دفعت حالة المأساة الكبرى التي يعاني منها أهل قطاع
غزة، بعض الفرق الفنية للتعبير عنها بقالب كوميدي ساخر، علهم يوصلون رسالة الإنسان الغزاوي المحاصر بأحقيته في العيش بكرامة وحرية، في محاولة للتنظير على مختلف القضايا الاجتماعية السلوكية الخاطئة من أجل التغيير.
ووجدت الفرق الفنية في انقطاع الكهرباء، وإغلاق المعابر، وشح الوقود، والتجاذبات السياسية بين الأحزاب والفصائل سبيلاً للنقد الساخر، ومحاولة لوضع كل مسؤول عند مسؤوليته بأسلوب كوميدي يؤدي دوره بجدارة في كسر حاجز
الصمت.
قضايا جوهرية
ويعد برنامجي "بس يا زلمة"، و"بلدي يا غزة"، الأكثر انتشاراً على صعيد قطاع غزة، لمحاولتهما وصف الواقع الفلسطيني تفصيلياً بقضاياه الشائكة وسلوكياته الغريبة في بعض الأحيان، كما يقول فريق "بس يا زلمة"، بطريقة مضحكة فيما عرف بـ"
الكوميديا السوداء".
وقال محمود زعيتر الذي أنتج وفريقه أكثر من مئتي حلقة من "بس يا زلمة": "نحاول أن نطرح قضايا المجتمع المؤلمة بشيء من الكوميديا التي تصل إلى حد السخرية من الواقع المعاش؛ أملاً في تنبيه أصحاب القرار لتغييره".
وقد عالج برنامج "بس يا زلمة" سلوكيات خاطئة تنبه لقضايا جوهرية في المجتمع الفلسطيني، كـعمالة الأطفال وصمود الغزيين في الحروب وغيرها.
وأوضح زعيتر في حديثه لـ"عربي21"، أن فريقه يعتمد في فكرة العمل على مخاطبة الجمهور وجهاً لوجه، بدلاً من اللجوء إلى العمل الدرامي الذي يحتاج لإمكانيات لوجستية وفنية أكبر.
رصد السلوكيات الخاطئة
وليست السلوكيات الخاطئة وحدها مادة العمل في فن "الكوميديا السوداء"، بل يضاف إليها القضايا السياسية الداخلية، وتلك التي فرضها واقع الاحتلال الإسرائيلي.
في هذا المجال برز فريق "بلدي يا غزة"، الذي أنتج عدة حلقات وجه فيها رسالة للعالم بأن غزة رغم كل شيء تبقى بؤرة الاهتمام الأولى.
وأكد الفنان نبيل الخطيب مدير مؤسسة بيت الفن أنه يحاول وصف قساوة الحياة التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي والمجتمع الدولي على أهالي القطاع، وإبراز ضرورة الالتفاف حول خيار الوحدة، للنأي بالمزيد من الألم عن المواطن الغزي.
وأضاف الخطيب لـ"عربي 21" أن "
هموم الوطن والمواطن مادة خصبة للخروج بحلقات تخترق العمق"، منبهاً إلى "ضرورة منح هذا النوع من الفن هامش حرية أعلى للتنظير حول المزيد من القضايا السياسية، التي أفرزت حالة من الوجع، يتلقى ضرباتها المواطن الذي يطحن في رحى التجاذبات والاختلافات السياسية".
هامش الحرية المسموح
وتواجه الفرق الفنية الشبابية التي تعشق هذا النوع من الفن العديد من التحديات، تبدأ بحداثة التجربة ولا تنتهي عند هامش الحرية المسموح به في تناول القضايا التي تمس الجهات المسؤولة.
في ذلك، أفاد زعيتر أن "الإمكانيات المادية والفنية المتاحة لهم "ضئيلة جداً، ويتم توفيرها بجهود ذاتية".
من جانبه شدد الخطيب على ضرورة أن "يكون للفنان الحرية في تناول الموضوعات والقضايا بالطريقة الأقرب إلى توصيل الرسالة بعيداً عن الرقابة".
بدوره أكد الكاتب والأديب الدكتور كمال غنيم نجاح التجربة الغزية في فن "الكوميديا السوداء".
وقال في حديث لـ"عربي 21":" إن حالة الوجع والحزن الشديدين، كانت سبباً في لجوء بعض الفرق الفنية بغزة إلى هذا النوع من الكوميديا؛ لتوجيه رسائل معينة تثير الضحك ولكنها تنبه لقضايا مصيرية وحساسة جداً، يترتب عليها الحفاظ على أرواح وممتلكات ومقدرات الأفراد".
الحقوق المنزوعة
وأضاف غنيم قائلاً: "تناول الشباب القائمين على تلك البرامج للأفكار والقضايا التناقضية في المجتمع بطريقة ساخرة، يعبر عن اهتمامهم الكبير بها في محاولة لإبرازها بطريقة مضحكة، لإحداث تأثير مقصود في نفوس المشاهدين بالإعراض عن بعض الممارسات أو تأكيد بعض الحقوق المنزوعة تحت سطوة الحكم أو الاحتلال".
وطالب غنيم "بضرورة فتح المجال أمام الفنون كلها للتعبير عن التناقضات، التي يفرزها المجتمع على الأصعدة كافة السياسية والاجتماعية والإنسانية والاقتصادية".
وأكد أن "العمل الدرامي ببعده الكوميدي أو التراجيدي، أكثر الفنون صراحة وقدرة على سبر أغوار الواقع والتنظير على قضاياه المختلفة".
ورأى غنيم أن "حرية عرض القضايا المفصلية، وقرع أجراس المسؤولية تجاهها باتت مكفولة بوسائل الاتصال الحديثة من إنترنت وما يحتويه من وسائل تواصل اجتماعي"، مبيناً أنها "تضمن وصول الرسالة بأسرع وقت، والتفاعل معها بسهولة".