ترفض العديد من المشافي الخاصة بدمشق استقبال الحالات الإسعافية قبل "دفع مبلغ مالي مقدما"، وهو ما لا يملكه العديد من أهالي المنطقة بسبب
الظروف الاقتصادية التي تشهدها البلاد، حيث يضطر البعض إلى نقل أبنائهم إلى مشافي حكومية مجانية وقد يسعفهم الوقت. أما أصحاب الحظ السيئ فقد يموت أبناؤهم "لأنهم
فقراء".
وقال طبيب مختص لـ"عربي21"، إن "جميع دول العالم تجبر المشافي الخاصة على استقبال الحالات
الاسعافية وإلا تعاقب بالقانون".
"نزف حتى الموت لأنه فقير"، عبارة ربما يخجل والدا الشاب ابن الستة عشر عاما "ف.ح" أن يقولاها للأقارب والجيران في قلب مدينة دمشق، لأن أحد المشافي الخاصة رفض استقباله دون أن "يدفع سلفة"، على الرغم من أن الإصابة كانت في قدمه جراء سقوط قذيفة هاون على حي الشعلان بمدينة دمشق.
يقول دكتور مقيم في دمشق فضل عدم ذكر اسمه في حديث خاص لـ"عربي21"، إن المشافي الخاصة رفضت استقبال هذا الشاب على الرغم من صدور قرار حكومي منذ شهرين يلزمها باستقبال الحالات الإسعافية، مشيرا إلى أن القانون العالمي يجبر على إسعاف أي حالة طارئة، والأطباء يقسمون على ذلك.
وقالت صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" تحمل اسم "يوميات قذيفة هاون"، إن "أرواح الناس ليست لعبة"، مشيرة إلى أن "(ف. ح) شاب بعمر 16 سنة استشهد نتيجة سقوط قذيفة هاون على حي الشعلان، والمشفيان الخاصان التوفيق والطلياني رفضا استقبال الشاب عندما كان جريحاً، وخلال نقله إلى مشفى المواساة الحكومي كان الشاب قد استشهد".
وطالبت الصفحة وزارة الصحة والمسؤولين بمتابعة القضية، متسائلة: "هل يعقل أن المال لديكم أهم من أرواح البشر؟ أين القسم الذي قدمتوه عندما تخرجتم من كلية الطب؟ وهذه ليست الحالة الأولى من نوعها، فسابقا أيضا مشفى الفرنسي قام بنفس الحادثة".
ورد معلقون على المنشور الذي وضعته الصفحة، بأن "المشفى الفرنسي تأتيه العديد من الحالات الإسعافية ويعالجها جميعا مجانا".
ويتابع الطبيب، بأن جميع بلدان العالم كفرنسا مثلا "تعاقب بالقانون أي مواطن لا يساعد جريحا"، مبينا أن "المشفى الخاص بدمشق الذي يتحجج بعدم القدرة على العلاج من حيث الأدوات والخبرة، يجب أن يحرم من إجراء العمليات لأنه كيف يستيطيع إجراءها ولا يستطيع إسعاف الجرحى؟".
وحول المبالغ المادية التي تطلبها هذه المشافي من المصاب، بين الدكتور أن "السلفة الأولية غالبا ما تكون من 5 إلى 10 آلاف ليرة سورية وتختلف بين مشفى وآخر، لكن في حال كان المصاب فقيرا، فإنه يجب إسعافه ووضع حسابه على الدولة، لأنه ليس كل شخص يمشي بالشارع يحمل معه 5 آلاف ليرة، والمواطنون الذين يسعفونه ليس بالضرورة أن يكون معهم هذا المبلغ المالي، خصوصا في هذه الأوضاع"، موضحا أن "الأطباء يتذرعون بسياسة المستشفى".
وتكلم الدكتور عن عمله في فرنسا سابقا، فقال: "لم يكن هناك حرب، لكن جميع مناطق فرنسا كانت مقسمة بحيث كل مصاب في المدينة يجب أن يصل خلال خمس دقائق لمركز إسعاف في المستشفى، فكل مشفى يعرف منطقة نفوذه ولو كان أغلى مشفى بفرنسا يعالج المصاب، ومن ثم يتم الحديث عن التكاليف".
ويضيف أنه "لا يتم مناقشة الأمور المالية في الحالات الإسعافية حتى في أمريكا الرأسمالية المصاب أولا، فالأطباء ملزمون بهذا الشيء بالقسم وبالقانون، أما الحالات المزمنة كمرض القلب وغيرها فلا يستقبلونها إلا لمن تتوافر معه نقود".
يشار إلى استشهاد العديد من أبناء مدينة دمشق المدنيين، خاصة في "جرمانا والعباسيين" وغيرها من المناطق، نتيجة سقوط قذائف هاون على المدينة، حيث يتهم النظام السوري المعارضة التي تسيطر على ريف دمشق بإطلاقها.