بلغة جازمة واثقة قال الشيخ
الأزهري الدكتور
مصطفى راشد، إن "الإسلام لم يحرم الخمر، وإنما حرم السكر، لأن الآيات التي وردت في القرآن بالكامل لم تحرّم الخمر وإنما حرمت السكر"، رادّا على المستدلين بالآيات الآمرة باجتنابها على تحريمها بأن هذا أمر بالاجتناب، وهو لا يعني التحريم، ولو أن الله أراد تحريمها لقال فيها قولا حاسما كما قال في غيرها {حرمت عليكم الميتة..}.
وتابع الشيخ الأزهري خلال مشاركته في برنامج على فضائية مصرية، السبت 6
كانون الأول/ ديسمبر، "إن أي شخص يقول إن الخمر حرام يكذب على الله"، مضيفا أن "الأحاديث الواردة في
تحريم الخمر ضعيفة، ولا يلزم الأخذ بها".
وكان الشيخ راشد قد أعلن عن رأيه في مقال سابق نشره على موقع "
الحوار المتمدن" بتاريخ 24 سبتمبر/ أيلول 2011، بعنوان: "الخمر غير محرم في الإسلام" خلص فيه بعد تعريفه للخمر ومناقشته للآيات الواردة في الخمر إلى القول: "ونحن إذ نفتي بعدم حرمة الخمر في الإسلام قد وضعنا أمام أعيننا قوله تعالى: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب..}.
من الطبيعي أن تستفز هذه الفتوى مشايخ الأزهر وجماهير العلماء، لمخالفتها الصريحة لأمر معلوم من الدين بالضرورة، ومصادمتها لما تقرر تحريمه بالكتاب والسنة والإجماع، وهو ما تناقلته أجيال المسلمين، وأجمعت عليه إلى زماننا هذا، بحسب مناقشة العلماء وردودهم على فتوى الشيخ الأزهري راشد الأخيرة المحللة للخمر.
سبق أن طُرحت آراء مثيرة حول حكم الخمر وما يتعلق بنقلها وتقديمها وبيعها، كفتوى الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر، التي قال فيها إن الخمر المصنوعة من غير العنب كالشعير مثلا، إنما يحرم الكثير المسكر منها، أما القليل الذي لا يسكر فهو حلال، طالما أنه لا يسكر ولا يؤدي إلى غياب العقل وذهابه.
واستند الدكتور الهلالي في فتواه إلى المذهب الحنفي الذي ينص على أن الخمر إن كان من العنب فقليله وكثيره حرام، أما إن كان من غير العنب كالشعير والبر والتين، فلا يحرم منه إلا ما كان مسكرا"، كما رأى الدكتور الهلالي أن من يعمل بالفنادق ويقدم الخمور فلا حرج عليه، بناء على ما ورد في مذهب أبي حنيفة من "جواز حمل الخمر ونقله بالأجرة..".
أمام ما يثار في وسائل الإعلام من آراء وفتاوى غريبة وصادمة لعامة المسلمين حول حكم الخمر، خاصة وأنها لم تأت من المتطفلين على الفقه، والطارئين على الفتوى، وإنما من مشايخ وأساتذة أزهريين، فإن ثمة أسئلة قلقة تطرح عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والمنتديات الحوارية، فما الذي يحمل شيخا أزهريا على تحليل الخمر، مع أن تحريمها معلوم من الدين بالضرورة، وأدلته قاطعة في دلالتها لا تحتمل فهما آخر؟ ولماذا يتعلق بعض المشايخ بآراء فقهية شاذة تفتح الأبواب لمفاسد كثيرة؟
مناقشة محلل الخمر في استدلاله وفتواه
ما دام أن صاحب الفتوى المحللة للخمر استدل بما أسماه أدلة على فتواه، فيحسن بالعلماء مناقشته في استدلالاته تلك، وبيان وجوه بطلانها وتهافتها، فكيف يرد العلماء على قوله بأن الله لم يحرم الخمر في القرآن، وإنما حرم السكر فقط؟
يجيب الدكتور اليماني الفخراني، مدرس العقيدة والفلسفة في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، بقوله: بداية تحريم الخمر ثبت في القرآن والسنة وأجمعت عليه الأمة الإسلامية جيلا بعد جيل، وأصبح معلوما من دين الإسلام بالضرورة، وما ادعاه مصطفى راشد من عدم تحريمها في القرآن تحريف للكلم من بعد مواضعه، وإعلان عن جهله في فهم آيات الذكر الحكيم.
