أفادت تقديرات الاستخبارات العسكرية
الإسرائيلية، أن الحرب التي يشنها التحالف الدولي على الدولة الإسلامية، خدمت رئيس النظام السوري بشار الأسد، "حيث أهمل الغرب نهائيا الجهد المتردد منذ البداية بإسقاط النظام".
كما توقعت التقديرات، التي نقلها المحلل العسكري، في صحيفة "هآرتس" الأربعاء، عاموس هرئيل، أن "
حزب الله سيقوم باستغلال الأراضي السورية من أجل تنفيذ عمليات ضد اسرائيل"، مؤكدة أن الحزب، "بنى عدة شبكات إرهابية في منطقة
الجولان بمساعدة إيرانية وسورية".
وأوضح هرئيل أن تأثيرات الصراع في
سوريا مستمرة في الامتداد إلى الدول المجاورة وبالذات لبنان والعراق، "حيث لا يوجد أي حاجز فيزيائي بينها وبين جاراتها".
كما بين هرئيل أن "هناك تراجعا دراماتيكيا للتهديد التقليدي لإسرائيل من قبل سوريا". وقال إن "أكثر من 80 بالمئة من الصواريخ والقذائف للجيش السوري تم استخدامها حينما أطلقت باتجاه أهداف المتمردين. ولم يبق في الجولان أوكار قذائف موجهة لاسرائيل".
وفيما يلي نص المقال:
في الحرب الأهلية السورية يوجد تعادل استراتيجي. لا أحد قادر على إخضاع خصمه في هذه المرحلة، والحرب في أرجاء الدولة تتركز على معارك محلية للسيطرة، ولا تستطيع ترجيح كفة أحد الأطراف. نظام الرئيس بشار الأسد سيكتفي في المستقبل المنظور بسوريا الصغيرة – العاصمة دمشق والممر الذي يصلها مع المدينة الكبرى حلب والمنطقة العلوية شمال غرب الدولة. النظام لا يريد مواجهة عسكرية مباشرة مع إسرائيل، لكن الخطر الآخذ في الإزدياد من المعسكرين المتشددين -حزب الله من جهة النظام، والمنظمات الجهادية من جهة المتمردين- اللذين سيبادران إلى عمليات في هضبة الجولان.
لقد بنى حزب الله عدة شبكات "إرهابية" في منطقة الجولان بمساعدة إيرانية وسورية. والمسؤول عن تشغيل هذه الشبكات هما اثنان معروفان لإسرائيل. الأول هو جهاد مغنية، ابن عماد الذي قتل من قبل إسرائيل في 2008، والثاني هو سمير قنطار الدرزي اللبناني الذي أُطلق سراحه في 2008 بعد أن حُكم بالمؤبد بسبب قتل عائلة هران في نهاريا، أطلق سراحه في صفقة إعادة جثث الجنود أودي غولدفاسر والداد ريغف.
هذه هي باختصار تقديرات الاستخبارات الاسرائيلية حول ما يحدث في سوريا، حيث ستمر أربع سنوات على الحرب التي خلقت الكارثة الإنسانية الأخطر في المنطقة، مع حلول آذار القادم. وحسب تقديرات غير رسمية بلغ عدد القتلى في هذه الحرب نحوا من 200 ألف معظمهم من المدنيين.
حوالي 6.5 مليون مواطن سوريا اضطروا إلى ترك بيوتهم والتنقل داخل الدولة بسبب الحرب، إضافة إلى 3.5 مليون لاجئ هربوا من سوريا ومعظمهم باتجاه الدول المجاورة.
أحد الأسباب المركزية لوجود التعادل في الميزان بين الأطراف يتصل بالتحول الذي حدث لدى الغرب تجاه هذا الصراع: من التهديد الأمريكي بمهاجمة النظام كعقاب لاستخدامه السلاح الكيميائي في آب 2013، إلى الإعلان عن ضربات جوية ضد عدو النظام السوري الأخطر وهو تنظيم الدولة الاسلامية داعش بعد عام. حتى وإن لم تعترف الولايات المتحدة بذلك فإن سياستها تتسبب فعليا بازدياد قوة السد في وجه أعدائه.
