على مدار التاريخ الحاضر الذي عايشوا معظمه ليروا ان ركونهم اليه وعدم اتخاذ موقف حاسم منه يعتبر من الخطايا التي لا يمكن اغتفارها، هذا اذا لم نقل ان ذلك يمكن ان يصنف في خانة الخيانة لله ورسوله والمؤمنين والوطن ومصالحه الكبرى المعتبرة، واذا لم تكن موالاة هذا الخصم الاشد عداوة ومكرا لنا هي الخيانة فما معنى الخيانة اذن؟.
آن لنا ان نحدد موقفنا كشعوب من هذه المسألة وبشكل حاسم، وان نتخذ مواقفنا بكل صراحة ووضوح، فالذي يمثلنا بحق هو من يفهم مصالحنا الحقيقية ويسعى إلى تحقيقها والدفاع عنها بصدق، وتشهد له مواقفه العملية بذلك، وليس اقواله فقط.
يجب ان نحدد من هم اعداءنا ومن هم اصدقاءنا، وان نتخذ من المواقف ما يتناسب مع فهمنا لهذه الامور الخطيرة، فقد كانت معركة غزة الاخيرة عنوانا واضحا للاعداء والاصدقاء وكاشفة عنهم بما لا يدع مجالا للشك، ويجب ان ناخذ منها دلالاتها المهمة والخطيرة بهذا الشأن, فالصهاينة حين يشعرون بالخطر يرتكبون كل المحرمات، ولا يراعون قانونا ولا قيمة ولا عهدا، فهم بعد حصار غزة ومحاولاتهم المستميتة في افشال المصالحة ومحاربة كل وجوه المقاومة والممانعة في هذا الشعب يريدون منا ان نسلم لهم بكل شيء، لتبقى كلمتهم العليا، ونتحول إلى مجرد عبيد نخدم مصالحهم ونعمل في ملكيتهم التي لا يريدون ان يشاركوا فيها احدا.
محاولة قتل مشعل، وبناء جدار الفصل العنصري، واحتلال المسجد الابراهيمي، ومحاولة تهويد كل معالم
فلسطين الاسلامية بتغيير اسماءها إلى اسماء عبرية، وتهديد المسجد الاقصى الذي لم يتوقف لحظة، وتقسيمة زمانيا ومكانيا رغم توقيعهم معاهدة تنص على دور اردني في رعايته ثم شطب هذا الدور عمليا والمطالبة بتعديل وادي عربة فيما يتعلق بهذا الدور، والمستوطنات التي تبتلع الارض الفلسطينية كل ساعة، وتهويد القدس المحتلة واخراج سكانها منها، وموجات الاعتقال للشعب وممثليه وعدم الاعتراف بمؤسساته الشرعية، ثم الجرائم التي ارتكبت بحق غزة في ثلاثة حروب باستخدام القوة المفرطة ضد شعب اعزل وعلى المدنيين والاطفال والنساء، واغتيال القادة ليس فقط في حدود فلسطين وانما تعدت ذلك إلى المحيط العربي، كل هذا، يحدث، والمسؤولين العرب لا يحركون ساكنا ولا يقومون باي فعل يثبت انهم يمتون لهذه الامة بصلة أو إلى الرجولة بموقف الا في حالات نادرة وبثمن مدفوع.
ان مواقف الشعوب من الحكام والمسؤولين يجب ان تتحدد بناء على موقفهم من مصالح هذه الشعوب الواضحة والاستراتيجية، ولم يعد من المقبول السكوت عن التخاذل والمخادعة التي ترتكب بحق هذه الشعوب، فقد كفى ما كان.