إذا أردنا أن نفهم دوافع التوسع
الإيراني الحالي، فإنه لا بد لنا من أن نرجع إلى مبدأ تصدير الثورة الذي وضعه الخميني القاضي بتصدير "الثورة الإسلامية" إلى جميع الدول الإسلامية. فالثورة الإيرانية بنظر الخميني هي المخلص من الظلم والطريق نحو العلو والسمو.
بدأت إيران في عشرينيات القرن الماضي بتصدير ثورتها على استحياء. فحربها التي دامت مع العراق لمدة ثماني سنوات والخسائر التي تكبدتها جراء هذه الحرب واستقرار المنطقة نسبياً بعد حرب
الخليج الثانية فضلاً عن وجود العراق كقوة قومية على الحدود الايرانية، كانت جميعها عوامل تشكل جدار صد في وجه التوسع الايراني. وسقط العراق عام 2003 وتم تسليم الملف العراقي لإيران لتُعيّن بدورها حكومة عراقية تابعة لها تعمل على تنفيذ أجندتها وتحقيق أهدافها، ويقول الدبلوماسي الأمريكي بيتر دبليو غالبريث في كتابه "نهاية العراق": في العام 2006 وبعد الانتخابات العراقية جرت انتخابات في إقليم كردستان العراق وقد أُقيمت احتفالية في الإقليم بهذا الخصوص وكان من بين الحضور دبلوماسية أمريكية رفيعة المستوى بالإضافة إلى ضابط كبير في جهاز الاستخبارات الإيراني، وقد أعطيت الكلمة للضابط الايراني، وقال إنه "ليومٌ عظيم حيث يتمتع اليوم كل من اختارته إيران بالسلطة".. وشكل العراق أرضاً خصبة للوجود العسكري والمخابراتي الإيراني كما أنه شكل قاعدة لانطلاق العمليات الإيرانية في سوريا.
الأزمة السورية والتمدد الإيراني
تعود العلاقات السورية الإيرانية إلى العام 1979، وهو العام الذي تأسست فيه الجمهورية الإسلامية في إيران على يد الخميني.
ويعد محمد حسين منتظري (مؤسس الحرس الثوري الإيراني) باني هذه العلاقة. وكانت لدى منتظري رؤية مفادها أن الثورة الإيرانية الوليدة لا يُمكن أن تقف على قدميها إلا بالارتكاز إلى منظومة وثيقة من التحالفات مع كافة القوى التي تشاركها الأهداف الأساسية، وأن هذه التحالفات تُعد جزءا من الثورة ذاتها.
تشكل سوريا أهمية استراتيجية واقتصادية وجيوسياسية بالنسبة لإيران وبالإضافة لمبدأ "أكون أو لا أكون" جميعها عوامل جعلت إيران تشارك بمالها وسلاحها ورجالها للحيلولة دون سقوط بشار الأسد الأمر الذي جعلها تتحمل فاتورة باهضة أثرت على اقتصادها، فضلاً عن الفاتورة التي تدفعها جراء العقوبات الدولية التي فرضت عليها بسبب برنامجها النووي، ناهيك عن الدعم الإيراني المقدم لحزب الله الذي ارتفع بعد الثورة السورية وانخراط الحزب في الحرب هناك.
اليمن جبهة جديدة: جذور العلاقة بين الحوثيين وإيران
تعود العلاقة بين إيران والحوثيين إلى تسعينيات القرن الماضي حيث عمل الحوثيون في محافظة صعدة على إعادة إحياء مشروعهم الديني والمذهبي. وفي هذه الفترة برزت شخصيتان زيديتان هما بدر الدين الحوثي وابنه حسين، بصفتهما الراعيين الرئيسين لعقيدة الحركة الدينية السياسية التي أصبح أتباعها يعرفون "بالحوثيين". وقام بدر الدين الحوثي في العام 1992 بتأسيس تنظيم "أنصار الله" بهدف محاربة الحكومة
اليمنية ولم تنته الحركة بوفاة مؤسسيها.. على العكس فقد بقيت على النهج نفسه الذي رسم لها.
يتمتع حسن زيد الأمين العام الحالي لحزب "حق" بعلاقات طيبة مع "حزب الله"، بواقع جزئي أن إحدى زوجاته الثلاث هي لبنانية تشرف على مكتبه وتدير علاقاته الدولية. وكان حسن زيد قد قال في مقابلة أجراها معه الباحث مهدي خلجي (وهو باحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى): "نحن نعتقد أن الإمام الخميني كان زيديا بحق... ومن الناحية الدينية فإن اختلافاتنا مع حزب الله والحكومة الإيرانية طفيفة ولكننا متطابقان من الناحية السياسية".
ويقول "المرتضى المحطوري" ( وهو رجل دين زيدي ): "توفر الحكومة والمرجعيات الدينية الايرانية التدريب الديني والادوات التعليمية لليمنيين في البلدين "، وكان المحوطري قد طلب دعماً مالياً وتربوياً من جامعة " الديانات والطوائف " (وهي منظمة أُنشات قبل ثلاثة عشر عاماً تحت اشراف المرشد علي خامنئي).