في نظرة إلى الوراء، النقطة التي بدأ فيها الهجوم على الأسد للتوقف كانت نقطة "العشاء الأخير"، التعرض لحياة آصف شوكت، رئيس الاستخبارات السورية وصهر الرئيس وثلاثة بارزين آخرين في دمشق في تموز 2012.
التحقيق الذي نشرته أسبوعية الصحيفة الأمريكية "وول ستريت جورنال" أظهر الفرضية أن الهجوم لم يكن من تنفيذ التحالف، كما زعمت الأطراف، وإنما هو حيلة داخلية للنظام من أجل التخلص من شوكت الذي حاول القيام بحلول سلمية قبل مقتله بقليل.
هذا التقدير الذي تسنده الصحيفة إلى مقابلات لنشطاء من المعسكرين في تلك الفترة، لم تصادق عليه حتى الآن الاستخبارات العسكرية. ولكن عملية القتل نفسها هي نقطة تحول مهمة لأنه ازداد بعدها تأييد إيران وحزب الله بشكل كبير لنظام الأسد. أرسل الإيرانيون خبراء استخبارات وعصابات مقاتلة، وحزب الله أيضا أرسل المقاتلين وعجلت روسيا من ارساليات السلاح للاسد. بناءً على تقديراتهم فان المتمردين السنيين على أبواب السيطرة على سوريا اذا لم يتم منح النظام تأييدا كهذا وبسرعة.
بالتدريج، وخلال عام 2013، حقق معسكر الأسد نجاحات تكتيكية في كبح تقدم المتمردين. وانتقل النظام للتركيز على الدفاع عن سوريا الصغيرة التي فيها المصادر الأكثر أهمية بالنسبة له.
إذا كان الأسد يسيطر اليوم بشكل فعال على ربع أو ثلث أراضي الدولة، فهذا يكفيه من أجل البقاء. وقد واجه النظام خطرا واحدا في صيف 2013 بعد مذبحة السلاح الكيميائي ضد المدنيين التي أثارت غضب الولايات المتحدة، ولكن للمرة الثانية نجح التدخل الروسي.
الاتفاق الذي تم تحقيقه بين روسيا والولايات المتحدة والذي يطلب تفكيك السلاح الكيميائي للاسد مقابل الغاء الهجوم العقابي الذي خططت له الولايات المتحدة، أزال عن الأسد الخطر.
صعود تنظيم الدولة الاسلامية في السنة الاخيرة في العراق وسوريا، الذي تركز عليه اهتمام العالم وبالذات سلسلة عمليات الاعدام لمواطنين غربيين في الصيف، خدم الاسد خصوصا، حيث أهمل الغرب نهائيا الجهد المتردد منذ البداية بإسقاط نظام الرئيس الاسد. وتركيز ادارة أوباما على الهجوم ضد داعش يخدم الأسد من اجل البقاء. حتى وإن كان هذا ليس هدف الأمريكيين، فإن هذه هي النتيجة بالفعل.
تأثيرات الصراع في سوريا مستمرة في الامتداد إلى الدول المجاورة وبالذات لبنان والعراق، حيث لا يوجد أي حاجز فيزيائي بينها وبين جاراتها. الخلافة الاسلامية التي أعلن عنها تنظيم الدولة الاسلامية تمتد على جانبي الحدود شمال العراق وشرق سوريا.
على الحدود اللبنانية اضطر حزب الله إلى نشر خط من المواقع العسكرية، حيث يتواجد باستمرار نحوا من ألف مقاتل بهدف منع ادخال الامدادات لمقاتلي الجهاد السني من سوريا إلى داخل الدولة. إقامة خط المواقع الذي يقوم مقاتلو حزب الله بعمل الدوريات على طوله كان ردا على موجة العمليات في لبنان، بعضها في معاقل حزب الله في الضاحية في بيروت قبل أكثر من عام.
