الانقلاب ليس أمرا مصريا خالصا وتراجعه يستلزم موافقة شركائه
الانقلابيون يعلمون أن الإخوان هم أقدر الفصائل للمنافسة على السلطة
عزل محمد مرسي عن الحكم لا يختلف عن عزل محمد نجيب
لن تتوقف المظاهرات السلمية حتى تحقق أهدافها وتسترد ثورة يناير
يجب على فصائل المعارضة أن تتكاتف صفاً واحداً فالمظالم طالت الجميع
رفض المبادرات يؤكد أن العسكر لا يريدون أي شركاء لهم في الحكم
الانقلاب يجيد تفريق صفوف المعارضة ويزرع الجواسيس والفتنة بينهم
الدولة في ظل الحكم الانقلابي منهارة سياسياً وبدأت تنهار اقتصاديا وأمنيا
أثار خروجه من المعتقل جدلاً، واشتعل هذا الجدل أكثر بطرحه مبادرة سياسية لإنهاء الأزمة في
مصر، فهاجمه البعض، ورفض كثيرون مبادرته من مختلف الأطراف، فاستعصم بالصمت.
البرلماني السابق
محمد العمدة، تحدث - في حوار خاص مع "عربي 21" - عن تقييمه لواقع الدولة المصرية، ومصير مبادرته التصالحية، وأسباب فشل الحلول السياسية، وتصوره لنتائج الانتخابات المقبلة.
وفيما يلي نص الحوار:
* ما تقييمك لواقع الدولة المصرية اليوم؟
- لا توجد حالياً دولة في مصر، لأن الدولة من منظور العلوم السياسية والقانونية؛ تَجَمُّع سياسي يؤسس كياناً ذا اختصاص سيادي في نطاق إقليمي محدد ويمارس السلطة عبر منظومة من المؤسسات الدائمة، ومن أهم أركان الدولة الخمسة أنها تعبر عن الشرعية، بمعنى أن قراراتها ملزمة للأفراد على فرضية أنها تعبر عن المصالح الأكثر أهمية للمجتمع.
وكما يتضح؛ لا يتوفر الآن شيء من مفهوم الدولة في مصر، فالذي يحكم ليس تجمعاً سياسياً وإنما هي المؤسسة العسكرية التي لم تعبر عن الشرعية منذ 30 يونيو 2013 وحتى الآن.
ولا يمكن القول بأن هدم المؤسسات التي انتخبها الشعب يمثل مصلحة عامة، وأن هدم الدستور الذي تم وضعه بمعرفة أشخاص منتخبين واستبداله بدستور وضعه أصحاب المصالح يمثل مصلحة عامة.
ولا يمكن القول أيضاً بأن إصدار قانون لمعاقبة من يخرج للتظاهر بالقتل أو السجن يمثل مصلحة عامة للمجتمع، وقل مثل ذلك في القوانين التي صدرت لكي تخضع الجامعات والنقابات والمواطنين للسلطة العسكرية.
خلاصة القول؛ نحن أمام دولة منهارة سياسياً، وعلى إثر ذلك بدأ الانهيار الاقتصادي والأمني.
* هناك من يصف الأزمة الحالية بأنها صراع على السلطة.. فهل هي كذلك؟
- نعم؛ الأزمة الحالية صراع على السلطة، فلا اختلاف بين عزل الرئيس محمد نجيب، والرئيس محمد مرسي، وأزمة الشعوب العربية جميعها أنها عاجزة عن التخلص من أنظمة الحكم المستبدة والوصول إلى ديمقراطية حقيقية يحدث فيها تداول سلمي للسلطة، فمن أمسكوا بالسلطة ليسوا على استعداد للتخلي عنها، ويسعون دائماً إلى توريثها للأقارب والأحباب.
