لم أجد مبرراً بعد التسريب الأخير، لأن أمارس سياسة "جلد الذات"، كما فعل البعض، لأن "البتاع"، صاحب التسريب، تعامل مع قادة دول الخليج على قاعدة: "حسنة وأنا سيدك"، فدول الخليج عند جماعة الانقلاب مع تمويلها لهم هي مجرد "أنصاف دول"!.
هناك من اعتذر عن هذه النظرة المتعالية، والانتهازية، من قبل "البتاع" الذي قام بخيانة رئيسه المنتخب، وتبين بعد التسريبات أن الخيانة تجري في عروقه مجرى الدم، فمن وقفوا معه وساندوه، ينظر إليهم هو ومدير مكتبه، نظرة سائق التاكسي الانتهازي، عندما يشاهد في مطار القاهرة، من يرتدي جلباباً، ويضع عقالاً فوق رأسه، فيعتقد أنه قد عثر على "مغارة علي بابا"!.
"البتاع" لا يمثلني حتى أصيب بالحرج من نظرته اللصوصية وهو يتعامل مع بعض دول الخليج، فليس صحيحاً البتة، أن "الأموال المتلتلة"، التي جاءت من بعض هذه الدول، كانت للشعب
المصري. فالصحيح، أن هذا المال قدم لتخريب دول الربيع العربي، والانقلاب على إرادة الشعب المصري، وتقديم بلادنا على أنها دول فاشلة بسبب الثورة. حتى وإن أضر من ساندوا الانقلاب العسكري في مصر بأمن بلادهم القومي، بعد أن ساندوا الحوثيين، ضد الثورة اليمنية، وليضربوا بهم الأغلبية الاخوانية، فإذا بالنار تحرق ثيابهم هم، بتمكينهم للنفوذ الإيراني في المنطقة.
"المال الخليجي" الذي وصل للقاهرة، بعد الانقلاب العسكري لم يكن في الواقع لمساندة الشعب المصري وانتشاله من الفقر، ولكنه قدم لمساعدة "البتاع"، فلم تضع الدول المانحة، أجندة لإنفاق هذا المال، الذي أثبتت التسريبات أنه لا يدخل البلاد عبر القنوات الشرعية، ولكن عبر "مكاتبنا" في الخارج، أي مكاتب "البتاع" ومدير مكتبه، كما أن هذه الدول انتقمت من المصريين الذين لهم رأي معارض للانقلاب، وقامت بإجلائهم من أراضيها، على نحو كاشف بأن الشعب المصري ليس مستهدفاً بهذه المنح والعطايا، وبشكل يدفعنا للاعتذار لنظرة الاحتقار التي تحكم أداء "البتاع" مع قادة هذه الدول!.
وفي علاقات مصر بجيرانها، لم تمر علينا سوى تجربتين في التفريق بين الشعب المصري وحكامه، الأولى كانت في العراق، إبان حكم الرئيس صدام حسين، والثانية نعيشها بأنفسنا في الدوحة.
وفي الأولى لم تكن خصومة السادات، ومن بعده مبارك، مع الرئيس العراقي سبباً في سوء معاملة المصريين هناك، أو تخلياً عن حصانة منحها صدام حسين للمصريين فصاروا يتعاملون في بغداد على أنهم في قراهم.
أما الثانية، فلم يكن عداء نظام مبارك للدوحة، وتطاول إعلامه عليها سبباً في الإضرار بمصالح المصريين العاملين في قطر، كما أن الهجوم الحالي ومنذ وقوع الانقلاب على حكام البلاد، وتجاوزه حدود اللياقة والأدب عبر فضائيات الثورة المضادة، لم يؤثر على حقوق المصريين في قطر، وانتهز كثيرون من العاملين فيها، هذا التمييز بين مصر الشعب، ومصر السلطة، فبالغوا في إظهار تأييدهم للانقلاب، فتوافدوا على السفارة المصرية في الدوحة للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية وانتخبوا "البتاع" رئيساً، وحرصوا على أن تلتقط لهم الصور وهم يؤدون "الواجب الوطني"، مع أنهم لم يفعلوا هذا في أول انتخابات حقيقية عرفتها مصر في طول التاريخ وعرضه، بعد ثورة يناير عندما انتزعت الإرادة من الحكم العضوض لتصبح للشعب صاحب السيادة.
