تسير الحكومة بالجزائر بخطى ثابتة باتجاه
تنظيم القطاع السمعي والبصري، وتقنين نشاط القنوات التلفزيونية الخاصة، بينما تسود
مخاوف جمة وسط إعلاميي هذا القطاع، من أن يكون الهدف من هذه الخطوات هو تكريس مزيد من "سلطة الرقيب" الحكومي على عمل التلفزيونات الخاصة، باتجاه التضييق أكثر على حرية التعبير والصحافة.
فقد سُلّم وزير الاتصال
الجزائري، حميد قرين، الأحد، "سلطة ضبط القطاع السمعي البصري"، بمقر وزارة الاتصال، في غياب ممثلي القنوات الخاصة المعنيين أصلا بهذه السلطة.
وتهدف سلطة ضبط القطاع السمعي البصري، حسب القانون المنظم لها إلى "حماية وضمان حرية ممارسة المهنة". كما "تفصل في النزاعات المطروحة وتقنن قطاع الإعلان".
وتم تعيين البرلماني والرئيس السابق للمجموعة النيابية لحزب" التجمع الوطني الديمقراطي"، ميلود شرفي، على رأس سلطة ضبط السمعي البصري، وسط انتقادات حادة من قبل العائلة الإعلامية وأحزاب المعارضة كذلك.
ومن جهته، قال المدير العام للتلفزيون العمومي، توفيق خلادي، في تصريح لـ"عربي 21" على هامش التنصيب، الأحد: "نثمن تنصيب اللجنة، والقطاع كان بحاجة إليها".
وأكد الإعلامي، ناصر مهلاوي، لـ"عربي 21"، الأحد، اعتراض العديد من الإعلاميين والسياسيين على شخص ميلود شرفي، من قبيل أنه "لا يعقل أن تسند سلطة يقول الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إنها ستكون مستقلة تماما، لمسؤول له صفة قيادي في حزب موالي للسلطة بالجزائر".
وطرحت مسألة "استقلالية السلطة بإلحاح وسط مدراء القنوات التلفزيونية".
وقال المدير العام لقناة "كاي بي سي"، علي جري، لـ"عربي 21"، الأحد: "لا أعتقد أن تكون سلطة ضبط القطاع السمعي البصري ذات فعالية في تنظيم المشهد الإعلامي في البلاد".
وأضاف أن الأمر يتعلق بمخاوف من أن تتبدد استقلالية هذه الهيئة، مبديا استغرابه من تنصيب رئيس اللجنة من قبل وزير الاتصال الذي يمثل الحكومة.
وقال جري إن سلطة الضبط ينبغي عليها أن تكون محايدة في تعاملها مع القنوات رسمية كانت أو خاصة، وأن تتيح للجميع الوصول إلى المعلومة دون احتكار.
وتأخرت الحكومة في الجزائر بمنح الضوء الأخضر للقطاع الخاص بتأسيس قنوات خاصة لعقود من الزمن.
وتأسست أولى القنوات التلفزيوينة الخاصة في شهر نيسان/ أبريل من العام 2012، عقب خطاب للرئيس بوتفليقة، أعلن فيه عن حزمة إصلاحات سياسية من بينها، تغيير قانون الإعلام بما يسمح بتأسيس تلفزيونات خاصة.
والقنوات التلفزيونية الخاصة، تؤرق السلطة، بالجزائر، بعد تجربة 20 سنة من عمل صحف خاصة، لا تتوانى السلطة بتجريمها، على أنها تجاوزت الخطوط الحمراء، وبالتالي تخشى عدم تحكمها في عمل التلفزيونات الخاصة أو المستقلة.
وتشتغل حاليا ثمانية قنوات تلفزيونية مستقلة، أبرزها "النهار تي في" و "الشروق تي في" و "كاي بي سي" و"الهقار" و"الجزائرية" و"دزاير تي في".
لكن هذه القنوات، عبارة عن مكاتب بالجزائر لقنوات بالخارج، بحكم أنها تتبع القانون الأجنبي، طالما أنه ليس هناك قانون بالجزائر ينظم القنوات التلفزيونية، قبل إنشاء "سلطة ضبط القطاع السمعي البصري".
وأفاد وزير الاتصال الجزائري، حميد قرين، خلال تنصيبه رئيس سلطة ضبط قطاع السمعي البصري، الأحد، إن "سلطة ضبط السمعي البصري ستكون مستقلة"، بينما أفاد رئيسها، ميلود شرفي ردا على سؤال "عربي21" حول مدى إشراك مدراء القنوات التلفزيونية في عمل الهيئة، بالقول: "ستتم استشارة الزملاء بالمهنة في كل صغيرة وكبيرة تخص قطاع الإعلام السمعي البصري بالجزائر".
وتم تعيين رئيس سلطة ضبط قطاع السمعي البصري، الأحد، دون باقي الأعضاء وعددهم تسعة، خمسة منهم يعينهم رئيس الجمهورية، والأربعة الباقين يعينهم البرلمان، ولهذا السبب تتعاظم المخاوف من عدم استقلالها عن السلطة.
وقال المدير العام لقناة "الشروق تي في"، علي فوضيل، باتصال هاتفي مع "عربي21" إن "الحكم على سلطة الضبط حاليا غير ممكن ما لم نعرف هوية باقي أعضاء اللجنة".
وأضاف: "ضروري معرفة المسؤولين الذين يتحكمون بالقرار الذي يهمنا، ما أخشاه أن يكون هناك تمييز بين القنوات الحكومية والقنوات المستقلة".
وأضاف فوضيل: "يتعين على السلطة أن تفصل في السند القانوني لقنواتنا، حيث أننا ننشط بموجب القانون الأجنبي".
من جهتها، طعنت ستة أحزاب تنتمي إلى المعارضة في مصداقية تنصيب شرفي على رأس سلطة الضبط.
وقالت في بيان مشترك الأحد إن "تعيين ميلود شرفي على رأس سلطة ضبط القطاع السمعي البصري، يتنافى وكل معايير الاستقلالية والنزاهة والحياد التي من واجب هيئة ضبط السمعي البصري أن تحتكم إليها في قيادتها ونشاطاتها".
وجاء في البيان أن "النظام بعد فرضه لسيطرته الكاملة على الإعلام العمومي، لا يخفى من خلال هذا التعيين إرادته الراسخة في إخضاع المشهد الإعلامي الوطني برمته إلى قبضته الشمولية".
بدوره، قال القيادي في "حركة مجتمع السلم" المعارضة، فاروق تيفور، لـ"عربي21"، الأحد، إن "تعيين السيد ميلود شرفي عضو المكتب الوطني للتجمع الوطني الديمقراطي والناطق الرسمي له على رأس سلطة ضبط السمعي البصري ،يكشف عن إرادة السلطة في تكريس الغلق الإعلامي بعد أن استبشرنا خيرا بقانون السمعي البصري الذي مايزال إلى اليوم معوق لأن مراسيمه التنفيذية لم تصدر بعد".
وتابع: "نحن نرفض الدوس على القانون بهذه الطريقة، ومستمرون في النضال من أجل التعددية الإعلامية على مستوى الصحافة المكتوبة وقطاع السمعي البصري، على اعتبار أن مثل هكذا تجاوزات للقانون يفتح المجال واسعا على تجاوزات قانونية أخرى في المستقبل، كما أنه يرهن القنوات الفضائية في يد من يملك الحق القانوني لتسليم الرخصة، فضلا على تعسف من يملك الإشهار".