* هناك من يقول إن المعارضة في مصر تعيش حالة "تخبط"، ما رأيك؟
- يرجع هذا التخبط إلى أن مؤسسات الدولة العميقة لها خبرة طويلة في الحكم الاستبدادي، فهم - على سبيل المثال - يجيدون تفريق صفوف المعارضين لهم بوسائل لا تحصى ولا تعد، فيزرعون الجواسيس بين صفوف خصومهم، ويبذرون بذور الفتن والشقاق.
وقد أحسن الانقلابيون استخدام "فزاعة" الإخوان التي تدور رحاها منذ الخمسينيات على آذان الناس، ولا أقول إن الإخوان بلا أخطاء، ولكن أقول إن التقييم الصحيح للأخطاء ينتهي إلى أنها لا ترقى إلى أن تصبح سبباً للانفصال بين الإخوان وباقي شباب الثورة بعد العمل المشترك بينهما في ملحمة 25 يناير المجيدة.
لذلك؛ يجب الآن على جميع فصائل المعارضة أن تتكاتف صفاً واحداً، لأن مظالم الانقلاب كما يتضح لم تعد قاصرة علي الإخوان أو حتى التيار الإسلامي، ولكنها طالت الجميع، فلم تستثن أياً من الحركات الشبابية مثل حركة 6 إبريل أو كفاية أو شباب الأحزاب الذين خرجوا في 30 يونيو، كما لم تستثن الجامعات بأساتذتها وطلابها، ولا النقابات وعمال الشركات وتلاميذ المدارس، ولم تستثن المواطنين الفقراء، فقامت برفع الأسعار لتزيد من معاناتهم، في الوقت الذي تزيد فيه العطاء لغيرهم من أبناء المؤسسات العميقة.
* ما تفسيرك لاستمرار مظاهرات المعارضة حتى الآن رغم كل أشكال القمع لها؟
- قلت سابقاً إن الدولة كيان توافقي، شعب يعيش على إقليم، وتحكمه سلطة منتخبة، تحوز رضا الشعب، وتعمل على تحقيق مصالحه، ورعايته، وتوفير الحياة الكريمة له، فإذا لم تتحقق هذه المعاني، كأن نصبح أمام سلطة مستبدة لا يعنيها سوى الاستئثار بالسلطة وحرمان الشعب من حقوقه وحرياته، ووأد أي محاولة لتحقيق الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة؛ فإننا في هذه الحالة لا نكون أمام دولة بمفهومها الصحيح.
وهذا هو السبب الرئيس للتظاهرات التي لم تتوقف منذ الانقلاب، فالذي لم يحسبه المنقلبون أن الشعوب جميعها قد بلغت سن الرشد، وأن الشعب المصري الذي ثار بعد ما يقرب من نصف قرن من الاستعباد والفساد، لن يقبل بحال من الأحوال أن يستبدل مبارك بالسيسي الذي هو أشد قهرا وظلما للشعب، ولن يقبل كل أو بعض هذه القيود التي فرضها ويستمر في فرضها السيسي وأعوانه.
ولذلك؛ لا أعتقد أن تتوقف المظاهرات السلمية حتى تحقق أهدافها، وتسترد ثورة يناير التي يزعم المنقلبون أنها مؤامرة؛ لجهلهم أن الشعب لم يعد هو الشعب الذي اعتادوا الاستخفاف به.
ومما لم يحسبه المنقلبون أيضاً أن وسائل الإعلام لم تعد حكراً عليهم حتى يطلقوا الأكاذيب التي تضلل البسطاء دون أن يجد هؤلاء البسطاء من يكشف لهم الدعايات الكاذبة.
ومما لا شك فيه؛ أن المظاهرات السلمية لها انعكاساتها الواسعة على الاقتصاد والأمن وحسن سير الدولة على وجه العموم، فالدول لا تسير بقوة السلاح وقهر الناس، ولكنها تسير برضا الشعب الذي لا سبيل إليه إلا بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، وطالما ظل سعي الانقلابيين لسلب هذه الحقوق من الشعب؛ ستظل هذه الدائرة المفرغة التي ندور فيها ولا نعلم إلي أين ستأخذنا.
