نشر موقع "ميدل إيست آي" مقالا للصحافي البريطاني جوناثان كوك المقيم في الناصرة، حول مشروع
القانون الإسرائيلي الذي يقضي بيهودية الدولة، يقول فيه إن المشروع المثير للجدل لقي انتقادات شديدة من أعضاء الكنيست الفلسطينيين، بعد أن وافق عليه نتنياهو والحكومة يوم الأحد، ويتوقع أن يناقش للمرة الأولى في الكنيست الأسبوع القادم.
ويشير الموقع إلى أنه بحسب القانون المقترح ستفقد اللغة العربية، التي يتحدثها خمس السكان وهي لغة الأقلية الفلسطينية، مكانتها كلغة رسمية، وسيجعل من "التراث اليهودي" و "أنبياء إسرائيل" المصدر الرئسي للتشريع والسلطات القضائية.
كما يعرف القانون إسرائيل بدولة تابعة لليهود في أنحاء العالم بدلاً من كونها ملكاً لمواطنيها، وبينهم مليون ونصف فلسطيني.
طرد زحالقة
ويبين التقرير أن من بين منتقدي البرلمان الرئيس الإسرائيلي وريفنون ريفلن والمستشار القانوني للحكومة يهودا وينستاين، وحذر جميعهم من أن القانون سيقوض الضمانات التي تحمي حقوق المواطنين الفلسطينيين.
وفي تبريره للقانون قال نتنياهو لوزرائه إنه من الضروري أن "تكون هناك حقوق قومية فقط لليهود- علم ونشيد قومي حق لكل يهودي بالهجرة إلى إسرائيل، وغير ذلك من رموز القومية"، بحسب التقرير.
ويلفت الموقع إلى قيام رئيس البرلمان موشي فيجلن يوم الاثنين بطرد عضوين عربيين، عندما انتقدا مشروع القانون بشدة خلال نقاش صاخب، أحدهما جمال زحالقة الذي حاول أن يقتبس عبارة لـ "حنا أرندت" وهي ناجية من المحرقة وفيلسوفة، كانت قد قالت إن دولة
يهودية لن تستطيع أن تعطي الأقلية الفلسطينية حقوقاً ولا جنسية. وعندما شكك اليميني المتطرف فيجلن في مصدر الاقتباس قال زحالقة إن أرندت هي النقيض لفيجلن، ووصف زحالقة فيجلن بالفاشي، فقام الأخير بأمر الحرس بإخراج زحالقة من البرلمان.
وقال زحالقة لـ"ميدل إيست آي": "بينما كانوا يدفعونني للخارج قلت ليفجلن، إنه حصل على شرف أول من يقوم بتطبيق قانون الدولة اليهودية عملياً".
آراء متعارضة
ويذهب الكاتب إلى أن هذا الاشتباك في الكنيست يختزل الخلاف بين وجهتي النظر المتعارضتين فيما يتعلق بمشروع القانون الأساسي الذي يقترحه نتنياهو، والذي يجعل إسرائيل دولة قومية لليهود.
ويذكر التقرير أن هناك عدداً من الناشطين في حقوق الإنسان، ممن يظنون أنه تم تمرير هذا القانون الجديد سيتسبب بأضرار جسيمة، لإمكانية عيش الأقلية الفلسطينية في إسرائيل في سلام مع اليهود، فبحسب مناحيم كلين، أستاذ السياسة في جامعة بار إيلان في تل أبيب فإن القانون "يرفع من مستوى التمييز".
ويفيد الموقع أنه احتجاجاً على مشروع القانون قام عدد من المواطنيين الفلسطينيين بتغيير صور البروفايل على الفيس بوك، إلى صورة تحمل ختم "مواطن من الدرجة الثانية".
ويرى الكاتب أن القانون يقضي على أي أمل للتوصل إلى اتفاقية سلام، تحل عقوداً من النزاع الأصلي بين إسرائيل والفلسطينيين.
وينقل التقرير عن زحالقة قوله: "هذا القانون يعني أن حق العودة للفلسطينيين تم استبعاده تماماً من نتنياهو واليمين قبل أي مفاوضات حول الموضوع .. وبدلاً من ذلك تصبح دولة لليهود حول العالم، فالدولة تابعة ليهودي في بروكلن أكثر منها لفلسطيني في الناصرة".
ويجد الموقع أن أهمية القانون تكمن في آثاره السياسية أكثر من آثاره القانونية، وهذا ما أساء فهمه كثير من الإسرائيليين والمراقبين الدوليين. فمعظم المعلقين قالوا إن قانون نتنياهو خطير على المساواة بين الأكثرية اليهودية والأقلية الفلسطينية، جاعلاً مكانتهم مواطنين من الدرجة الثانية.
