قال الخبير الأمني الإسرائيلي يوسي ميلمان، إن الانطباع حول هجوم
شارلي إيبدو، هو أن أجهزة
الاستخبارات الفرنسية ارتكبت هذه المرة فشلا مدويا.
وأضاف ميلمان بمقالة نشرتها صحيفة "معاريف"، الأحد، أن الأخوين سعيد وشريف كواشي، اللذين قتلا شرطيين و12 شخصا في أسرة تحرير المجلة الساخرة "شارلي إيبدو" كانا هدفين هامين لأجهزة الأمن.
وبحسب الكاتب فقد ظهر اسماهما أيضا في "TIDE"، بنك المعلومات المركزي للاستخبارات الأمريكية عن
الإرهابيين المعروفين أو عن المشبوهين بأعمال إرهابية.
وأكد أن الاستخبارات الأمريكية توزع القائمة التي تتشكل من أكثر من مليون اسم، على الأجهزة المماثلة في الدول الأخرى، بحيث أنهما كانا معروفين للاستخبارات الفرنسية. بل إن اسميهما ظهرا في قائمة دولية من ممنوعي الطيران.
وأضاف ميلمان أن أحد الأخوين تدرب في 2011 لدى القاعدة في اليمن. وفي فرنسا عملا كمجندين متطوعين في العراق. وكانت هذه مؤشرات دالة يفترض بها أن تشعل أضواء تحذير. ولكن في السنة الأخيرة، كونهما لم يكونا مشاركين في أحداث استثنائية وبقيا في الظل، فقد ضعفت المتابعة لهما.
ونوه إلى أنّه في الوقت الذي يحاول فيه خبراء أجانب، إبداء التفهم لما فعله أو لم يفعله بما يكفي جهاز الأمن الداخلي في فرنسا، فإن الانتقاد الأكثر شدة ينطلق بالذات من جانب مهنيين من فرنسا نفسها.
وبحسب الكاتب فإنّ هؤلاء لا يترددون في وصف ما ظهر أمام ناظرينا بعد ثلاثة أيام كانت فيها العاصمة الفرنسية في شبه حصار، بالقصور، في أثناء المطاردة للجهاديين الأربعة المسلحين بالكلاشينات.
وقال الكاتب إن خبيرا فرنسيا في شؤون الأمن والاستخبارات أكد له أن "مشكلتنا هي في مبنى أسرتنا الاستخبارية".
ونقل ميلمان على لسان الخبير الأمني الفرنسي شرحه للخطأ الذي جرى في أجهزة الاستخبارات الفرنسية، قائلا:
في العام 2008 تم توحيد وحدات الاستخبارات في الشرطة (RG) وجهاز الأمن الداخلي (DST) في جسم واحد يدعى DCRI، تم تغيير اسمه في 2014 ليصبح DGSI ويتبع وزير الداخلية. وحسب الخبير، فقد كان المقصود من التوحيد هو أمر جيد: النجاعة في عمل جمع المعلومات، منع الازدواجية، وتطوير مستوى قدرة المتابعة للمشبوهين. أما عمليا، مع ذلك، فإن الهدف لم يتحقق.
وأضاف الخبير أن "هذا النموذج لا ينجح. فالـRG ركز في الماضي على المواضيع الكبرى، أي أساسا على التجسس المضاد، المتابعة للمجموعات الإرهابية الكبرى مثل القاعدة. في حين أن الـRG، الاستخبارات الشرطية، قام في الماضي بالعمليات الميدانية القذرة – التسلل بهويات خفية إلى المساجد، الاستماع إلى الأئمة ورفع التقارير الفورية عن ذلك. وكان هذا عمل منهجي، محبط وبطيء، ولكن كانت له نتائج".
وعلى حد قوله، فإنه "مع توحيد الأجهزة، ابتلعت وحدات الـ RG في المبنى الجديد ووقفت في ظل DST الذي رأى نفسه يوما كجهاز أرستقراطي لا يعنى بالصغائر. وقد "لوث" هذا المزاج كل المبنى الجديد. وللمفارقة، فإنه كلما تعاظم تهديد الإرهاب – ضعفت التغطية له".
ولم ينس ميلمان أن يحرض على العرب والمسلمين بطريقته الخاصة بالقول: "بالطبع مشكلة فرنسا ليست فقط مبنى أجهزتها السرية، بل أعمق بكثير. فرنسا، مثل كل أوروبا الغربية، بحاجة لأن تفهم أن عليها أن تغير نمط التفكير وأن تستوعب أنها توجد في حالة حرب في مواجهة من يهددون الحضارة والثقافة والتراث الخاصة بها. عليها أن تشرع قوانين أكثر تشددا ضد الإرهاب، وتوثق الرقابة على الهجرة، بل وربما سحب الجنسية من نشطاء الإرهاب".
وأضاف أن "عليها أن تؤكد اعتراف الجهاز القضائي بأن هذا صراع بين الثقافات".
فالحديث يدور عن سياق متواصل يستغرق زمنا إلى أن تتوافر التوازنات الصحيحة بين الحفاظ على حرية الفرد والمبادئ الليبرالية والقيم الديمقراطية، وبين حماية أمن الجمهورية، وفقا للكاتب.
وختم بالقول إنه "مثلما حصل في الولايات المتحدة بعد أحداث 11 أيلول 2001، فإن الحفاظ على الأمن في هذه الحالات سيؤدي بالضرورة إلى قيود معينة على حريات الفرد".