كشف الكاتب غلين غرينوالد، في مقاله المنشور في موقع "ذي إنترسيبت" الأمريكي الخميس الماضي، أن وسائل الإعلام الأمريكية اتخذت لنفسها موقعا إلى جانب المتظاهرين في ميدان التحرير إبان ثورة 25 فبراير في
مصر، مصورة حالة الغليان كما لو أنها كانت معركة بين الباطل والحق، بين نظام الحكم الشرير والاستبدادي لحسني مبارك، وبين حشود المصريين المستضعفين من عامة الشعب الذين يتوقون إلى حرية وديمقراطية على النمط الأمريكي من جهة أخرى.
ويوضح الكاتب أن ما كان غائباً تماماً تقريباً عن هذه المسرحية أن نظام مبارك الذي جثم على صدور الناس لثلاثة عقود بالنار والحديد – وشهد جرائم قتل وتعذيب واعتقال إلى آجال غير محدودة لكل من يعترض أو يخالف – إنما تمكن من الهيمنة والاستمرار بمختلف الوسائل بفضل الدعم الأمريكي.
ويبرز أن قنابل الغاز المسيل للدماع التي كانت تطلق على المتظاهرين من قبل شرطة مبارك كانت تحمل عبارة "صنع في
الولايات المتحدة الأمريكية".
ويشير إلى برقية دبلوماسية تعود إلى العام 2009 نشرها موقع ويكيليكس تظهر أن "جهود
الديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر يجري إعاقتها"، ولكنها وصفت الفوائد التي تجنيها الولايات المتحدة الأمريكية من دعمها للنظام على النحو التالي: "تستمر مصر في حالة سلام مع إسرائيل، وتحظى القوات المسلحة الأمريكية بأولوية العبور عبر قناة السويس ومن خلال الأجواء المصرية".
ويلفت إلى برقية أخرى تعود لعام 2009، عبر عن ذلك بشكل أكثر فجاجة، إذ ورد فيها: "يبدو أن المصريين أكثر استعداداً لمواجهة وكلاء إيران والتعاون بشكل وثيق مع إسرائيل".
ويقول إن هيلاري كلينتون أعلنت في السنة نفسها ما يلي: "أنا في الحقيقة أعتبر الرئيس مبارك وحرمه السيدة مبارك أصدقاء لعائلتي".
ويضيف أنه في برقية أخرى نشرها موقع ويكيليكس، أرسلت قبيل اللقاء الأول بين أوباما ومبارك في عام 2009، جرى التأكيد على أن "الإدارة ترغب في استعادة الدفء الذي تميزت به تقليدياً الشراكة بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية"، وأن "المصريين يرغبون في أن تثبت الزيارة أن مصر ما تزال الحليف العربي لأمريكا الذي لا يستغنى عنه".
ويشير الكاتب إلى أن إحصائيات السلطات المصرية ذاتها تفيد بأنها اعتقلت 22 ألف شخص منذ الانقلاب المدعوم عسكرياً ضد الرئيس المنتخب ديمقراطياً محمد مرسي في يوليو 2013. وقد شملت موجة الاعتقالات الموسعة أناساً كثيرين كانوا يعبرون بشكل سلمي عن معارضتهم للإطاحة بالرئيس مرسي وعن معارضتهم لحكومة السيسي. ولا يستبعد أن يكون عدد المعتقلين الفعلي أكبر من ذلك بكثير.
ويؤكد أن أيا من ذلك لم يحل دون استمرار الدعم الأمريكي لقادة الانقلاب؛ فبعد شهور من الانقلاب زار وزير الخارجية جون كيري القاهرة وكال المديح للنظام العسكري، وهو تصرف قالت عنه النيويورك تايمز بأنه "يعكس عزم إدارة أوباما على العمل مع القيادة العسكرية التي استخدمت البطش في قمع المحتجين من جماعة الإخوان المسلمين".
ويضيف أنه في تموز (يوليو) من هذا العام، أفرجت الولايات المتحدة الأمريكية عن 550 مليون دولار حولتها إلى النظام في مصر. وفي آب (أغسطس) بدا كيري مادحاً للنظام نفسه، فيما عبرت عنه النيويورك تايمز بقولها إنه "منح رافعة غير متوقعة للقادة العسكريين في مصر، بقوله إنهم قد استعادوا الديمقراطية حينما أطاحوا بالرئيس محمد مرسي"، بأول رئيس انتخبه المصريون بحرية.
وفي منتصف أكتوبر، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية "أن الولايات المتحدة الأمريكية ستسلم مصر عشر طائرات أباتشي من طراز AH-64"، وفقا للكاتب.
ويوضح أن تلك النزعة هي الخلفية لاجتماع السيسي الأسبوع الماضي مع بيل وهيلاري كلينتون في نيويورك، كما إنه اجتمع مع زعماء قطاع التجارة والأعمال في الولايات المتحدة الأمريكية ومع غرفة التجارة وكذلك أيضاً مع وزيري الخارجية السابقين هنري كيسنغر ومادلين أولبرايت. وبعد ذلك اجتمع السيسي بأوباما نفسه، حيث "وصف الرئيس الأمريكي العلاقة القديمة بين الولايات المتحدة الأمريكية ومصر بحجر الزاوية للسياسة الأمنية الأمريكية في الشرق الأوسط".