وأوضح الدكتور اليماني أن التحريم في القرآن لا يقتصر على لفظ "حرم" ومشتقاتها، بل ثمة صيغ كثيرة تفيد التحريم، منها على سبيل المثال ما أمر الله باجتنابه مقرونا بصيغة الأمر، فهو اجتناب للتحريم، كما خاطب الله المؤمنين آمرا لهم بقوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
ويورد اليماني في حديثه لـ"عربي 21" مثالا من القرآن في قوله تعالى:{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}، متسائلا: هل يُفهم من هذه الآية إلا تحريم الأوثان وقول الزور؟ لافتا إلى أن الأمر بالاجتناب أبلغ في التحريم من قوله "حرمت"، فهو أمر بالابتعاد عنها واجتناب مجالس أهلها، وعدم المتاجرة بها، وكذلك أضاف ما أمر باجتنابه في الآية إلى الشيطان (من عمل الشيطان)، وما كان من عمل الشيطان فهو حرام لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان}.
وأورد اليماني طريقا آخر للاستدلال على تحريم الخمر بقوله: "نص القرآن على تحريم الخمر حين اعتبرها إثما، ونص على تحريم الإثم في قوله تعالى:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ}، وقد أخبر عن الخمر والميسر (فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمها أكبر من نفعهما) فإذا كان الإثم حراما، وكانت الخمر إثما كبيرا، فهي حرام بنص القرآن.
هل التحريم للسكر فقط؟
في استدلاله على عدم تحريم الخمر، قال الشيخ مصطفى راشد إن القرآن لم يحرم الخمر، وإنما حرم السكر، لأن التحريم عنده لا يثبت إلا بلفظ التحريم، وهي دعوى تبطلها ورود صيغ كثيرة في القرآن تفيد التحريم القاطع، كترتيب عقوبة على الفعل كما في السرقة، بحسب الدكتور طاهر الشيخ، المدرس في كلية الشريعة بجامعة الأزهر.
واعترض الدكتور طاهر على طريقة مصطفى راشد في الاستدلال، موضحا أنه بحسب استدلالته فإن السكر ليس حراما بصفة مطلقة، إذ إن الآية الكريمة (ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) تنهى عن الصلاة حال السكر، بما يدل على أن السكر خارجها لا شيء فيه، وهو ما يبطل استدلاله العقيم على تحريم السكر.
وينبه الدكتور طاهر إلى أن السنة النبوية، وهي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي، أكدت تحريم الخمر، ففي الحديث الذي أخرجه مسلم "كل مسكر خمر، وكل خمر حرام"، وفي الصحيحين حينما سأله أبو موسى الأشعري عن بعض الأشربة (البتع وهو العسل ينبذ حتى يشتد، والمزر من الذرة ينبذ حتى يشتد) قال عليه الصلاة والسلام: "كل مسكر حرام"، وهذه القاعدة تبين بحسب شروح العلماء أن المراد كل شراب كان جنسه مسكرا، سواء القليل منه أو الكثير، ولم يرد بذلك ما أسكر كثيره فقط.
وبخصوص ما يقال عن إباحة الأحناف للخمر المتخذة من غير العنب ما لم تسكر، قال الدكتور طاهر لـ"عربي 21" "إن المفتى به عند السادة الأحناف هو قول محمد بن الحسن الشيباني: ما أسكر كثيره فقليله حرام، وليس قول الإمام أبي حنيفة القدح الأخير المسكر هو المحرم كما نص على ذلك ابن عابدين في حاشيته.
ووفقا للدكتور طاهر فإن المفتى به عند الأحناف هو مذهب الجمهور، المتوافق مع الحديث المعروف "ما أسكر كثيره فقليله حرام" (رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان وصححه كثير من المحدثين)، خاتما حديثه بالتحذير من تتبع أقوال العلماء الشاذة، ومن الفتاوى المعاصرة الشاذة، ولافتا إلى أن ليس كل من تخرج من الأزهر أصبح مؤهلا للإفتاء والفتوى.
أمام حول تكرار صدور فتاوى شاذة وغريبة من مشايخ أزهريين، يتساءل الكثيرون: لماذا لا يقوم الأزهر بصفته الدينية والرسمية، بدوره المطلوب في مناقشة أصحاب تلك الفتاوى، لا سيما تلك الصادرة من خريجيه، لبيان أخطائهم وشذوذاتهم المخالفة لقطعيات الشريعة وأحكامها الثابتة، ولردعهم عن تضليل عامة المسلمين وإثارة البلبة في صفوفهم؟