ترى الكاتبة مونيكا ماركوس في مقال نشرته صحيفة "الغارديان" أن نتائج الانتخابات
التونسية ليست مجرد تعبير عن انتصار
العلمانيين على الإسلاميين، فالمعركة بين حزب "
نداء تونس" الفائز بالانتخابات وحزب "
النهضة" الإسلامي، أكثر تعقيدا من ثنائية علماني- إسلامي.
وتقول الكاتبة إن فوز "نداء تونس" كان عنوانا مغريا لمعظم الصحف والأخبار، التي سارعت وكتبت "حزب علماني يفوز في الانتخابات التونسية"، أكثر من حقيقة إكمال تونس دورتها الانتخابية الثانية منذ عام 2011 بسلام.
وتؤكد الكاتبة أنه في منطقة تشهد حربا أهلية وصعودا للتطرف، ففوز العلمانيين يقدم دليلا على أن تونس تتحرك للأمام كنقضة مضيئة وحيدة في منطقة مظلمة.
وتجد ماركوس أن البعض قد يندفع متعجلا، ويحتفل بوفاة الإسلام السياسي، ويناقش أن التونسيين حققوا عبر صناديق الاقتراع ما حققه المصريون من خلال انقلاب عسكري شعبي، ورفضوا الإخوان المسلمين وبنات عمها من الجماعات القريبة منها مرة وللأبد.
وتدعو الكاتبة إلى الالتزام بالحذر "علينا أن نتورع عن توصيف فوز "نداء تونس" على أنه جزء من الإنجازات الديمقراطية، أو التعامل مع انتخابات يوم الأحد باعتبارها استفتاء شعبيا ضد كل تنوعات الإسلام السياسي".
وتعتقد الكاتبة أن قادة الغرب لا يعرفون إلا القليل عن حزب "نداء تونس" رغم علاقة النسب العلمانية التي يشعرون بها معه. والسبب راجع، كما يبدو، لأنهم في السنوات الثلاث الماضية خاصة يحملون مرآة النقد ويركزونها على الإسلاميين، وليس على العلمانيين.
وتذهب ماركوس إلى أن الرؤية المضادة لهذه البديهية هي أن التركيبة الداخلية لحزب "نداء تونس" تظل أكثر سلطوية من حزب النهضة، الذي يقدم آلية صناعة قرار ممثلة من القاعدة حتى رأس القيادة الوطنية.
وتشير الكاتبة إلى أن حزب "نداء تونس" أسسه الباجي قايد السبسي (87 عاما) في منتصف عام 2012، وهو سياسي مخضرم من فترة الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي. ويصف أعضاء المكتب التنفيذي حزبهم بأنه مجموعة من التوجهات السياسية، جبهة انتخابية مكونة بشكل رئيسي من اليساريين والرموز المرتبطة بحزب بن علي "التجمع الدستوري الديمقراطي" المنحل. والأحزاب المشاركة في "نداء تونس" التقت كلها على المعارضة لحزب النهضة الإسلامي المتهم من قبل "نداء تونس" وقادته بأنه حزب قمعي غير منظم ويرفض التنازلات.
وتبين ماركوس أن خشية اليساريين من سيطرة أعضاء التجمع الدستوري السابق على الحزب منعت عقد الانتخابات الداخلية لانتخاب مجلسه. ولجأ الحزب عوضا عن ذلك لاتخاذ قرارات رئيسية، بما فيها ترشيح السبسي للرئاسة، واختيار قائمتها البرلمانية بطريقة "من فوق لأسفل"، ما أدى لسلسلة من الاستقالات هذا الصيف. وعبرت شخصيات من داخل الحزب عن قلقها من الدور الذي يلعبه نجل السبسي، حافظ. ويحذرون من إمكانية انهيار "نداء تونس"، في حال سقط السبسي في الانتخابات الرئاسية المقررة في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر أو سقط ميتا.
ومظاهر قلق كهذه تثير المخاوف حول بقاء الحزب وديمومته، وإن كان الحزب قادر على تجاوز مشاكله الداخلية- غياب الديمقراطية، ويستطيع بناء وتعزيز البنى الديمقراطية الجديدة لتونس، وفق الصحيفة.
وتلفت الكاتبة إلى خشية نقاد حزب "نداء تونس" من قيام الأخير بإحياء نموذج السياسة الأبوبة – حكم الرجل الواحد، ويضم إليها ممارسات بن علي الأمنية، حيث يقوم من خلالها بنبذ الإسلاميين ومعارضي التجمع الدستوري وإخراجهم من الحياة السياسية تحت شعار مكافحة الإرهاب.
