نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريراً لمراسلتها في القاهرة هبة صالح، قالت فيه إن دولة
ليبيا، التي لا يقع معظمها تحت السلطة، وحدودها التي يسهل اختراقها، وقربها من أوروبا، ووفرة الأسلحة فيها، أصبحت موقعاً متقدماً مهماً "للدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام".
ويشير التقرير إلى أن مؤيداً لتنظيم الدولة يدرج هذه الأسباب، في وثيقة دعائية غير رسمية للتنظيم، ترجمتها مؤسسة "كويليام"، وهي عبارة عن مركز فكري يحارب التطرف في المملكة المتحدة.
وترى الكاتبة أن ذبح 21 قبطياً مصرياً على أحد شواطئ ليبيا، قد يساعد التنظيم على تجنيد المزيد من المقاتلين في بلد يعج بعشرات التنظيمات الجهادية والميليشيات الإسلامية، بحسب رأي المتخصصين.
وتذكر الصحيفة أن
مصر ردت على مقتل رعاياها بسلسلة من الضربات الجوية ضد "مسلحي
تنظيم الدولة في ليبيا". وطالبت الحكومة "المعترف بها دولياً"، الأمم المتحدة برفع حظر تصدير الأسلحة إلى ليبيا؛ لتتمكن من مواجهة التنظيم.
وتجد الكاتبة أنه مع وجود حكومتين متنازعتين على السلطة، وغير قادرتين على بسط سيطرتهما على أوسع من حدود المدن التي توجدان فيها، تصبح ليبيا أرضاً خصبة في شمال إفريقيا للجهاديين، بحسب رأي البعض.
وتنقل الصحيفة عن الخبير في الجماعات الإسلامية في مؤسسة كارنيغي، فريدريك ويهيري، قوله: "قد يرى التنظيم في ليبيا موقعاً استراتيجياً متقدماً وبعيداً عن المركز، ويمكن استخدامه للهجمات ضد أوروبا. وإحساسي يخبرني بأنه وفي خضم الحرب الأهلية الليبية فإن التنظيم يركز على إحكام سيطرته".
ويوضح التقرير أن هناك على الأقل ثلاثة فروع منتمية لتنظيم الدولة تعمل في ثلاثة أقاليم، هي طرابلس في الغرب، وبرقة في الشرق، وفزان في الجنوب، وفي تلك الأقاليم قامت هذه المجموعات بهجمات على أهداف، بينها حقول نفط وفندق في طرابلس. أما التنظيم المنتمي لتنظيم الدولة في درنة في الشرق، الذي قام باختطاف العمال المصريين الذين قتلوا، فيعد الأكثر قوة.
وتلفت الكاتبة إلى أنه بينما تحكم درنة مجموعة من التنظيمات الجهادية، يرى الباحثون أن تنظيم الدولة في صعود هناك، إن لم يكن هو التنظيم الوحيد الحاكم، وكسب التنظيم تأييداً على حساب جماعات جهادية أقدم وأعرق منه، مثل تنظيم أنصار الشريعة، الذي طردته قوات خليفة
حفتر من قاعدته.
وتقول الصحيفة إنه يبقى من غير الواضح إن كانت الفروع المنتمية إلى تنظيم الدولة تنسق مع بعضها أم لا، ولكن الخبراء متفقون على أن تلك التنظيمات تضم مقاتلين أجانب، بالإضافة إلى مئات الليبيين العائدين من سوريا والعراق. وهناك أيضاً أدلة على تعزيز العلاقات مع التنظيم الرئيسي.
وتضيف "فايننشال تايمز" أن التصوير المتطور في الفيديو، الذي صور عملية ذبح المصريين، وتصميم الاستعراض للقتلة المقنعين بالزي الأسود والضحايا بالملابس البرتقالية، لفت نظر المحللين. كما أن الإنتاج عليه شعار "الحياة"، وهي المؤسسة المنتجة التي أنشأها التنظيم الأم، مما يشير إلى أن عناصر من التنظيم ذهبوا إلى ليبيا للقيام بإنتاج الفيلم.
وتفيد الكاتبة بأن القضية الآن بالنسبة لجيران ليبيا وللمجتمع الدولي، هي كيف التصرف حيال هذا الواقع، وقد تكون غارات القاهرة ورقة في يد التنظيم، لتساعده على تحصيل المزيد من الدعم من الفصائل الإسلامية الأخرى، ويقول المحللون إن هذه الغارات قد تساعد التنظيم في تثبيت نفسه في ليبيا.
وينقل التقرير عن الباحث في مؤسسة "كويليام"، تشارلي ونترز، قوله: "تنظيم الدولة يحاول دائماً القيام بأمور تستفز المجتمع الدولي، ويشغل الدول في محاربته ليظهر وكأنه رأس الحربة في الدفاع عن المسلمين من الديكتاتوريين والصليبيين، والتنظيم ينظر إلى الرئيس المصري عبد الفتاح
السيسي على أنه أحد الديكتاتوريين الرئيسيين".
وتجد الكاتبة أنه في ظل غياب حل سياسي لإعادة بسط سيطرة الدولة، يصبح خطر ازدياد حجم التنظيم في ليبيا حقيقياً.
ويورد التقرير ما يقوله المحلل في مركز الشرق الأوسط في "أتلانتك كاونسل"، محمد الجراح: "إن انتظار حل المشاكل الليبية قد يأتي متأخراً، وإن الخطر أكبر من أن يوصف، فقد رأينا السرعة التي تمدد بها التنظيم في سوريا والعراق".
وتختم الكاتبة تقريرها بالإشارة إلى أن الجراح يرى أن "الغارات الجوية وحدها قد يكون لها مفعول عكسي، إن لم تكن هناك استراتيجية شاملة للتعامل مع ما بعد ذلك، وخطة لتأمين الحدود، ومنع تدفق الأسلحة، ووضع استراتيجيات اقتصادية وسياسية".