تهدد الفوضى في
اليمن العلاقات الأمريكية مع هذا البلد، التي قامت على أساس محاربة الإرهاب. فمنذ 15 عاما وواشنطن تنظر إلى اليمن، من خلال منظور الأمن، الذي سبق الأولويات الأخرى المتعلقة ببناء الدولة. واعتبرت واشنطن اليمن الساحة التي تقود من خلالها الحملة ضد الإرهاب المتمثل بتنظيم
القاعدة.
وتقول صحيفة "الغارديان" البريطانية إنه مع استقالة الرئيس الذي دعمته واشنطن، وهو عبد ربه منصور
هادي، ووصول الميليشيات الحوثية إلى السلطة، وانتشار الفوضى في البلاد، يجد الأمريكيون أنفسهم دون حلول.
وتضيف الصحيفة أنه بعد توسيع الحوثيين الشيعة لسيطرتهم على العاصمة الأسبوع الماضي، بعد أشهر من الحرب الأهلية وسنوات من الفساد وغياب القانون، دخل مقاتلو الجماعة القصر الرئاسي يوم الثلاثاء، وهو ما دفع بالرئيس اليمني وحكومته لتقديم استقالتهم يوم الخميس.
ويجد التقرير أنه بسبب ضعف المؤسسات وتراجع الدعم السعودي سقطت الحكومة سريعا. ولهذا السبب وضعت استقالة هادي وغياب الحكومة عن الساحة العلاقات الأمريكية- اليمنية أمام منعطف غير واضح، وهو وضع لم تشهده العلاقات منذ تفجير البارجة الحربية الأمريكية "يو أس أس كول" قرابة الشواطئ اليمنية عام 2000، الذي نفذه تنظيم القاعدة. ومنذ ذلك الوقت توسع تأثير تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وأبدت حضورا واسعا وقويا في جنوب البلاد.
وتنقل "الغارديان" عن الباحث في شؤون الأمن القومي في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، ميكا زينكو، قوله: "عندما يكون لديك تركيز مثل أشعة الليزر على (مكافحة الإرهاب)، فبالتأكيد سيؤثر هذا على وجهة نظرك".
ويشير التقرير إلى أنه أثناء فترة حكم هادي، وقبل ذلك أثناء حكم علي عبدالله صالح، شنت الولايات المتحدة 107 هجمات بالطائرات دون طيار (درون) على مواقع لتنظيم القاعدة في اليمن. وترك الشمال اليمني لطبقة سياسية ضعيفة، التي ظلت عرضة لتمدد حركة الحوثيين.
ويضيف زينكو للصحيفة "إن الأثر الأكبر على تمدد الحوثيين سيكون على المستويات الأمنية، التي تظل غامضة بالنسبة للمراقبين الخارجيين".
ولاحظ زينكو أن الولايات المتحدة لم تشن أي هجمات على اليمن منذ تشرين الثاني/ نوفمبر، وهذا راجع على ما يبدو "إلى تراجع المعلومات التي يقدمها المخبرون؛ نظرا لانشغال المخابرات اليمنية في مهام أخرى". وعليه، فالمهام ضد تنظيم القاعدة في اليمن تعتمد إلى درجة ما على طبيعة عمل المخابرات الأمريكية، واتصالاتها اليومية مع القوى الأمنية اليمنية، بحسب الصحيفة.
ويلفت التقرير إلى أن سيطرة الحوثيين على القواعد العسكرية الاستراتيجية في اليمن جزئيا أو كليا لا تزال آثارها غير واضحة على العمليات.
وتشير الصحيفة إلى رد المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، الذي سئل عن انهيار الحكومة اليمنية، وأجاب بأن الحوثيين والأمريكيين هم أعداء مشتركون للقاعدة، ولكنه أضاف بأن الإدارة تقوم بتحليل التطورات.
ويبين التقرير أن الحكومة الأمريكية قامت يوم الجمعة بتخفيض عدد العاملين في السفارة الأمريكية في صنعاء. ويخشى صناع السياسة في كل من بريطانيا والولايات المتحدة من فراغ في السلطة شبيه بالذي حدث في كل من سوريا والعراق، حيث انتعشت الجماعات الجهادية.
وتنقل الصحيفة عن مسؤول غربي في المنطقة قوله: "إن تنظيم القاعدة في اليمن كان يتراجع ويواجه أزمة وجودية، لكن صعود الحوثيين قدم له الفرصة الذهبية"، وبدأ التنظيم يقدم نفسه على أنه الطرف الوحيد القادر على وقف الحوثيين، ويحاول مواصلة المعركة التي تبحث عن السلطة والمال وحيازة الأراضي.
وتقول الصحيفة: "إن تنظيم الدولة الإسلامية على قائمة المحاربين الذين يحافظون على العاصمة في الليل، وقاموا باختراع القنابل المصنعة محليا، ومن خلال مجلة (إنسباير) تعد القاعدة قوة من الرجال المسلحين ممن هم يقومون بعمليات بطريقة فردية".
ويورد التقرير تأكيد الخارجية الأمريكية والبيت الأبيض أن التعاون مستمر في مكافحة الإرهاب، رغم الفوضى التي يشهدها اليمن، وهو ما أكده المتحدث باسم إدارة أوباما جوش إرينست، الذي قال إن إدارة أوباما استثمرت في الحكومة اليمنية "ولا نزال نواصل التعاون القوي في مجال مكافحة الإرهاب مع البنية الأمنية هناك"، أما المتحدثة باسم الخارجية، جينفر بساكي، فقد فقالت إن واشنطن تقوم باتصالات مع عدد من المسؤولين هناك، ولا تزال تتعامل مع هادي على أنه رئيس شرعي للبلاد.
وتذكر الصحيفة أن الخبراء يقولون إن ما يهم الولايات المتحدة هو العلاقة مع "الدولة العميقة" والقوات الأمنية والاستخبارات، التي تفوق قوتها وتأثيرها أي قوة هناك. وتقدر قيمة المساعدات الأمريكية لليمن بحوالي 45 مليون دولار للشؤون غير الأمنية. ولكن الولايات المتحدة قدمت مساعدات أخرى للقوى الأمنية.
وتخلص "الغارديان" إلى أنه سواء ظلت أمريكا على اتصال مع القوى الأمنية أو وقعت هذه تحت سيطرة الحوثيين، فإن هذا أمر سيقرر بقاء المستشارين الأمريكيين هناك، الذين ساعدوا نظراءهم اليمنيين على بناء قوة، وقدموا لهم أموالا لشراء مروحيات ومناظير ليلية وطائرات نقل وأجهزة رقابة.