وتجد ماركوس أن منظورا كهذا يثير قلق ناشطي حزب النهضة، فقد عانى حوالي 30.000 منهم اعتقالات سياسية وانتهاكات، بما فيها التعذيب في بداية التسعينيات من القرن الماضي.
وتوضح الكاتبة أنه في ظل حكومة التكنوقراط، التي يترأسها لطفي جمعة، تم إغلاق وبطريقة عشوائية 155 منظمة غير حكومية، واشتكى ناشطون، معظمهم من ذوي التوجهات السلفية، من الاعتقال، حيث برر هذا بذريعة الإرهاب، التي يقوم الإعلام التونسي بتأكيدها وبشكل مستمر.
وتقول الكاتبة إن عددا من عناصر النهضة احتجوا على موقف قيادتهم من مشاركة أعضاء حزب التجمع الدستوري السابق، حيث كان الأصل استبعادهم بمن فيهم السبسي، وعليه وفي حالة فوز الأخير بالرئاسة، كما يتوقع البعض، فسيعبد فوزه الطريق أمام حملة قمع ليس ضد السلفيين ولكن الإسلاميين بشكل عام.
وترجح ماركوس أن يكون فوز "نداء تونس" يوم الأحد نتيجة لأن بعض التونسيين وجدوا في خطاب الحزب هذا وقيادته بديلا جذابا عن الحكومة، التي قادتها حركة النهضة. فالوعود المكسورة، والتي ترافقت مع اقتصاد مثقل بالمشاكل والعنف المتطرف، أدى إلى حالة من النوستالجيا للعهد السابق. فالحياة اليومية، مثل جمع القمامة وانتشار البطالة بشكل واسع، أدت بالبعض للقول إن الحياة كانت أفضل في عهد بن علي، وعليه يمكن لحزب "نداء تونس"، الذي تنحدر قياداته من منطقة الشمال التونسي، التي جاءت منها تقليديا النخبة السياسية، يمكن أن يقدم بديلا أفضل عن حزب النهضة.
وتضيف ماركوس رغم أنه لا "النهضة" ولا "نداء تونس" قدما سياسات واضحة تتعلق بالقضايا الملحة التي تحتاج تونس لمواجهتها مثل النمو الاقتصادي، إصلاح قطاع الأمن والقضاء، فقد استفاد حزب "نداء تونس" من فشل النهضة بالدعوة لإحياء النموذج "البورقيبي" القائم على إدارة التكنوقراط المتنورة. وهذا النموذج معروف هنا في تونس، البلد تعود على أن يأتي قادته من العائلات المعروفة في الساحل- وهي نخبة تختلف بشكل كبير عن قيادة النهضة وحليفها "المؤتمر من أجل الجمهورية"، حيث جاءت قياداته من المناطق المهمشة في وسط وجنوب تونس.
وتكشف الكاتبة أن انتخابات تونس الأخيرة، التي شهدت تراجعا في الإقبال على صناديق الاقتراع مقارنة مع 2011، بينت وجود عدة ديناميات: زيادة في إحباط وسخرية الناخب التونسي من النخبة السياسية وقدرتها على حل المشاكل المحلية، وأمل في أن يمثل "نداء تونس" بديلا جيدا عن ثلاث سنوات من الحكم المخيب للآمال. وعودة الحنين للنظام السابق، وهي ظاهرة تشهدها الدول التي تخوض عملية تحول من نظام استبدادي.
وتعتقد ماركوس أن قلة إقبال الشباب على الانتخابات تشير إلى موقفهم من العملية السياسية في تونس، التي يرون أنها معركة بين ديناصورات عاجزة من عصر بائد. ويظهر هذا الموقف أن الأحزاب السياسية لا تزال تكافح من أجل تقديم رؤية سياسية حية جاذبة وقادرة على تجاوز الانقسام الجيلي.
وتختم ماركوس مقالها بالإشارة إلى أنه مهما يكن الحال، فسواء كان "نداء تونس" قادرا على تشكيل تحالف يمثل الجميع، أو ينزع نحو نموذج الاستبداد من العقود القادمة، هذا أمر سنراه. وفي الوقت الحالي يجب على المراقبين الثناء على تونس التي عقدت انتخابات ناجحة أخرى، وعليهم مقاومة النزعة التبسيطية لرؤية عملية التحول الديمقراطي من خلال منظور: علمانيين "ديمقراطيين" متنورين وإسلاميين رجعيين، فالواقع أعقد من هذه النظرة.