قررت الهيئة التنفيذية لـ"فيدرالية
اليسار الديمقراطي" المُشكّلة من: "الحزب الاشتراكي الموحد" و"حزب الطليعة الاشتراكي الديمقراطي" و"حزب المؤتمر الاتحادي الاشتراكي"، المشاركة في كل الاستحقاقات الدستورية المقبلة في
المغرب من انتخابات جماعية وبرلمانية وغرف مهنية.
القرار الذي اتخذ نهاية هذا الأسبوع بمدينة الدار البيضاء، شكل مفاجأة للكثير من المهتمين بالشأن السياسي في المغرب، لكون الأحزاب الثلاثة عبرت سنة 2011 عن رفضها للدستور الجديد، وناضلت وتظاهرت في الشارع من أجل رفضه وعدم التصويت بنعم لصالحه، بالإضافة إلى كون اثنين من تلك الأحزاب سبق أن قاطعت أكثر من استحقاق انتخابي ودستوري.
وحسب المذكرة التي وجهتها الأحزاب الثلاثة لوزارة الداخلية، وحصل عربي21 على نسخة منها، فقد حددت ما اعتبرته شروطاً وإجراءات ترى أنها كفيلة بتنظيم انتخابات جماعية نزيهة وشفافة وفق المبادئ الديمقراطية الحقة، مشددة على ضرورة توفير الشروط السياسية و القانونية الضرورية لجعل هذه المحطة الانتخابية لحظة لـ"تحقيق التنمية، ووضع بلادنا على مسار الممارسة الديمقراطية الحقيقية"، بحسب المذكرة.
واقترحت الأحزاب اليسارية الثلاثة أن تكون الانتخابات المقبلة مدخلاً لبدء الممارسة الانتخابية الأخلاقية، "والقطع النهائي والحازم مع ممارسات الفساد السياسي والانتخابي التي ميزت المحطات السابقة، والتي أفضت -في غالبيتها- إلى تشكيل مجالس تمثيلية فاقدة لأية شرعية انتخابية، وأفرزت نخباً فاسدة، همها الوحيد حماية مصالحها الخاصة، ونهب المال العام".
وحول خلفيات هذا التحول في الموقف، قال الكاتب الوطني لحزب الطليعة الاشتراكي الديمقراطي عبد الرحمن بنعمرو، في تصريح لعربي21 أن لا شيء استجد، وأن لا تناقض في مواقف الفدرالية بين الأمس واليوم، داعياً إلى التفريق بين معركتهم المستمرة ضد دستور يعتبرونه لا يستجيب لتطلعات الشعب المغربي ومطالبهم، وبين المحطات الانتخابية.
وحول قرار الفدرالية بالمشاركة أكد بنعمرو أن المشاركة واردة ما لم تطرأ مشاكل، وأنهم الآن في مرحلة حشد وتعبئة واستعداد للمشاركة في الاستحقاقات الانتخابية التي سيشهدها المغرب سنتي 2015 و 2016، مؤكداً أهمية المشاركة الانتخابية بما تعنيه من أصوات ومقاعد لتدبير الشأن العام.
نقيب المحامين المغاربة الأسبق قال أيضاً إن "المشاركة في الانتخابات تعني أيضاً التأطير والتواصل مع المواطنين، وفضح عمليات الفساد"، مشيراً في الوقت ذاته إلى كون رسالتهم لوزارة الداخلية سجلت رفضهم للفصل 55 من قانون الأحزاب، الذي يمنعهم من التقدم للانتخابات كفدرالية، وأيضاً مطالبتهم بهيئة وطنية للإشراف على الانتخابات.
من جهته، قال اليساري المغربي المعروف عبد الصمد بلكبير في تصريح لعربي21 إننا "لا يمكن إلا أن نهنئ الإخوة الرفاق على هذه الخطوة التي تأخرت كثيراً عن وقتها"، مؤكداً أن تلك الأحزاب لو دعمت فترات الانتقال الديمقراطي في المغرب، وخاصة مرحلة 1998 لكان المغرب غير المغرب الراهن من حيث تطوره الديمقراطي.
وتابع بلكبير تعليقه عن هذه الخطوة متأسفاً "لكون الكثير من اليساريين لم يستوعبوا منذ البداية الشرط التاريخي للانتقال الديمقراطي" – قاصداً به السياسي والاجتماعي- واعتبر المحلل السياسي أن "خطأ اليساري هذا عاشه المغرب منذ البداية، حيث لم يفرق بين الديمقراطية، والانتقال الديمقراطي، والتحول الديمقراطي، وأن هذا الخلط المفاهيمي هو الذي أربك فعلها السياسي على الدوام".
بلكبير، الأستاذ الجامعي بمدينة مراكش، تابع أن "اليسار تفرقت بهم السبل منذ السبعينيات بين من ذهب منهم للاندماج في الانتقال، ومنهم من اختار العدمية الديمقراطية"، وهو ما جعل أصحاب هذا الخيار الأخير تتكلس اختياراته في هذا المستوى.
وواصل بلكبير شرحه لأزمة أغلب اليسار في العالم العربي، قياساً على المغرب، أن أحمد بن جلون، أحد قادة اليسار البارزين، حاول سنة 2009 أن يخرج اليسار من هذا الموقف لكن مرضه من جهة، وجمود قواعد الطليعة من جهة أخرى، والمزايدات الرفضوية داخل اليسار، منعت هذا التطور.
يشار إلى أن كلاً من أحزاب الطليعة الاشتراكي الديمقراطي والحزب الاشتراكي الموحد وحزب المؤتمر الاتحادي الاشتراكي، أعلنوا في ندوة صحفية في الرباط في 30 من كانون الثاني/ يناير بداية العام الجاري عن تأسيسهم لفدرالية اليسار الديمقراطي بهدف التنسيق وتوحيد المواقف في عدة قضايا، دون أن يعني ذلك انصهار أجهزة تلك الأحزاب في الفدرالية، ما يعني احتفاظ كل من تلك الأحزاب بشخصيتها القانونية والاعتبارية.