لم يعد أمام المحاصرين في مدينة
حديثة، الواقعة غرب محافظة
الأنبار بالعراق، إلا طهي ورق الأشجار حتى يبقوا على قيد الحياة، بسبب النقص الحاد في المؤن الغذائية، والمواد الأساسية كالسكر والدقيق والأرز، من كافة المتاجر في المدينة.
وتشهد "حديثة" حصارا مطبقا منذ أكثر من عشرة أشهر أو ما يزيد، ما اضطر السكان إلى اللجوء لحدائق منازلهم والبساتين القريبة لجمع ما زرع في الأرض، بالإضافة إلى أوراق الشجر وطهيها وجبةً غذائيةً لسد رمقهم.
الجوع والعطش
ويصف "أبو يوسف" أحد مواطني المدينة حال الأهالي بأنهم يعانون الجوع والعطش، مبينا أن آلاف العائلات باتوا محاصرين، موضحا أن المساعدات الغذائية من جانب الحكومة لم تدخل لهم منذ عشرة أشهر، وقال إن الحديث الرسمي عن جسر جوي من قبل الحكومة لإيصال المساعدات لا صحة له، وهو مجرد كلام للإعلام فقط.
وأضاف "أبو يوسف" أن معاناة السكان كبيرة، فالأغلبية لا يجدون الفتات من الطعام لمقاومة الجوع، بعد أن خلت الأسواق والبيوت، من الدقيق والأرز وغيرها من الاحتياجات الضرورية، ما دفع الأهالي إلى الاعتماد على أوراق الأشجار وبعض النباتات في الغذاء.
وأوضح "أبو يوسف" أن الوضع العام في "حديثة" يخيم عليه البؤس والقحط، وتحولت الى مدينة أشباح، حيث إن أسواقها وأزقتها التي كان يملأها ضجيج أصوات المارة والمتبضعين، غلب عليها الصمت، وأصبح الأهالي كالسكارى كلهم يبحثون عن المواد الغذائية لإطعام أطفالهم، فلا يجدونها لشحها في المحال التجارية الموصده أمام وجوههم الشاحبة.
قطع الجسور والطرق
وتسببت المعارك الدائرة بين القوات الأمنية، ومقاتلي
تنظيم الدولة الإسلامية في قطع أهم الجسور والطرق، التي كانت تربط "حديثة" بباقي المدن والمناطق القريبة وتزودها بالإمدادات، خاصة مع قضاء هيت، ليصبح قضاء حديثة معزولا، ما ساهم في تردي الأوضاع الإنسانية.
بدوره، يروي "عثمان"، وهو أيضا أحد سكان قضاء حديثة، حكاية أحد أقاربه الذي حاول الانتحار، لأنه لم يعد قادرا على تحمل رؤية زوجته وأطفاله أماما عينيه وهم يموتون جوعا، بينما تستمر الحكومة
العراقية في تجاهل معاناتهم، دون أن تتخذ حلولا من شأنها كسر
الحصار والإسراع بتقديم المساعدات.
ويضيف "عثمان" أن هناك العديد من العائلات التي لجأت الى "حديثة"، من أقضية غرب الأنبار، ومدن الرمادي، والفلوجة، بعد اشتداد المعارك هناك قبل أشهر، حيث يقوم بعضهم بجمع نبات "الخباز" باعتباره وجبة غذائية ثمينة وغنية، ولا يمكن الحصول عليها بسهولة، هذا إن وجدت.
اختفاء حليب الأطفال والأدوية
من جانبه، يقول "أبو عزيز الحديثي" وهو أب لسبعة أطفال: "أنا والكثير من العائلات في حديثة نعتمد بشكل أساسي على أوراق الشجر وثمارها، وما يوجد من نبات صالح للطعام، ونحن على هذا الوضع منذ شهور.
ويضيف: "لا نعاني فقط من النقص في المؤن الغذائية، بل نحتاج بشكل خاص إلى الوقود للتدفئة والتيار الكهربائي، وخاصة الحليب المجفف للأطفال، وأدوية المسنين أصحاب الأمراض المزمنة".
وفي ناحية البغدادي غربي الرمادي، أدى الحصار، الذي يفرضه تنظيم الدولة الإسلامية على مداخل ومخارج البلدة، منذ أكثر من أربعة أشهر، إلى غياب الوقود والغذاء، حيث يعاني الأهالي من نقص الدواء والحليب للأطفال حديثي الولادة والمرضى.
مساعدات محدودة وغير كافية
ويؤكد "محمود المحلوي"، وهو أحد مواطني البغدادي في حديث لـ "عربي21": "لم تشهد البغدادي منذ بدء فرض الحصار دخول أي مواد غذائية، وإن كمية المساعدات التي تدخل محدودة وغير كافية ولا تفي بالغرض"، مشيرا إلى أن بعض المساعدات دخلت قبل أيام المدينة عبر الجسر الجوي، لكن تم توزيعها بطريقة غير نظامية، ولم تشمل الفقراء والمحتاجين، بل جرى توزيعها على عوائل الشرطة الصحوات من عشيرتي الجغايفة والبونمر حصرا.
ويضيف "المحلوي"، أن إحدى النساء، وهي أرملة ولديها ستة من أطفال، لم تذق طعم الخبر هي وأطفالها منذ حوالي أسبوع كامل، موضحا أن الأهالي يعانون من نقص شديد في حليب الأطفال، وأن نقصه تسبب بوفاة ثلاثة منهم.