ويورد التقرير أن صدى هذا الرأي يبدو واضحاً في حث وزارة الخارجية الأميركية لإسرائيل "بأن تلتزم بمبادئ
الديمقراطية"، التي شددت على أن "إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية ويتمتع كل مواطنيها بحقوق متساوية".
ويوضح كوك أن الافتراض السائد هو أنه لو وضعنا الاحتلال جانباً فإن إسرائيل ديمقراطية على النمط الغربي، وهي الآن مهددة من مشروع القانون المذكور، ولكن هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة، بحسب صالح محسن، الذي يعمل محامياً لدى مركز "عدالة"، وهو مركز حقوقي قانوني يقوم بتمثيل الأقلية الفلسطينية.
وبقول محسن للموقع: "ليس هناك مبدأ مساواة في القانون الإسرائيلي، وقانون نتنياهو المقترح لن يفعل شيئاً لتغيير هذا الواقع، فمن وجهة نظر قانونية ما سيقوم به القانون هو تكريس التمييز القائم، مما يجعل من الصعوبة لنا تحدي القوانين
العنصرية الموجودة في إسرائيل، ومحاولة إلغائها".
أسوأ من عدم المساواة
ويقول الكاتب إن إسرائيل ليس لديها دستور، ولكنْ هناك قانون أساسي والقوانين فيه مبنية على أن إسرائيل دولة يهودية، وتلك القوانين وكثير من الإجراءات الإدارية تعطي ألأكثرية اليهودية مميزات على الأقلية الفلسطينية، ومن أوضح هذه القوانين تمييزاً قانون العودة، وهو في الواقع قانون جنسية يمنح حق الهجرة لليهود فقط، أما
الفلسطينيون فيأخذون جنسيتهم بناء على قانون الجنسية لعام 1952.
وينقل الموقع عن سوسن زاهر، وهي محامية أخرى تعمل مع مركز "عدالة"، قولها: "المسألة أسوأ من كونها مجرد عدم مساواة؛ فلأن إسرائيل تعرف بنفسها على أنها دولة يهودية فإن الأقلية الفلسطينية من الأساس تعد تهديداً أمنياً وحتى عدواً".
ويؤكد كوك أنه في الواقع فإن المواطنين اليهود فقط هم من يتمتع بالحقوق الوطنية، أما الفلسطينيون يستطيعون فقط الحصول على الحقوق الشخصية، وقد أعد مركز "عدالة" قائمة بـ 55 قانوناً تعطي المواطنين اليهود حقوقاً أكبر بناء على انتمائهم القومي.
وينوه الكاتب إلى أنه حتى البرلمان، حيث وقع الشجار بين فيجلن وزحالقة، فلم يدع أي حزب فلسطيني في يوم ما للمشاركة في أي من الائتلافات المعقدة التي حكمت في إسرائيل، وبرأي محسن فإن وجود الأحزاب الفلسطينية هو فقط لإظهار إسرائيل بصورة الدولة الديمقراطية.
والمفارقة كما يقول إيل غروس، أستاذ القانون بجامعة تل أبيب هو أن مسودة قانون نتنياهو، ستحل إشكالية بين هذين المفهومين بتحديد هوية إسرائيل اليهودية وهذا "يعزز حال إسرائيل دولة عرقية وليست ديمقراطية".
جزء من حرب اليمين
ويبرز التقرير أن مشروع القانون هذا يعد جزءاً من الصراع السياسي الدائر بين اليمن والوسط في إسرائيل، حيث كل منهما يحاول إثبات أنه هو من يمثل مصالح الشعب الإسرائيلي، ويجد نتنياهو نفسه محتاجاً لإثبات أنه قائد حقيقي لليمين بطرح مثل هذا المشروع، بحسب كلين من جامعة بار إيلان، حيث يجد نتنياهو التحدي من اليمين عندما يعلن نفتالي بنت القائد الاستيطاني الدعوة إلى إنهاء العملية السلمية وضم الضفة الغربية كاملة، وفي الوقت نفسه تجد تحدياً من الوسط عندما يدعون لانتخابات مبكرة.
كما أن نتنياهو وجد هذا المشروع فرصة ليرسم خطاً بينه وبين الوسط في حكومته، والمتمثل في ليفني ولابيد، وكلاهما عارض المشروع في العلن.
ويذكر التقرير أن نتنياهو الآن يؤكد ما طالب به خلال المفاوضات مع الفلسطينيين، حيث طلب منهم الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية. وفي رأي زحالقة فإن نتنياهو واجه نقداً محلياً، حيث تساءل البعض "كيف يمكن لنا أن نطلب من العالم الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، بينما الأمر ليس واضحاً لنا، ماذا نعني بدولة يهودية؟"، مضيفاً أن ما فعله نتنياهو يسكت هؤلاء المنتقدين.