ووفقاً لتصريحات ادلى بها " ستار عليزاده " ( رئيس منظمة الاوقاف والزكاة في محافظة مازندان ) في عام 2014: " كان خامنئي قد امر بتجديد ضريح الإمام الناصر للحق ( وهو إمام زيدي من القرن التاسع عشر مدفون في إيران ) لتعزيز العلاقات بين اليمن وايران.
وقد تم التأكيد ايضاً على العلاقة بين الحوثيين وايران في مقابلة اجرتها وكالة " فارس " ( التابعة للحرس الثوري الإيراني ) مع عبد المجيد الحوثي ( زعيم حركة انصار الله ) قال فيها: " يتوقع اتباع انصار الله ان تعمل جمهورية ايران الاسلامية وغيرها من البلدان على تقديم الدعم لهم وللشعب اليمني... إن الثورة في اليمن مستوحاة من الثورة الإسلامية في إيران ".
تعد هذه التحركات والتصريحات اشارة واضحة لوجود تقارب ايراني وحوثي بالاضافة إلى انفتاح حوثي تجاه السياسة الخارجية الايرانية التي تسعى إلى السيطرة على المنطقة لتحقيق مبدأ تصدير الثورة.
الفاتورة ثقيلة
في عام 2012 استهدفت العقوبات الدولية قطاع الطاقة الايراني الذي يمثل العصب الاساس للاقتصاد الايراني وقد عانى الاقتصاد الايراني الكثير جراء هذه العقوبات، فقد ادت العقوبات إلى تقويض تجارة النفط الايراني بشكلٍ كبير.
واثر انخفاض اسعار النفط في الاسواق العالمية تأثيراً مباشراً وكبيراً على الاقتصاد الايراني حيث تشير التوقعات وتظهر التوقعات بلوغ عوائد تصدير النفط الإيراني نحو 25.92 مليار دولار فقط في العام المالي المقبل، على أساس احتساب أسعار النفط عند مستوى 60 دولارا للبرميل، وتصدير نحو 1.2 مليون برميل يوميا دون احتساب سعر تكلفة برميل النفط. ويقول باول سيليفيان، أستاذ الاقتصاد في جامعة جورج تاون الأميركية والمختص بشؤون الشرق الأدنى، "احتسبت الحكومة الإيرانية أسعار النفط في ميزانيتها عند مستويات مرتفعة للغاية مع استمرار الهبوط في أسعار الخام، وهو ما يكبد خزينة الدولة خسائر فادحة ستدفعها لا محالة إلى السحب من الاحتياطيات الأجنبية بعد الرفع الجزئي للعقوبات المفروضة عليها جراء برنامجها النووي الذي يعتقد الغرب أنه مخصص لأغراض غير سلمية".
وبلغت قيمة الاحتياطيات الأجنبية لإيران بنهاية نوفمبر الماضي نحو 62.2 مليار دولار.
كما ان "توجهات الحكومة أيضا نحو الإنفاق على مجالات لا تمس المواطن الإيراني، أحد أكبر العوامل التي قد تؤجج المشاكل الاقتصادية. لديهم جبهات كثيرة ينفقون فيها أموال الشعب، سواء كان في سوريا أو العراق أو اليمن".
وفي تلك الأثناء، تخطط الحكومة لرفع الضرائب على الإيرانيين، من خلال ضريبتي الدخل والقيمة المضافة، لسد العجز المتنامي في ميزانيتها. وتظهر أرقام الميزانية الإيرانية ارتفاعا في قيمة العائد من الضرائب بأنواعها المختلفة بنحو 22.6%، مقارنة مع العام المالي الحالي الذي سينتهي في نهاية مارس المقبل. وبلغت العوائد المتوقعة من الضرائب خلال العام المالي المقبل 861.1 تريليون ريال أو 31.8 مليار دولار، مقارنة مع 702.5 تريليون ريال و25.9 مليار دولار في العام المالي الحالي.
ويقول فالتر بوش، الخبير بالشؤون الإيرانية في معهد الدراسات السياسية والأمنية في برلين "إن استمرار الهبوط في أسعار النفط يجعل إيران الطرف الضعيف في مفاوضاتها مع القوة الدولية بشأن برنامجها النووي، حيث إن خسائر الاقتصاد الإيراني من هبوط الأسعار تتعدى بكثير خسائره من العقوبات الدولية المفروضة عليه".
إتساع جبهات الحرب والفوضى التي تشارك فيها إيران سيحملها اعباء كبيرة لن تستطيع ايران ان تجاريها في المستقبل القريب فبالاضافة إلى العراق وسوريا ولبنان انضمت اليمن إلى القائمة
ويضاف إلى ذلك تعثر مفاوضات ايران مع الدول الست الكبرى بخصوص برنامجها النووي وفي هذا الخصوص يقول يقول فالتر بوش،( الخبير بالشؤون الإيرانية في معهد الدراسات السياسية والأمنية في برلين )"إن استمرار الهبوط في أسعار النفط يجعل إيران الطرف الضعيف في مفاوضاتها مع القوة الدولية بشأن برنامجها النووي، حيث إن خسائر الاقتصاد الإيراني من هبوط الأسعار تتعدى بكثير خسائره من العقوبات الدولية المفروضة عليه".
وهذا ما يعد ايذاناً بإنكماش ايران اقليمياً وينذر بإنفجار وضعها داخلياً