تفاجأ المعارض العلوي "ح.م" الذي يسكن منطقة الدريكيش في
طرطوس على الساحل السوري، عندما رأى ابن ضابط في الجيش يعود أدراجه من القتال مصطحباً سلاحه، لأنهم ببساطة رفضوا استلامه منه عندما قرر عدم القتال على الجبهات أمام تنظيم "الدولة الإسلامية". هذه الحالة كانت بمثابة مغامرةٍ غير محسوبة، لا بل محكوم على صاحبها بالموت، خصوصاً أنّه سيتحصّن في منطقة تحت سيطرة النظام ومحسوبة عليه.
يقول: "ح.م" لقد أصبحنا على السواء جميعاً، موالين وصامتين ومعارضين، نرفض القتال لحساب آل
الأسد أو لحساب إيران، ولا أحد يكترث بما نقول مهما كان، فالجميع يفكّر بالبقاء والاستمرار، والجميع يتوقع تفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية مع انعدام الحلول لدى الأغلبية منا".
ويتابع "ح.م" أن "الصدمة الأولى للعلويين تجاه النظام وحكم الأسد كانت عندما رأوا بأمّ أعينهم مدى فظاعة قناع "الجهاد" الذي يلبسه مقاتلو النظام وشبيحته، وذلك عندما أقدم متطرفون علويون من ميليشيات "الدفاع الوطني" (الشبيحة) على ارتكاب مجزرة البيضا في بانياس، وقتها لم يستطع المجتمع تحمّل هذه الهوية القاتلة له، ولم يستطع أحد السكوت عن هذا العار".
وبيّن أن تلك الحالة "كانت بداية سقوط هالة الدفاع الوطني في أذهان
العلويين، وبداية انفتاح المجتمع على الصامتين وغير المكترثين ببشار الأسد ومصيره، وهنا تنفسنا الصعداء، فقد كنّا مهددين بالقتل في أيّ لحظة تحت وطأة رأينا من أي متطرّف يجوب الشارع حاملاً سلاحه".
أما الصدمة الثانية، على حد تعبير "ح.م"، فبدأت مع تسليم النظام السوري سلاحه الكيماوي للأمم المتحدة، "وانكفأت حينها أبواق النظام الذين ما كانوا يرددون جملة إلا ويُدخلون إسرائيل عدوًا لهم ولبشّار الأسد شخصيّا، حيث كانوا يصورون بشار الأسد عدوّ إسرائيل الأول. وما زاد الطين بلّة هو هجمات إسرائيل التي تلتها على مواقع ومستودعات عسكرية للنظام".
ويرى "ح.م" أن السبب المباشر لسقوط بشار في أذهان العلويين الآن هو تنظيم "الدولة الإسلامية" بسبب افتضاح أمر تعاون النظام معه، "لا بل تورّط عناصره معه، حيث كان الموالون يتكلمون علنا أن داعش حليفتنا، أو من حيث استجلاب التحالف واختراقه للأجواء السورية بشكل يومي ومن دون أيّة مخاوف"، مشيرا إلى أن لحظة الانهيار كانت مع حديث وزير الخارجية وليد المعلّم عن استعداد نظامه الكامل للتعاون مع التحالف الدولي، "حيث ظهر النظام على حقيقته كأداة تلعب بها الدول الكبرى والدول الإقليمية".
وحول تعامل الأهالي معه كمعارض في بيئة علوية، منذ بدء الثورة وإلى الآن، قسّم "ح.م" المجتمع إلى قسمين، موضحا أنه "في بداية الثورة كان هناك من يخاف التعامل معك، وآخرون يبحثون عن معارضين ليطردونهم، وهم من أتباع الأمن أو المسؤولين". وأشار إلى "أولئك المشايخ الهزيلين الذين كانوا أصلاً ضبّاطا أو ضبّاط
صف في الجيش وتسرّحوا، لكنّهم تابعوا مهمتهم في خدمة النظام والارتزاق منه بامتهان المشيخة أداةً توصلهم لمزيد من المال وأداةً بيد النظام لإحكام العمى الطائفي لدى العلويين".
ويوضح "ح.م" أن جميع هؤلاء هم "أداة النظام الخفيّة لشدّ الشبان نحو التطرف والكراهيّة، كما أنّهم أسرفوا في مغالاتهم في حب بشار الأسد وتأليهه، حتّى أصبح القتال جهادا لديهم. وهذا ما كانوا يتكلمون به صراحة في الولائم والجنازات، لا يوفرون فرصةً كي يصبغون هذا القتال بالصبغة الجهاديّة".
ويختتم بقوله: "الآن لم نعد نشعر بالخطر كمعارضة، أصبح الجميع معارضا، قد نخاف من الاعتقال، لكنّه لا يخيف مادامت أغلبية المجتمع تؤازرك وتدافع عنك. الآن قد نرتجف لسماع أحدهم يشتم بشّار الأسد في إحدى الكازيات أكثر منه، وقد يجزع أكثر دوريات الأمن الموجودة هناك، دون تغيّر يذكر في مجرى الحدث، كأنك تشتم شيطانا".