فشل "المبادرات"
* ما هو مصير المبادرة التي أطلقتها؟ وما الجهات والشخصيات التي تواصلت معها بشأن هذه المبادرة؟ وما هي مواقفهم تجاهها؟
- بالنسبة لتحالف دعم الشرعية ومؤيديه؛ تعرضت المبادرة للرفض بشكل كبير من المقيمين بالخارج، أما داخل مصر فقد استحسنها عدد قليل، بينما التزم كثيرون الصمت، والبعض أعلن عن رفضها.
أما حكومة الانقلاب؛ فقد رفضت المبادرة، حيث أرسلتُ طلباً مع أحد الأفاضل لمكتب وزير العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية الحالي من أجل مناقشة بنود المبادرة، إلا أنني فوجئت بصدور بيان عن الوزير بعدها بيومين، وبيان آخر عن مدير مكتبه؛ مفادهما أنه لا تصالح قبل انعقاد البرلمان القادم، وصدور قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، أي لا تصالح قبل اكتمال خريطة الطريق وإقصاء التيار الإسلامي بأكمله وسائر المعارضة الحقيقية، وتشكيل برلمان على هوى الانقلاب، ولعل هذا الرفض يؤكد أن المسألة صراع على السلطة، وأن المجلس العسكري لا يريد أي شريك له في الحكم.
* لماذا تعرضت مبادرتك لهجوم شرس من بعض رافضي سلطة "الانقلاب"؟
- أعتقد أنهم لم يفهموا بنودها كما قصدتها، فأنا لم أقل "الاعتراف بالسيسي ونظامه خلال المدة المتبقية من فترة رئاسته"، وإنما قلت "اعتبار هذه الفترة مرحلة انتقالية"، بمعنى أن يعود الوضع لما كان عليه بعد 25 يناير مباشرة حين كان المجلس العسكري بأكمله يتفاوض مع الأحزاب والحركات الشبابية لتحديد خريطة طريق يتفق عليها الجميع، مع الاعتراف بجماعة الإخوان المسلمين وحزبها "الحرية والعدالة" وسائر الأحزاب ذات التوجه الإسلامي.
وتضمنت المبادرة أيضاً وقف سير كافة القضايا الجنائية التي تم تحريكها من 30 يونيو وحتى الآن، وإلغاء قانون التظاهر وتعديل قانون الانتخابات البرلمانية على نحو يكفل نزاهتها، مع تشكيل لجنة لتعديل الدستور الأخير لتحقيق قدر من التوافق حوله، واستغلال هذه الفترة في تحقيق مصالحة حقيقية بين فئات الشعب المختلفة وبين الأحزاب.
أضف إلى ذلك؛ تحقيق تفاهم بين المجلس العسكري والإخوان المسلمين وسائر التيار الإسلامي بدلاً من هذا الصراع الذي لم يتوقف منذ الخمسينات، حيث يسعى المجلس العسكري إلي تكبيل الإخوان المسلمين ومن معهم بكافة الطرق؛ لأنه يعلم أنهم الفصيل الأكبر والأكثر تنظيماً، والقادر على المنافسة على السلطة، وهي الحقيقة التي يعلمها الجميع بما فيهم المنقلبون ومن أيّدهم.
* هل أنت نادم على إطلاق المبادرة؟
- الندم يكون على الذنوب والأخطاء المتعمدة، أما من يجتهد في أمر من الأمور لتحقيق خير من وجهة نظره، فلا أعتقد أن رفض الناس لاجتهاده يصيبه بالندم طالما أنه قصد الخير.
