دأب السيد
عمر الحاسي، رئيس وزراء حكومة الإنقاذ بطرابلس، على التبشير باتصال وتواصل وحتى دعم من الأطراف دولية مهمة. وكشف الحاسي في لقاءات صحفية عدة خلال الشهرين الماضيين عن اجتماعات مع ممثلين لحكومات الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا، واعتبرها تمهد لما بعدها فيما يتعلق بموقف الأطراف الغربية من حكومته.
ويُفهم من حرص الحاسي تأكيد التواصل مع الأطراف الغربية لما يمثله ذلك من دعم لحكومته، وطمأنة للرأي العام المناصر، ومحاولة لإرباك القاعدة المؤيدة للبرلمان وللحكومة المؤقتة، بحيث تتجه بأنظارها إلى حكومة الحاسي وتنقل تأييدها لها.
مما لا شك فيه أن هناك اتصالاً وتواصلاً مع أطراف غربية مهمة، والسؤال هنا: هل يُقرأ هذا التواصل في إطار التمهيد للاعتراف بحكومة الإنقاذ، أم إنه يأتي في سياق جس النبض لأغراض أخرى غير الاعتراف، أو التعاون لأجل المساعدة في تخفيف الوضع الإنساني، الذي لا يعني بحال اعترافاً أو التمهيد للاعتراف؟
عمر الحاسي قطع بأن هذا التواصل يصب في خانة التمهيد للاعتراف بحكومة الإنقاذ، وربما استند الحاسي على تصريح أو تلميح من هذه الأطراف بشكل منفرد أو على سبيل الحث لمماهاة الأطراف الدولية في رؤيتها لحل الأزمة. لكن لا دليل قوي على نوايا الأطراف الغربية الاعتراف بحكومة المؤتمر الوطني العام، ومن الواضح أن الحاسي قد تأول التواصل والاتصال واعتبره تمهيداً للاعتراف بحكومته، ويؤكد أنه متأول ما قدمه عرض تحليلي للربط بين بعض الأطراف التي تعمل في وزارة العدل الأمريكية، وأن الاتصال بالمؤسسة العدلية عادة ما يسبق ويمهد للعلاقات المباشرة.
رد الفعل من الأطراف المهمة وفي مقدمتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كان واضحاً، حيث جددا موقفهما بعدم الاعتراف بحكومة عمر الحاسي، وأكدت الخارجية الأمريكية في بيانها الصحفي الصادر في 26 يناير أنها لا تعترف بحكومة الإنقاذ، وأنها ليست على اتصال بأي شخص "يزعم" أو "يدعي" أنه مخول من عمر الحاسي أو حكومته؛ فالأمريكان لم يكتفوا بتأكيد عدم الاعتراف بل نفوا بشكل جازم وقوع أي تواصل مع الأول.
صياغة بيان الخارجية الأمريكية يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنه رد مباشر على ما جاء في المؤتمرين الصحفيين لرئيس حكومة الإنقاذ يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، حيث ورد في كلام الحاسي أن حكومته على تواصل مع شخصيات مخولة من الحكومة الأمريكية للتعاون مع حكومته وذكر بعضهم بالاسم، دون أن ينفي أنهما يعملان في إطار تقديم المعونة الإنسانية.
تعقيدات المشهد السياسي الليبي قد تصعب من تفسير طبيعة الاتصالات الجارية بين حكومة الإنقاذ وممثلين له، ولو عبر مؤسسات غير سيادية للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبعض العواصم الأوروبية، لكن المعرفة بالطبيعة البراغماتية للسياسة الخارجية الأمريكية والأوروبية والثقل الذي تمثله حكومة الإنقاذ على مستوى الجيوبوليتيك الليبي، يقود إلى القول بأن الأطراف الغربية تقترب بشكل غير مباشر من حكومة الإنقاذ، لكنها لا تريد أن يكون هذا الاقتراب اعترافاً أو دعماً ولو غير مباشر، لما قد يترتب على ذلك من آثار سلبية على الحوار الجاري في جنيف، إذ ربما تتخوف تلك الأطراف من ردة فعل عكسية من البرلمان تؤدي إلى مقاطعته للحوار.
من جهة أخرى، فإن الاعتراف بحكومة الحاسي سيربك المسار الذي تعمل الأطراف لتثبيته وهو التوافق على حكومة ائتلافية بعيدة عن طرفي الصراع.
لكن من المؤكد أن حكومة الحاسي قفزت في تأويلها خطوات إلى الأمام، وتسرعت في الإعلان عن قرب الاعتراف بها من الأطراف الغربية، الأمر الذي حدا بالأخيرة للرد بحزم عن عدم تبدل موقفها أو تطور في سياساتها تجاه حكومة عمر الحاسي، الأمر الذي ربما يضع السيد الحاسي وحكومته في مأزق بسبب الخطاب الابتهاجي حول العلاقة مع الأطراف الغربية الفاعلة، ويسهم في تعزيز الموقف الرافض لسياساته والمتحفظ على أدائه داخلياً.