خسائر حزب الله في الأرواح بسبب المعارك في سوريا تُقدر بـ 550 قتيلا ومئات الجرحى. تضع المنظمة بشكل دائم حوالي 5 آلاف مقاتل في سوريا، هناك يدافعون عن أملاك حيوية لنظام الاسد. وقوة صغيرة مكونة من عدة مئات تم إرسالها من لبنان إلى العراق للدفاع عن المواطنين الشيعة في وجه الدولة الإسلامية. في الجيش الإسرائيلي يلاحظون تحسنا في المستوى التنفيذي لحزب الله بسبب الخبرة التي اكتسبها رجاله في سوريا.
في المقابل هناك تراجع دراماتيكي للتهديد التقليدي لإسرائيل من قبل سوريا. أكثر من 80 بالمئة من الصواريخ والقذائف للجيش السوري تم استخدامها حينما أطلقت باتجاه أهداف المتمردين. لم يبق في الجولان أوكار قذائف موجهة لاسرائيل، ومناورة عسكرية سورية في اسرائيل غير قائمة والتهديد الكيميائي تمت ازالته بسبب تفكيك هذا السلاح. وهكذا حدث تغيير ساسي في التوازن بين اسرائيل وبين من اعتُبرت عدوتها خلال اربعين عاما.
حول المخاطر فإن هناك خطر العمليات في هضبة الجولان من قبل المعسكرين المتشددين. تنظيمات سنية متطرفة تنتمي للقاعدة موجودة بالقرب من الحدود أكثر مما في السابق، وقد تقوم بتنفيذ عمليات مشابهة لعمليات حدثت في مناطق أخرى.
حزب الله ايضا يبني شبكات ارهابية هناك، وقد سبق أن أطلقت هذه الشبكات الكاتيوشا بقطر 107 ملم باتجاه الجولان خلال الحرب في غزة في الصيف. يُقدرون في اسرائيل أن حزب الله وبموافقة الاسد سيستغل المنطقة الصغيرة الواقعة تحت سيطرة النظام شمال الهضبة من اجل المبادرة إلى عمليات ضد اسرائيل، مثل الانتقام للضربات الجوية المنسوبة لاسرائيل داخل لبنان وسوريا.
رغم أن الاسد بقي صامدا في الحرب الأهلية الفظيعة إلا أنه حدث في الآونة الاخيرة تحول كامل في نظرة إسرائيل وتعاملها مع الجبهة الشمالية. قبل عقدين من الزمن كان قلق اسرائيل وقادة المنطقة الشمالية مثل عميرام لفين وغابي اشكنازي، هو عملية ممكنة من قبل حزب الله. ولكن الاحتمالية الاكثر اقلاقا من ناحيتهم كانت احتمالية اندلاع حرب مع سوريا. اليوم انقلبت الأمور.
قائد المنطقة الشمالية، أفيف كوخافي، قلق من عمليات محتملة في الجولان، لكنه يستعد من أجل مواجهة مستقبلية مع عدو صعب جدا، حزب الله في لبنان.
من المفترض أن يوافق المجلس الوزاري المصغر قريبا على قرار وزير الدفاع موشيه يعلون عدم انتاج الكمامات الواقية من السلاح الكيميائي. والمبرر لهذا القرار هو التراجع الكبير لتهديد السلاح الكيميائي السوري على خلفية تفكيك مستودعات السلاح الذي تم قبل أكثر من عام.
قبل عام قرر يعلون تجميد توزيع الكمامات الواقية للمواطنين وانتاجها بشكل أقل بسبب تراجع التهديد ومن اجل توفير الاموال، وفي تلك الفترة قرر اعادة النظر ورؤية ما إذا كان بالامكان وقف الانتاج كليا.