كتب ديفيد اغناتيوس: هرعت أميركا على نحو طائش لشن حرب في العراق عام 2003. ولكن هذه المرة لا يستطيع أحد على أقل تقدير توجيه مثل هذا الانتقاد لها.
وتسير الإدارة الأميركية على خطى حذرة لتنفيذ ما تعهد به الرئيس
أوباما بـ«إضعاف وتدمير (
داعش)». ويبدو بالفعل أن لديه
استراتيجية يتبناها حظيت بالقبول من جانب حلفائه بالخارج، ولكن لا تزال كثير من عناصر تلك الاستراتيجية غير جاهزة حتى الآن.
وقرار أوباما بشأن العراق وسوريا يشبه سياسية الحذر التي وصفها إبراهام لنكولن بـ«سياسة تتسم بالبطء»، في إشارة إلى الجنرال جورج ماكليلان. لا يزال يساور أوباما القلق بشأن التكاليف المحتملة في حال التعامل مع الأمر على نحو خاطئ؛ إنه بحاجة لمزيد من التركيز لمواجهة ذلك الأمر بشكل صحيح، بما في ذلك بناء دعم سياسي في الداخل.
ووصفت ليزا موناكو، مستشارة البيت الأبيض في شؤون الإرهاب، «داعش» بـ«خليط»؛ فهو عبارة عن منظمة إرهابية، وفي الوقت ذاته جيش مسلح. ورغم أن «العنف العشوائي» الذي يمارسه «داعش» يشكل تهديدا على منطقة الشرق الأوسط والأميركيين في المنطقة، قالت موناكو إنه «لا يوجد معلومات موثوقة» حول تخطيط «داعش» لشن هجمات على أميركا حتى الآن.
وبالتالي كيف تعتزم الإدارة إضعاف هذا العدو؟ تعد الاستراتيجية الأساسية معقولة، وهي تكمن في: العمل مع الشركاء والحلفاء، وجعلهم يخوضون في أعمال القتال على الأرض. لا للمزيد من ترك أصدقائنا يرتدون معطفنا، بينما نضطلع نحن بالأعمال القذرة. ففي هذه المرة، سوف تُقدم القوة الجوية والعسكرية الأميركية إلى الدول التي تبين أنهم يخوضون المعركة بأنفسهم.
وإنها استراتيجية معقولة، ولكنها صعبة التنفيذ. تكمن المرحلة الأولى لهذه الاستراتيجية في موافقة العراق على تشكيل حكومة جديدة شاملة. ولكن أميركا تريد منهم الموافقة على برنامج أساسي - يقوم على اللامركزية، وإصلاح الجيش، وتقاسم العائدات النفطية، والتراجع عن بعض قواعد اجتثاث حزب البعث القاسية - قبل توزيع الحقائب الوزارية. فهذا من شأنه أن يضع الحصان قبل العربة بشكل سليم.
دعونا نفترض أن العراقيين قاموا بتشكيل حكومة متماسكة. الاستراتيجية الأميركية تفترض أن الجيش العراقي - الذي انهار بنحو كارثي في الموصل سوف يعاد بناؤه جنبا إلى جنب مع القوات الإقليمية، مع اعتزام وحدات يسيطر عليها السنة (تنتمي إلى المقاتلين القبليين) محاربة «داعش» في الشمال والغرب، وانضمام قوات البيشمركة وألوية شيعية إليهم - وجرى التنسيق بينهم جميعا، على نحو غير محكم، تحت إشراف وزارة الدفاع العراقية الجديدة.
وفي غضون ذلك، فتحت أميركا قناة خلفية هادئة لإيران لـ«الفصل» بين الاشتباكات المحتملة، نظرا لأن كلتا الدولتين تستخدمان القوة الجوية من أجل مهاجمة أهداف «داعش». هذه تمثل سياسة معقولة، وقد تمثل بداية لمناقشات أوسع نطاقا.
وتجمع المرحلة الثانية من استراتيجية الإدارة الأميركية الحلفاء في المنطقة لتشجيع المسلمين السنة في العراق وسوريا على محاربة «داعش». وحتى الآن يعد الحلفاء الثلاثة الرئيسيون هم: السعودية والأردن والإمارات.
ويكمن الجزء الأصعب من الاستراتيجية في سوريا؛ حيث يدعي البعض في الإدارة الأميركية أن الولايات المتحدة تقصف المراكز اللوجيستية والتدريبية في سوريا التي تعد ملاذات آمنة لـ«داعش». قد تعد تلك الهجمات قادمة، ولكن يريد المسؤولون الأميركيون التأكد من أنه بمجرد بدء القصف الأميركي داخل سوريا، سيكون المقاتلون المعتدلون من الجيش الحر السوري على أهبة الاستعداد لملء الفراغ.
وقد دربت وكالة الاستخبارات الأميركية سرا بالفعل، أكثر من أربعة آلاف من المقاتلين التابعين للجيش السوري الحر، ويمكنها زيادة هذا العدد بشكل سريع. كما تعتزم أميركا أيضا التدريب العلني لعشرة آلاف أو أكثر من السوريين، في إطار قوة مستقرة يمكن أن تسيطر على المناطق التي اضطر متطرفو داعش إلى التخلي عنها.
هل ستعمل هذه الاستراتيجية؟ لقد شدّت من أزري التعليقات التي أدلى بها الشيخ أحمد الجربا، الرئيس السابق للمعارضة السورية، والآن هو رئيس غرفة العمليات المناهضة لـ«داعش». وفي مقابلة أجريت معه، كان يتفق الجربا مع الإدارة الأميركية في أن الغارات الجوية في سوريا «لن تكون فعالة إلا مع دعم المقاتلين على الأرض». وأوضح أن لديه أربعة آلاف من نشطاء الجيش السوري الحر في شمال سوريا يعملون بالتعاون مع عدد مماثل تقريبا من المقاتلين من أبناء العشائر السورية، مشيرا إلى أنه قام بتنسيق العمليات مع زعيم الأكراد مسعود بارزاني. وقال الجربا، مخاطبا الفريق الذي يعلن عن عمليات الذبح الوحشية: «معظم السوريين يعتقدون أن داعش أحمق»، وأضاف: «نحن السوريون لا نقبل بوجود هذا السرطان في جسمنا».
استراتيجية أوباما الناشئة ببطء ضد «داعش» سوف تنجح بقدر نجاح الجربا والآلاف من السوريين والعراقيين الجديرين بالاحترام في مواصلة العمل على تنفيذ هذا التعهد حتى النهاية.
(الشرق الأوسط)