قال ضابط عراقي كبير إن
إيران باتت الآن "أكثر صراحة في كشف أدوارها الميدانية، وفي الإعلان عن أهدافها غير عابئة بردود الفعل العربية أو برد الفعل الداخلي من الوسط السني"، حيث أن مسؤولين إيرانيين عديدين، دينيين وسياسيين وعسكريين، كشفوا تفاصيل الاستراتيجية الإيرانية تجاه المنطقة والعالم، وكأن إيران القوة الوحيدة في العالم.
وربما هذا السلوك يعد أكثر التطورات اللافتة في القبول الأمريكي للدور الإيراني، وخاصة مع استمرار إطلاق طهران على الولايات المتحدة وصف "الشيطان الأكبر". فالولايات المتحدة لا تتعامل مع الشعارات الموجهة إلى بيئة سياسية مخدرة، وإنما تتعامل مع ما يجري في غرف النوم الخلفية من تفاهمات وما يطرح فيها من مساومات تسبق لحظة عقد صفقة الاتفاق النهائية على تقاسم مناطق النفوذ والثروات وتأمين طرق إمدادات النفط.
وقد حصل كل هذا بعد أن همشت الولايات المتحدة وإيران بصورة مشتركة أو كل من جانبه وبأساليبه الخاصة دور الدول العربية التي كانت تصنف نفسها كدول حليفة للولايات المتحدة التي لن تخذلها أو تغدر بها كما فعلت مرات ومرات مع حلفائها وأصدقائها السابقين، مثل شاه إيران والحكام العرب المحسوبين عليها والذين رحلوا مع بدايات الربيع العربي.
ومن مفارقات السياسة الأمريكية أن الرئيس السوري بشار الأسد المعادي لأمريكا وإسرائيل، كما يعلن، بقي متحديا كل شعارات حقوق الإنسان التي تتغنى بها واشنطن، في حين رحل حسني مبارك وزين العابدين بن علي وعلي عبد الله صالح.
أما هادي العامري قائد فيلق
بدر الذي تأسس في إيران في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 1982 من عدة آلاف من الأسرى "التوابين"، فقد اختصر بعبارة "لولا إيران لكانت حكومة العبادي حكومة منفى"؛ ما كان يتردد على ألسنة زعماء التحالف الشيعي الحاكم في
العراق على استحياء أو في الغرف المغلقة، ولم يكن أحدهم ليرغب في التصريح به علنا، لا سيما أن موضوع التدخل الإيراني في الشأن العراقي خصوصا والعربي عموما؛ كان محل نفي قاطع من قبل الزعامة الإيرانية نفسها، وذلك خشية استثارة ردات فعل أمريكية غاضبة أو عربية صامتة.
لكن إيران ومع الوقت بدأت تتوصل بالتحليل السياسي أو في غرف المفاوضات السرية مع الأمريكيين؛ التي كانت قد بدأت لأول مرة بين الطرفين في المنطقة الخضراء ببغداد في شهر أيار/مايو 2008 بهدف التنسيق المشترك بشأن تطورات الحالة الأمنية في العراق، إلى أن التحفظ الأمريكي على الدور الإيراني في العراق والمنطقة كان يشبه كتلة ثلج سرعان ما تتلاشى مع أول حرارة في الود الخفي أو المعلن بين واشنطن وطهران.
يقول باحث عراقي مهتم في الشأن الأمريكي مقيم في عمان، إن الولايات المتحدة كانت ترى في إيران ثورا خرج من حظيرتها وتسعى بكل الوسائل لاستعادته، حتى لو حصلت تنازلات مشتركة من الطرفين تؤدي إلى الالتقاء عند منتصف الطريق، وإن الولايات المتحدة باتت على قناعة تامة بأنها وإيران تلتقيان في شن الحرب على عدو واحد هو "الدولة الإسلامية"، لهذا لم تجد إيران بعد هذا التطور في فهم إدارة الرئيس الأمريكي أوباما لأهمية الدور الإيراني في هذه الحرب، أن تظهر المزيد من دورها السابق في العراق.
كما يؤكد ضابط عراقي كبير، كان يشغل منصبا عسكريا مهما في الجيش العراقي الذي حله بول بريمر، أن حجم الدور الإيراني في العراق لم يتغير كثيرا، فقد حافظ على نفس المستوى من قوة الوجود المباشر، وإن كان قد أصبح أكثر بروزا وعلانية عن الفترة السابقة.
هادي العامري في كلمته أمام "مؤتمر الوحدة الإسلامية" في طهران لم يتكلم بصفته الشخصية، كما أنه لم يتكلم كمسؤول عراقي، فقد كان كل واجبه وباختصار شديد، أن يوجه رسائل إيرانية إلى الدول العربية التي ربما لم تفهم ما جاء في تصريحات الجنرال حسين سلامي نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني أو تصريحات رئيس الأركان الإيراني عن حقيقة الدور الإيراني في المنطقة، وأخيرا ما جاء على لسان علي خامنئي مرشد الثورة الإيرانية، عندما قال: "ساعدنا فلسطين والدول العربية الأخرى وسنفعل ذلك مستقبلا"، وكأنه يريد أن يقول: لن نتوقف عن التدخل في شؤون المنطقة.