يذهب أكثر من محلل إلى أن إقدام إسبانيا على تكريم المدير العام للمخابرات
المغربية، عبد اللطِيف الحمُّوشِي، بوسام "الصلِيب الشرفِي للاستحقاق الأمنِي بتميز أحمر"، يبعث بعدد من الرسائل لأكثر من جهة خاصة لقصر الإليزي بباريس، لكون هذه الخطوة جاءت بعد أشهر قليلة من استدعاء الحموشي من طرف القضاء الفرنسي للتحقيق معه على خلفيات اتهامات تقول بتورطه في ملف تعذيب.
وحسب أزيد من متابع لعلاقات المغرب مع محيطه الإقليمي فإن التحركات الإسبانية في اتجاه تعزيز علاقاتها المتعددة مع المغرب في الآونة الأخيرة أضحت بادية للعيان، ولم يخفي ذات الخبراء السعي الإسباني لأخذ مكانة
فرنسا في العلاقة مع المغرب أو على الأقل الرفع من مستوى التنافس معها.
ففي الوقت الذي تعرف فيه العلاقات المغربية الفرنسية نوعا من التوتر منذ واقعة محاولة اعتقال المدير العام لمراقبة التراب الوطني بداية السنة الجارية أثناء تواجده في فرنسا، وما أعقب ذلك من استدعاء المغرب للسفير الفرنسي في الرباط وإبلاغه احتجاجه، ثم قيام المغرب بتعليق كافة الاتفاقيات مع فرنسا في المجال القضائي، (منذ تلك التطورات) لا تتأخر إسبانيا في ملء أي فراغ في تلك العلاقة، وهو ما تفسره وفقا لأكثر من متتبع، التغير الحاصل على مستوى الموقف الإسباني من قضية الصحراء وأيضاً التنامي الحاصل في المبادلات التجارية مؤخرا، فضلا عن خطوة تكريم كتابة الدولة الإسبانيَّة المكلفة بالأمن، الحموشي وعدد من رجال المخابرات المغربية.
في هذا الإطار يقول رحال بوبريك، الأستاذ بجامعة محمد الخامس بالرباط، ومدير مركز الدراسات الصحراوية، في تصريح لـ "عربي21" أن حادث التوشيح لا ينفصل عن إطار تطور العلاقات المغربية الإسبانية، ولا عن الموقف من القضية الوطنية، فضلا عن التقدم الحاصل في التنسيق بين الرباط ومدريد فيما يخص قضايا الإرهاب والهجرة غير الشرعية ومكافحة المخدرات، وهو مستوى من التعاون لا يمكن إلا أن يشكل مصدر قلق بالنسبة للسلطات الفرنسية، كما أن التكريم حسب بوبريك يعني اعترافا إسبانيا بالمستوى الجيد للتعاون والتنسيق الأمني بين المغرب وإسبانيا.
رحال بوبريك، يستدرك في تصريحه للموقع بالقول، "على الرغم من مستوى التنسيق الإسباني المغربي في مواضيع عدة منها موضوع الإرهاب والمخدرات القادمة من غرب إفريقيا كبوابة رئيسية لأمريكا اللاتينية، فإن ذلك لا ينبغي أن ينسينا كون فرنسا لها علاقات استراتيجية مع المغرب فهي بالإضافة لاستعمارها لشمال المغرب سابقا، تتوفر على أكبر جالية مغربية في الخارج كما أنها مدافع مهم عن المصالح المغربية خاصة قضية الصحراء بفعل موقعها في مجلس الأمن".
ضمن هذا السياق، وبعد أيام من اتهام وزير خارجية المغرب فرنسا بكونها تحن للمنطق الاستعماري القائم على الوصاية، جاء رد الرئيس الفرنسي فرونسوا هولاند مغايرا، حيث وصف المغرب بالحليف الاستراتيجي وأن المغرب في حاجة لفرنسا كما أن هذه الأخيرة في حاجة له. وذلك بداية هذا الأسبوع خلال افتتاح معرض "المغرب المعاصر" في معهد العالم العربي بباريس. كما أضاف هولاند "أريد الحفاظ على علاقات الثقة والتغلب على أي صعوبات يمكن أن تبرز أحيانا لأننا نحتاج إلى بعضنا البعض".
وحول تليين إسبانيا لموقفها من قضية الصحراء المغربية، يؤكد أستاذ التاريخ والأنثروبولوجيا بوبريك، أن إسبانيا في قرارة نفسها مقتنعة بواقعية ومعقولية ومنطقية المبادرة المغربية لتمييع أقاليمه الجنوبية بالحكم الذاتي، غير أن وجود مجتمع مدني قوي لديها موال للانفصاليين يجعلها تحاول أخذ مسافة معينة لكن موقفها تجاه قضية الصحراء يطبعه التعقل على الدوام.
يذكر في هذا الصدد أن المبادلات التجارية بين المغرب وإسبانيا تجاوزت 70 مليار درهم، وقد سبق لوزير الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة المغربي، عبد القادر اعمارة، أن قال إن الشركاء الإسبان، الذين يعانون من أزمة غير مسبوقة، يبحثون عن فرص للاستثمار خارج إسبانيا? موضحا أن المغرب بات يشكل الوجهة المفضلة للمستثمرين الإسبان بالنظر إلى التطور الملموس الذي يعرفه الاقتصاد الوطني.
وكان اعمارة قد أبرز بمدينة الدار البيضاء عقب ملتقى اقتصادي بين المغرب وإسبانيا، أن المملكة المغربية تستورد ما قيمته 39 مليار درهم? وأن البلدين مدعوان للعمل على تنمية علاقات التعاون المشترك بينهما.