الصور الملتقطة والمنشورة على صفحات التواصل الاجتماعي، كانت في الواقع موجهة لسلطات الأمن في المطار، لاسيما وأن من التقطت لهم يعلمون أن البلد الذي يعيشون فيه، لا يخلط بين تصرفات سلطة مجنونة، والشعب المصري، لتصبح قطر هي الدولة الخليجية الوحيدة، التي لا تتدخل في خيارات المصريين، ولا توقع ضرراً بمصري بسبب انحيازاته السياسية.
الخلاصة، فلست مديناً لمن تعامل معهم "البتاع" باستهانة، ففي الواقع أن هذه هي نظرة العسكر لدول الخليج، وهي نظرة تحمل قدراً هائلاً من الاحتقار، تجلت في معاملة عبد الناصر مع القادة السعوديين، وفي نظرة السادات للقادة الخليجيين بعد توقيعه لاتفاقية كامب ديفيد ومقاطعتهم له: مجرد " أنصاف دول". أما المخلوع فقد تعامل مع الخليج على انه مجرد بئر بترول يمشي على الأرض، وأنه "نهيبة". وليس هناك جديد في تعامل "البتاع" ومدير مكتبه، بانتهازية، وهو لا يحمل تقديراً للدول المساعدة له في جلساته الخاصة، وينظر على ما يحصل عليه منها على أنه "اتاوة"، فيأخذ بدون شكر أو تقدير، مع أنه لولا "المال الخليجي" لما صاروا يسبقون اسمه بلقب "الرئيس"!.
ما يعنيني في هذا الأمر هو هذا "المستوى" الذي يلامس الحضيض، عندما أسمع لما دار بين "البتاع"، وصاحبه، فيأسف المرء لأن يصير هذا "البتاع" هو حاكم مصر، الذي جرى تقديمه طيلة الفترة الماضية، على أنه زعيم يليق بمصر، وأنه عبد الناصر، والمسيح، وأعظم قائد عسكري بعد أيزنهاور، وعلى أساس أن الرئيس الشرعي محمد مرسي كان "فلاحاً" لا يليق بمصر التي تستحق زعيماً، فإذا بزعيمهم هو "البتاع"، الذي يدير علاقات مصر بالدول الخليجية، كما لو كان يخطط لسرقة "الغسيل" من "البالكونة" المواجهة.. والتخطيط جاء في حوار مفكك، تم الإسراف فيه في استخدام كلمة "البتاع" من قبل مدير مكتبه، وهو يحمل رتبة الجنرال، لنكتشف في هذا الحديث على قصره أن كلمة "البتاع" متعددة الاستخدامات. فتارة تعني حرب تحرير الكويت، وأخرى اسم مسؤول خليجي، وثالثة يقصد بها المساعدات المالية!.
وهو حديث ذكرنا بأدوار الفنان يونس شلبي، من أول "منصور عبد المعطي" ابن الناظر في "مدرسة المشاغبين"، إلى "عاطف" في "العيال كبرت"!.
ما يخصني هنا في علاقات "البتاع" مع دول الخليج التي ساندته، هو النصيحة لوجه لله، بأن يقوموا بالرقية الشرعية لأموالهم، فالعين فلقت الحجر كما ورد في الأثر، وقد وصف "البتاع" أموالهم بأنها "كالرز" ووصفها صديقه بأنها "متلتلة"، بمعنى متراكمة، من "تلتل، يتلتل، تلتلة"، وما دامت الأموال "متلتلة" فهي "حلال بلال" في ثقافة أمثال "البتاع"، وقديماً قال ابن أبيه "مال الكُنزي للنزهي"، فيفوز باللذات كل مغامر.
ولابن أبيه مقولة أخرى وهي: "من يأكل لوحده يزور". وهذه المقولات التي تؤسس لفكر الاستحلال عند عبد الفتاح السيسي، تنتج شخصية "الشحات"، أو المتسول، الذي يريد أن يأكل "فينو"!.
فهل كان "أيزنهاور"، "بتاعاً" أيضاً!
[email protected]