اتهام بالخيانة
ويرى كوك أن نتنياهو تبنى استراتيجية تتعمد مفاقمة سوء العلاقة بين الدولة والأقلية الفلسطينية، وذلك ليطرح نفسه بطلاً للشارع الإسرائيلي الذي يتحرك نحو اليمين بشكل مستمر. فبحسب جعفر فرح مدير مركز "مساواة" فإن نتنياهو "يهدف إلى زيادة التوتر بين اليهود والعرب".
ويشير الموقع إلى أن نتنياهو بيّن قبل تصويت الوزراء على مشروع القانون بقليل أن هناك مساحتين فيهما أكثرية فلسطينية، وتشكلان خطراً على الدولة وقال: "هناك من يتمنى حكماً ذاتياً في الجليل والنقب، أي إنهم يرفضون جنسيتنا".
ويجد الكاتب أن هذه التهم المبطنة بالخيانة كانت واضحة في تعليقات نتنياهو بعد المظاهرات التي قام بها الفلسطينيون إثر مقتل شاب فلسطيني بيد الشرطة الإسرائيلية، حيث يرى أنه يجب سحب الجنسية من المتظاهرين، وقال "اذهبوا إلى السلطة الفلسطينية أو غزة فلن تضع إسرائيل أي عقبات في طريقكم".
ويذهب كوك إلى أن الداعمين للقانون يحتجون بأنه ضروري لاستعادة الإنجازات الصهيونية، التي تآكلت من خلال عمل مؤسسات حقوق الإنسان والقضاء، وعن هذا يقول ياريف ليفن، رئيس الائتلاف الحاكم وأحد من صاغوا مشروع القانون، إنه مبرر؛ لأنه "سيعيد إسرائيل إلى جذورها الصهيونية بعد سنوات من التخريب المستمر الذي قام به النظام القضائي".
أزمة الصهيونية
ويحدد يورام هازوي رئيس معهد هرزل لحظة الأزمة للصهيونية، وكانت في المحكمة العليا عام 2000، عندما قامت عائلة قعدان بالشكوى لعدم السماح لها بالعيش في منطقة كاتزير، ومنعت العائلة عن طريق لجنة القبول، وهذه اللجان أنشئت لمنع الفلسطينيين من شراء الأرض أو المساكن.
ويتابع التقرير بأنه مع أن المحكمة قضت سنوات، وهي تراوغ حتى لا يصدر عنها قرار واضح يقوض القاعدة الصهيونية المركزية القائمة على تهويد الأرض، إلا أن الحكومة استبقت أي قرارات قضائية بإعطاء لجان القبول صفة حكومية رسمية عام 2011.
وتضيف المحامية زاهر للموقع إنه ومع أن المحكمة العليا أقرت إلى حد ما بمبدأ المساواة، بناء على قانون كرامة الإنسان لعام 1992، إلا أنها ترفض استخدام هذا القانون لمنع التمييز في حق المواطنين الفلسطينيين.
عناصر عدوة
وبحسب كلين فهناك دوافع أخرى لطرح القانون أهمها يتعلق بالصراع مع الفلسطينيين، حيث بين أنه مع رفض نتنياهو لتقسيم "إسرائيل الكبرى"، التي تتضمن الأراضي المحتلة، فإن نتنياهو واليمين يواجهون التحدي الديمغرافي، حيث سيكون نصف السكان تحت حكمهم غير يهود، بحسب التقرير.
وقال كلين "الفلسطينيون هم جزء من الـ50%، وهم يؤيدون قيام دولة فلسطينية، وهذا يجعلهم في نظر نتنياهو تابعين لخانة الأعداء ويشكلون خطراً على هوية الدولة الموسعة".
ويضيف للموقع "هذا القانون يجعل الإثنية فوق المواطنة، وهو أداة من أدوات تطويق الخطر، ويعني أن أي شخص يتعاطف مع الفلسطينيين فهو خائن، وهذا ما جعل نتنياهو يدعو الفلسطينيينن للانتقال إلى الأراضي المحتلة؛ لأن معظمهم في نظره عملاء للعدو".
ويختم الكاتب تقريره بالإشارة إلى أنه بالرغم من أن هآرتس حذرت من أن تمرير القانون، سيعني خروج إسرائيل من منظومة الدول الديمقراطية وانتقالها إلى مصاف الدول الظلامية، التي تقمع فيها الأقليات، إلا أن الواقع غير ذلك، فكما يوضح المحامون والحقوقيون الفلسطينيون فإن إسرائيل لطالما عاشت في مصاف الدول الظلامية، إلا أن هذا القانون إذا تم تمريره فسوف يسلط الضوء على هذه الحقيقة.