كتب
جيفري كمب: في مؤتمر صحفي نظم في واشنطن يوم 28 آب/ أغسطس المنصرم، اعترف
أوباما بأنه «لم يضع
استراتيجية» لمواجهة التهديد الإرهابي العالمي الذي يشكله «
داعش» منذ تسرب مقاتلوه إلى سوريا. ولم تفوّت الصحافة العالمية فرصة التقاط هذه العبارة الخطيرة وسارعت إلى نشرها باعتبارها تشكل دليلاً على فشل الإدارة الأميركية الحالية في وضع سياسة متقنة لمعالجة أكثر التحديات إلحاحاً وتأثيراً على الأمن والسلم المدني في منطقة الشرق الأوسط والعالم.
وبدا واضحاً للمراقبين أن أوباما كان يتمنى لو أنه تمكن من انتقاء كلماته بحرص أكبر، إلا أن محللين يرون أن ما قاله يمثل التزاماً بفضيلة التحلّي بالصدق والأمانة في طرح الأمور. أما بالنسبة لمنتقديه وخصومه السياسيين، فلقد كان هذا الذي قاله بعظمة لسانه دليلاً مؤكداً يبرر أسوأ المخاوف التي كانوا يتوجسون منها عندما غلبهم الاعتقاد بأنه رئيس يفتقر لموهبة القيادة. ومن ناحية أخرى، يرى مؤيدوه أنه ما زالت هناك الكثير من الأسباب الداعية للتفاؤل فيما يتعلق باحتمال قيام الولايات المتحدة بعمل عسكري ضد قواعد ومواقع «داعش» ضمن الأراضي السورية، وذلك بالنظر إلى الضربات الجوية التي تم توجيهها بالفعل إلى التنظيم الإرهابي في العراق.
وقد مضى عام على الحديث المعلن على الملأ الذي كشف فيه أوباما عن استعداد القوات الأميركية لتوجيه ضربة ضد بشار الأسد ودعم الانتفاضة المناهضة لنظامه. وعندما تأكد المجتمع الدولي والولايات المتحدة بشكل خاص من وجود أدلّة محسوسة على أن قوات الأسد استخدمت الأسلحة الكيمياوية ضد المعارضة، شعر أوباما بأنه وقع تحت الضغط من أجل التسريع بإعطاء أوامر البدء بالضربات الجوية، إلا أن ما حدث بعد ذلك هو شيء مختلف تماماً، فقد وافق بدلاً من ذلك على الاقتراح الروسي لاستغلال المناسبة لإزالة الترسانة الكيمياوية من سوريا وتدميرها. وكان يُنظر إلى هذا التحول في حينه على أنه قرار حصيف رغم صعوبة التحقق من أن كل الأسلحة الكيمياوية التي يمتلكها النظام قد تم الكشف عنها بالفعل.
واليوم أصبح التهديد الذي يمثله «داعش» أكثر وضوحاً بعد سلسلة الهجمات السريعة التي شنّها مقاتلوه في شمال العراق وفشل الجيش العراقي في التصدي لها. وفي بداية شهر آب/ أغسطس المنصرم حصل أوباما على تفويض من الكونجرس باستخدام القوات العسكرية للهجوم على «داعش» في العراق، وهي الضربات الجوية التي يبدو أنها كانت ناجحة وذات تأثير فعال في وقف هجوم التنظيم الإرهابي.
ومن أجل إضعاف تنظيم «داعش» بشكل جدّي، يكون من المهم ضرب التنظيم في قواعده التي أسسها في سوريا خلال السنتين الماضيتين. وسوف يبدو هذا العمل وكأنه تدخل مباشر في سوريا قد ينظر إليه البعض باعتباره يهدف إلى دعم نظام الأسد والانصياع لإرادة داعميه الأساسيين، وخاصة روسيا وإيران و«حزب الله» اللبناني والسكان الشيعة في العراق. ويمكن أن يمثل ذلك نقطة انعطاف في السياسة الأميركية قد توحي لبعض المتشككين بأن نظام الأسد وأصدقاءه الشيعة يمثلون تهديداً لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة أقل خطورة من الذي يشكله الإسلاميون السنّة الراديكاليون. وهذه الحقيقة تشكل معضلة مستعصية بالنسبة للولايات المتحدة، كما أنها من النوع الذي لا يمتلك أوباما ولا مناصروه في واشنطن أي جواب واضح وجاهز حولها.
ولعل الاعتقاد الذي يبدو وكأنه الأكثر بروزاً في عقل أوباما، هو ذلك الذي يشير إلى أن الغالبية العظمى من الشعب الأميركي لا تريد أن ترى الولايات المتحدة وهي متورطة في صراع جديد في الشرق الأوسط ما لم يكن هناك ما يؤكد بكل وضوح وجود خطر مباشر وقائم بالفعل يهدد المواطنين الأميركيين. ويضاف إلى ذلك وجود إحساس من الخوف والقلق في واشنطن من الحقيقة القائمة التي تشير إلى أن التهديدات ذات الطبيعة الخطيرة والجدّية لا يكون هناك من يمكنه التصدي لها عندما تتفاقم إلا إذا كانت له قدرة فعّالة على القيام بعمل عسكري واسع النطاق. ويمكن لمثل هذا العمل أن يحقق انتصارات ظرفية، إلا أن المتورط فيه سرعان ما يجد نفسه غارقاً في صراعات هامشية يمكنها أن تكلفه الكثير من الرجال فضلا عن التكاليف المادية التي ترهق خزينته.
وفيما هرعت الدول الغربية لمساندة الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، وعمدت فرنسا إلى محاربة الإرهابيين في أفريقيا، فإن العبء الذي يتعين على الولايات المتحدة تحمّله هذه المرة يبدو ثقيلا. وعلى أن هذا العامل الأخير يبدو وكأنه يزداد أهمية يوماً بعد آخر مع تعقّد الحسابات السياسية والاقتصادية التي يتطلبها.
وسوف تتواصل حملة النقد والتشهير بأوباما بسبب «الضعف اللافت» الذي ظهر به في معالجة الأمور الحساسة المتعلقة بالسياسة الخارجية. ولن يقتصر نقّاده على معارضيه الجمهوريين فحسب، بل إن الأمر سيصل إلى وريثته المحتملة هيلاري كلينتون التي تريد أن تظهر بأنها امرأة صلبة العود وغير متسامحة عندما يتعلق الأمر بقضايا الأمن الوطني والمصالح الخارجية العليا للولايات المتحدة.
وهناك حقيقة أخرى يجب أخذها بعين الاعتبار، تفيد بأنه لا يمكن لقائد أميركي على الإطلاق أن يسير بعكس رغبات وإرادة الغالبية العظمى من مواطنيه.
وربما تلعب أزمات كبرى وأحداث غير منتظرة، كوقوع هجوم إرهابي لمقاتلين يرتبطون بتنظيم «داعش» داخل الولايات المتحدة، أو تطور الأزمة الأوكرانية بما تحمله من بوادر الحرب الباردة الجديدة.. إلى تغيير وتحديث الأسبقيات في سياسات الولايات المتحدة. إلا أن هذا لا يمكن أن يحدث ما لم يواصل الاقتصاد الأميركي نموه وفق الوتيرة الراهنة على أقل تقدير، ودون أن يشعر الأميركيون بتفاؤل أكبر حول اقتصادهم الذي لا يتوقف عن التعرّض للهزّات الخطيرة.
(الاتحاد الاماراتية)