لم يعد سلوك الطفلة الغزيّة آمنة زغبوط (6 أعوام)، كما كان قبل أكثر من شهرين، فقد بات لسان الطفلة التي يلقّبها والداها بكثيرة الكلام "ثقيلاً"، بعد أن مرّت بحادثة خلال حرب الـ51 يوماً، مكثت إثرها لساعاتٍ طويلة داخل مستشفى الشفاء بمدينة
غزة.
وكان لأصوات الانفجارات العنيفة الناجمة عن قصف الطائرات الإسرائيلية منزلاً ملاصقاً لمنزل الطفلة زغبوط، في حي الشاطئ، غرب مدينة غزة، أثر في تغيير سلوكها الجسدي، إذ أدت تلك الانفجارات إلى إصابة جسد "آمنة" بـ"التشنج" بشكل كامل نتيجة الخوف.
ولم يكن تأثير الخوف على سلوك الطفلة "آمنة" الجسديّ آنياً فقط، إنما تأثرت على المدى البعيد، فقد باتت حروفها الأبجدية "ملعثمة"، وكما أن صوت إعادة الكلمات والحروف بـ"تأتأة" بدا واضحاً عليها أثناء الحديث.
وتقول الطفلة "آمنة": "خلال حرب الـ51 يوماً، قصفت الطائرات الإسرائيلية منزل جيران لنا، فسمعت بعد ذلك صراخ والدتي، فشعرت بخوف كبير".
وأضافت: "بعد ذلك، نقلتني والدتي إلى مستشفى الشفاء، لأني لم أكن قادرة على التحرك، فقد صرخت وبكيت كثيراً بسبب أصوات الانفجار المخيفة".
وتعقيباً على حالة الطفلة "آمنة"، قالت المعلّمة سعدية عيّاش (50 عاماً)، في مدرسة "القاهرة" الابتدائية بغزة: "تزامن قصف منزل ملاصق لمنزل الطفلة خلال
الحرب التي شنتها إسرائيل على القطاع، مع نشر فيديو لأطفال عائلة (بكر) على شاطئ بحر غزة، والذي قتل الجيش الإسرائيلي (4) منهم، في ذلك الوقت".
وتابعت: "بالطبع هذا الخوف، وربطها للأحداث أثّر على نفسيتها، وبعد تلك الحادثة أصبحت (آمنة) تقول بأن الطائرات الإسرائيلية تقتل الأطفال".
وأوضحت أن تأثر الطفلة "آمنة" نفسياً بالحرب وخوفها من أصوات الانفجارات ومشاهد الدم، أدى إلى تغيير سلوكها الجسدي، مشيرةً إلى أنها لاحظت إصابة الطفلة بـ"التأتأة" نتيجة الخوف.
وتابعت عيّاش: "الخوف قد يصل إلى مرحلة قد ينسي فيها أطفال قطاع غزة أبجدية التعليم، ويؤدي إلى تدني تحصيلهم العلمي، وانخفاض مستوى تفاعلهم داخل الصف مع المعلمات، وحتّى مع أصدقائهم التلاميذ".
وأشارت عيّاش إلى أن تأثير الحرب نفسياً على
أطفال غزة لم يقتصر على الطفلة "آمنة"، إنما تأثر أغلب أطفال قطاع غزة "سلبياً" من الحرب التي عاشوها لأكثر من (50) يوماً، إذ أصبحوا يعانون بشكل أو بآخر من آثار الحرب السلبية.
كما لاحظت عيّاش على الأطفال الذين تعلّمهم داخل المدرسة أنهم باتوا أكثر عزلة وانطوائية، كما أن بعضهم أصبح يسبب الكثير من "الضوضاء" بسبب حركته الزائدة عن الحد.
ويعاني الطفل رواد فرحات (6 سنوات) من انطوائية في التعامل مع الآخرين، بحيث يفضّل اللعب وحيداً دون بقية الأطفال داخل المدرسة كما أن تركيزه بات "مشتتاً"، حسب مدرّسته.
ولا يزال "فرحات" يذكر تفاصيل منزله الذي دمرتّه الطائرات الإسرائيلية الحربية، معرباً عن حزنه إزاء فقدانه لمكتبه الخاص وغرفة نومه.
وأما الطفلة راوية رضوان (7 أعوام)، فقد أصبحت حروف الأبجدية العربية وجداول الضرب الرياضية، من آخر القضايا التي تفضّل أن تتحدث بها، مبديةً رفضها القاطع في كلّ مرة حول الحديث بشئونها الدراسية.
وتقول والدتها رانية رضوان: "خوف طفلتي من الحرب أثر على سلوكها الدراسي، قبل بدء المدارس حاولت أن أراجع لها بعض الدروس، لكنها في كل مرة ترفض التعامل مع الكلام الذي أقوله، وتظهر لي أن لا علم لديها بحروف العربية أو حتّى الأرقام الحسابية، التي تعلمتها في العام السابق".
ومن جانب آخر، قال درداح الشاعر، أستاذ
علم النفس والاجتماع في جامعة الأقصى بغزة، للأناضول، إن الأطفال من أكثر الفئات تضرراً من حرب الـ51 يوماً.
وتابع: "الأطفال الذين عايشوا الحرب سواء بسماع أصوات الانفجارات حولهم، أو بمشاهدة صور لضحايا الحرب، أو حتّى الذين تضرروا من أحداث الحرب سواء بقصف منازلهم أو أصيبوا بجراح، هم يتأثرون سلبياً، إذ تظهر تلك السلبية على سلوكهم النفسي والجسدي المستقبلي".
وذكر الشاعر أن الخوف قد يتسبب في وقت لاحق بتغير سلوك الطفل، مضيفاً: "سلوك الطفل يتغير بشكل عامـ فتظهر عليه الحركات غير المنظمة، كما أنه يصبح مشتت التركيز".
ولفت الشاعر إلى أن شخصية الطفل تتأثر بشكل سلبي من الأحداث التي يمرّ بها في الحرب، إذ أنها تختزن كافة الأحداث والمشاهد المؤلمة لفترات مستقبلية بعيدة تؤثر على حياته العلمية والعملية.