إن الذي دفعني إلى تقديم المبادرة العديد من الأمور، منها حجم الخسائر والأضرار في الأرواح، ومعاناة المعتقلين في القضايا الملفقة، وسوء معاملتهم داخل السجون، فما يحدث هو ما يسمى في القانون "القتل البطيء باستخدام وسائل معنوية"، فأردت بالمبادرة إيجاد حل يمكن من خلاله إنقاذ هؤلاء الضحايا الذين اكتظت بهم السجون.
ومن جهة أخرى؛ فإن الانقلاب ليس أمراً مصرياً داخلياً فحسب، وإنما تؤيده دول إقليمية كالسعودية والإمارات بشكل علني، كما تؤيده أمريكا وأوروبا بدليل أن أيا منهما لم تتخذ أي إجراء حيال الجرائم ضد الإنسانية التي تحدث في مصر، بل إن السيسي يلتقي بأوباما وغيره من المسؤولين الأوربيين بشكل طبيعي، وهذا يعني أن قرار التراجع عن الانقلاب ليس مصرياً محضاً، بل يلزم فيه موافقة الشركاء.
ومن ثم سوف يستمر الانقلابيون في غيهم، وسوف يستمر رافضو الانقلاب في رفضهم، وهذا يعني أن الصراع قد يمتد طويلاً، وقد ينتهي إلى نتائج لم يتوقعها أي من أطراف الخصومة، وهذا دعاني إلى محاولة إيجاد طريق وسط، يفتح المجال أمام الانقلابيين للتراجع بعدما اتضح الفشل والتعسر في الاستمرار.
* لماذا فشلت المبادرات السياسية؟ وهل أصبحنا أمام نفق مسدود؟
- فشلت المبادرات السياسية لأن الأزمة في حقيقتها هي صراع على السلطة، كما قلت آنفاً، فالمجلس العسكري هو الحاكم الحقيقي للبلاد والمتحكم في كل شؤونها منذ عام 1952، وليس لديه استعداد لقبول الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، كما أن كثيراً من المؤسسات التي حققت مكاسب ضخمة في العهود السابقة؛ ليس لديها استعداد لنجاح الثورة وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية، كما أن بعض رجال الأعمال حققوا مكاسب طائلة في عهد مبارك، والآن يستغلون هذه الأموال في وأد ثورة يناير وإعادة عجلة الزمن إلي الوراء ليتمرغوا فيما كانوا فيه متمرغين، وها نحن نشاهد الدور الذي تقوم به فضائيات رجال الأعمال وصحفهم الخاصة في دفع البلاد إلى الهاوية.
الانتخابات البرلمانية
* ما هي نظرتك للانتخابات القادمة والبرلمان الذي ستفرزه؟
- إذا تم إجراء الانتخابات فسوف يكون البرلمان القادم أسوأ من برلمان أحمد عز عام 2010، لأن أحمد عز أسقط جميع المعارضين، أما السيسي فمنع المعارضة من الترشح أصلاً، وهذا يؤكد فشل الانقلاب حتى لو استكمل إجراءات خريطة الطريق، لأنه استكمال شكلي ولا ينشئ مؤسسات شرعية لها قبول من الناس، فكيف يمكن لبرلمان أن يحظى بقبول شعبي مع منع الفصيل الحاصل على الأغلبية الكاسحة في جميع الانتخابات والاستفتاءات من الترشح؟
* ما حقيقة تأخير الانتخابات البرلمانية حتى الآن؟
- أعتقد أن تأخير الانتخابات البرلمانية يرجع لما صرح به بعض مؤيدي الانقلاب من أن الحالة الأمنية للبلاد لا تسمح بإجرائها، حتى إن أحدهم أقام دعوى قضائية يطالب فيها بتأخير الانتخابات لمدة عام لذات السبب، فربما كان تأخيرها نتيجة هاجس أمني بفشل استكمالها، فهم يعلمون أن الانتخابات البرلمانية تنافسية بين أعداد كبيرة من الناس، وتختلف عن الانتخابات الرئاسية أو الاستفتاءات.