يعود مفهوم
المجتمع المدني إلى القرن السابع عشر في أوروبا، وعندما وضع الفلاسفة هذا المفهوم كانوا يقصدون به المجتمع الطبيعي أو مجتمع ما قبل الدولة وكان المفهوم السائد آنذاك أن المجتمع المدني أو المجتمع الطبيعي هو المجتمع الذي ينظم نفسه بعيدا عن الدولة.
مرَّ مفهوم المجتمع المدني بتطوراتٍ عديدة حتى بات يُعرف اليوم على أنه: جملة المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية و الثقافية التي تعمل في ميادينها المختلفة في استقلال نسبي عن سلطة الدولة وعن أرباح الشركات في القطاع الخاص، أي أن المجتمع المدني عبارة عن مؤسسات مدنية لا تمارس السلطة "بالمفهوم السياسي" ولا تستهدف أرباحا اقتصادية، حيث يساهم في صياغة القرارات خارج المؤسسات السياسية ولها غايات نقابية كالدفاع عن مصالحها الاقتصادية والارتفاع بمستوى المهنة والتعبير عن مصالح أعضائها، ومنها أغراض ثقافية كما في اتحادات الأدباء والمثقفين والجمعيات الثقافية والأندية الاجتماعية التي تهدف إلى نشر الوعي وفقا لما هو مرسوم ضمن برنامج الجمعية.
ويعرف أيضا على أنه مجموعة من المؤسسات المدنية والاجتماعية وجملة من القنوات، والمسارب التي يعبر بها المجتمع الحديث عن مصالحه وغاياته، ويتمكن من الدفاع عن نفسه في مواجهة طغيان المجتمع السياسي المتمثل بالدولة.
عناصر المجتمع المدني (كما جاءت في دليل العمل مع برنامج الأمم المتحدة لحقوق الإنسان):
1. المدافعون عن
حقوق الإنسان.
2. منظمات حقوق الإنسان (المنظمات غير الحكومية والرابطات ومجموعات الضحايا).
3. التحالفات والشبكات.
4. المجموعات القائمة على أساس ديني.
5. الاتحادات (النقابات المهنية).
6. الحركات الاجتماعية (حركات السلام وحركات الطلبة).
7. المهنيون الذين يساهمون مباشرة في التمتع بحقوق الانسان ( مثل العاملين الإنسانيين والمحامين والأطباء والعاملين الطبيين).
8. المؤسسات العامة التي تبذل أنشطة بهدف تعزيز حقوق الإنسان ( المدارس والجامعات والهيئات البحثية ).
مؤسسات المجتمع المدني في الوطن العربي:
طرحت مسألة (المجتمع المدني) في العالم العربي في الآونة الأخيرة من قبل نخبة واسعة من المفكرين والباحثين العرب، وبخاصة بعد التحولات العالمية المعاصرة منذ انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي مرورا بحرب الخليج الثانية، وبروز ملامح تكوين نظام عالمي جديد.
وقد ازداد الحديث عن المجتمع المدني ومؤسساته بعد ثورات الربيع العربي وذلك لارتباط فكرة المجتمع المدني بقيام الديمقراطية، ولكن يفند المفكر عزمي بشارة مقولة أن المجتمع المدني هو الذي يبني الديمقراطية بقوله: "إن الديمقراطية هي التي تفرز المجتمع المدني وليس العكس". فالدولة الشمولية لا تسمح بالتجمعات الطواعية التي تنشأ خارج سلطة الدولة وهذا ما يُفسر قصور عمل مؤسسات المجتمع المدني في
الوطن العربي.
نظرة على واقع المجتمع المدني في الوطن العربي:
إن المجتمع المدني العربي يعاني من قصورٍ واضح في الدول العربية والسبب في ذلك عائد إلى البنية الشمولية التسلطية للسلطات الحاكمة في البلاد العربية، وبتقسيم الدول العربية جغرافيا يتضح الآتي:
1. دول المغرب العربي: تنشط مؤسسات المجتمع المدني في دول المغرب العربي (نسبيا) دون غيرها من الدول العربية، وذلك بحكم قرب دول المغرب من الدول الأوروبية. وقد اتضح هذا الأمر جليّاً في الثورة التونسية، حيث كان للنقابات المهنية والعمالية دور هام في تحقيق أحد أهداف الثورة التونسية وهو إسقاط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي.
2. الخليج العربي والعراق: تكاد تنعدم مظاهر المجتمع المدني في هذه الدول إلا من وجود صوري لبعض النقابات المهنية والعمالية.
3. مصر: نشطت مؤسسات المجتمع المدني في مصر إبان حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك. وبالرغم من التضييق الواقع عليها من قبل النظام السياسي في مصر، إلا أنها نظمت عددا من المظاهرات والاعتصامات والإضرابات في عهد مبارك، وكان لها دور بارز في تنحية مبارك عن الحكم.
وقد بات وجودها اليوم صوريا بسبب القمع الذي تمارسه سلطات الانقلاب على الحريات كافة.
4. بلاد الشام (سوريا، الأردن، لبنان، فلسطين): لم يكن هناك وجودٌ يذكر لمؤسسات المجتمع المدني في سوريا إبان حكم عائلة الأسد.
تنشط مؤسسات المجتمع المدني نسبيا في الأردن دون غيره من دول بلاد الشام، ضمن سقف حرية محدود جدا، فيقتصر دورها في الغالب على المظاهرات المطالبة بزيادة الرواتب ونصرة الشعب الفلسطيني.
يتميز المجتمع اللبناني عن المجتمعات العربية المجاورة بالانفتاح والتحرر وبالنقابل يعاني من كثرة التجاذبات الطائفية والسياسية، كما أنه عانى من حرب أهلية طويلة أدت إلى تفكك الروابط الاجتماعية، وفي المحصلة فإن المجتمع اللبناني يتمتع بشيءٍ من (المدنية الأوروبية) على مستوى عدة مستويات دون المستويات السياسية.
ويفتقر المجتمع الفلسطيني إلى مؤسسات المجتمع المدني بسبب وجود الاحتلال الإسرائيلي.
مستقبل مؤسسات المجتمع المدني في الوطن العربي:
كثر الحديث في الأونة الأخيرة في الدول العربية عن المجتمع المدني ومؤسساته، وخصوصا بعد ثورات الربيع العربي، ولكن وعلى ما يبدو أن سمة الضعف والانعدام الملاصقة لمؤسسات المجتمع المدني في الوطن العربي ستبقى ملازمةً له في المستقبل القريب على الأقل، فالمنطقة اليوم تمر بمرحلة إعادة تكوين قد تطول، بالإضافة إلى أن الثورات المضادة في عددٍ من دول الربيع العربي نجحت في الانقلاب على الثورة أو على وشك، كما هو الحال في مصر و اليمن وليبيا.